
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
التهجير الصامت: كيف تستخدم إسرائيل السكن والجريمة لخنق المجتمع العربي في الداخل؟
- بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
منذ إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، شكّل الوجود العربي داخل الخط الأخضر معضلة ديموغرافية وسياسية للمؤسسة الحاكمة. ومنذ تلك اللحظة، أطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مشروعًا طويل الأمد لتقييد هذا الوجود، ليس فقط بالوسائل الأمنية والقانونية، بل عبر منظومة خنق شاملة تمزج بين سياسة الأرض، وهندسة السكن، وتسهيل الجريمة، وتفكيك النسيج الاجتماعي
أولًا: أزمة سكن أم حصار سياسي؟
في الظاهر، تبدو أزمة السكن في البلدات العربية داخل الخط الأخضر قضية إدارية أو تخطيطية. لكن عند النظر بعمق، يتضح أنها سياسة مدروسة تهدف إلى منع التوسع العمراني العربي، وإبقاء التجمعات العربية ضمن حدود ضيقة، خانقة، ومختنقة
•معظم البلدات العربية محرومة من خرائط هيكلية محدثة أو أراضٍ مخصصة للبناء
•رُفضت عشرات آلاف طلبات تراخيص البناء لأسباب مفتعلة
•اضطر الشباب العربي إلى البناء دون ترخيص، رغم معرفتهم المسبقة بالعواقب، لأن الحياة لا تنتظر بيروقراطية عنصرية
وبينما تُهدم البيوت العربية وتُغرم العائلات بآلاف الشواقل، تُمنح أراضٍ واسعة للمستوطنات اليهودية، وتُبنى عليها أحياء فخمة للقادمين الجدد من الخارج، تُسند ملكيتها إلى شركات إسكان مثل "عميدار"، وتُجهز بكل وسائل الراحة والامتيازات
ثانيًا: الجريمة المنظمة كذراع خفي
في موازاة سياسة خنق السكن، تركت الدولة الباب مفتوحًا – بل سهّلت – تغلغل عصابات الإجرام في المجتمع العربي. خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت أرقام القتل، والابتزاز، والتصفية الجسدية، بشكل غير مسبوق. الأسلحة منتشرة، والدولة غائبة... أو بالأحرى، حاضرة بطريقة انتقائية
•كيف تدخل آلاف قطع السلاح دون رقابة؟
•من يدعم هذه العصابات؟
•لماذا لا تُفكك شبكات الجريمة رغم معرفة الأجهزة الأمنية بها تفصيلًا؟
في شهادات صادمة من شباب عرب، هناك من تحدث عن تجنيدهم ضمن فرق إجرامية، ثم تهديدهم حين حاولوا الانسحاب. أحدهم قال إنه نجا من الموت بعد تعرضه لإطلاق نار، وفرّ إلى بلدة أخرى ليحمي زوجته وأطفاله. وآخر ذكر أنه اضطر للتنازل عن زوجته للمافيا مقابل الحفاظ على حياته!
ثالثًا: الهدم والقتل... وجهان لمشروع تهجير ناعم
هذه المعادلة – هدم المنازل، وانتشار الجريمة – ليست متضادة، بل مترابطة. كلاهما يخدمان غاية واحدة: دفع المواطنين العرب إلى الرحيل، أو على الأقل شلّ قدرتهم على المطالبة بحقوقهم، أو تشكيل قوة سياسية ضاغطة. إنها سياسة "الترهيب الناعم": لا تحتاج إلى جنود لطرد السكان، بل يكفي أن تجعلهم يشعرون أن الحياة في بلداتهم صارت مستحيلة
والأخطر، أن جزءًا من القيادة العربية السياسية والمحلية يبدو عاجزًا، أو غير راغب في المواجهة. هناك بلديات ومجالس تغيب عن دورها، وهناك أحزاب تنشغل بخلافاتها ومقاعدها أكثر من انشغالها بأمن الناس وكرامتهم
رابعًا: إلى أين نذهب من هنا؟
أمام هذا المشهد القاتم، من حقنا أن نغضب، لكن الأهم أن نُنظّم غضبنا في مشروع جماعي. لدينا الحق في السكن، في الأمن، في الحياة الكريمة، لكن هذه الحقوق لن تُهدى إلينا؛ علينا أن ننتزعها. ما نحتاجه هو :
لجنة قطرية عربية موحدة للسكن والبناء، تضم مختصين، قيادات، وممثلين شعبيين
تحرك شعبي واسع لمواجهة أوامر الهدم وتوثيق الانتهاكات قانونيًا وإعلاميًا .
برنامج لحماية المجتمع من تغلغل عصابات الإجرام، وتشكيل لجان أحياء تطوعية تتعاون مع كل من يسعى للخير.
تفعيل دور الشيوخ والوجهاء ورؤساء المجالس المحليين في قيادة مشروع مقاومة اجتماعي ومدني شامل .
بناء خطاب إعلامي جديد، إنساني ووحدوي، يتحدث باسم الناس، ويكشف زيف الدولة وازدواجية تعاملها.
الختام: هذه ليست أزمة مؤقتة… بل معركة وجود
الواقع الذي نعيشه اليوم في الداخل الفلسطيني لا يمكن اختزاله في أزمة إسكان أو موجة جريمة. ما يجري هو تنفيذ فعلي لسياسات تطهير بطيء، وتهجير ناعم، وتفكيك داخلي. نحن لسنا أقلية تبحث عن فتات حقوق، بل أهل هذا الوطن، وجذوره الحية
ما لم ندرك ذلك، ونتصرف على أساسه، سنظل ندفع الثمن بيتًا تلو الآخر، وجسدًا تلو الآخر، وصوتًا تلو الآخر... حتى نصبح أرقامًا في مشاريع "تقليص الخطر الديمغرافي"
لكننا لن نكون أرقامًا، بل سنكون جدارًا
24/05/2025 11:39 am 112