كنوز نت - بقلم الباحث والكاتب: سليم السعدي


تل المتسلم – مجيدو: حفريات الاستعمار وسردية الإنكار
  • بقلم الباحث والكاتب: سليم السعدي
(نُشر استنادًا إلى كتاب البروفيسور عمر محاميد)
في قلب مرج ابن عامر، وعلى أنقاض قرية اللجون الفلسطينية المدمّرة، يقع تل مجيدو، الذي يعرفه الغرب باسم "تل المتسلم"، وتعرفه الرواية التوراتية باسم "هرمجدون"، موقع نهاية العالم الأسطورية. لكن ما يفعله البروفيسور عمر محاميد، في كتابه الجريء "تل المتسلم مجيدو: حفريات الكولونيالية في شرقنا القديم"، هو قلب هذه الأسطورة رأسًا على عقب، عبر كشف علمي وتحليلي عن عملية طمس منظم للهُوية الكنعانية والإسلامية والعربية للمكان، تمّت تحت غطاء البحث الأثري
الحفريات بوصفها استعمارًا ناعمًا
منذ القرن التاسع عشر، تناوبت بعثات ألمانية، بريطانية، أمريكية، ثم صهيونية، على التنقيب في تل مجيدو. ما جمعها لم يكن فقط شغف المعرفة، بل هدف إيجاد أدلة مادية تدعم السردية التوراتية عن "إسرائيل القديمة". لكن البروفيسور محاميد يُظهر، بالأدلة، كيف تم تجاهل طبقات أثرية كاملة تعود إلى الحقب الكنعانية والإسلامية، في مقابل تضخيم أي شظايا قد تُفسَّر تأويليًا لخدمة الخرافة التوراتية
تل مجيدو مدينة كنعانية لا توراتية
يُثبت محاميد أن تل مجيدو لم تكن يومًا مملكة عبرية، بل مدينة كنعانية مشرقة، مرتبطة بآلهة مثل "إيل" و"عشتاروت"، وموصولة بالحضارات السورية – الأوغاريتية – الفينيقية. كما يشير إلى أن الموقع كان جزءًا من نظام حضاري كتابي وأبجدي سبق التوراة بقرون، مما يطيح بادعاء "السبق التاريخي الإسرائيلي"
اللجون: الذاكرة التي أُريد لها أن تموت
قرية اللجون، التي كانت مأهولة حتى نكبة عام 1948، تُعد اليوم في حكم "المحيت"، بعدما حُوّلت أراضيها إلى منتزهات ومرافق إسرائيلية، من بينها "سجن مجدو" سيّء الصيت. محاميد يربط بين التل والقرية باعتبارهما امتدادًا عضويًا لحضارة عربية إسلامية، لا مجرد مكانين منفصلين. فالتاريخ لا ينتهي بحفريات، بل يمتد في البشر والأرض، والمكان الحيّ لا يُدفن بالحفر، بل يُبعث بالرواية المقاومة
هرمجدون أم مجيدو؟ سؤال في جوهر الصراع
أحد أعمق الأسئلة التي يطرحها البروفيسور محاميد هو: هل نحن أمام موقع تاريخي، أم ساحة حرب لأساطير استعمارية؟ فبينما يحوّل الغرب مجيدو إلى رمز لنهاية العالم (هرمجدون)، يحوّلها محاميد إلى بداية جديدة لوعي تاريخي نقدي، يعيد الاعتبار للفلسطيني بوصفه ابن الأرض، لا غريبًا عنها
علم الآثار المقاوم
ما يقترحه الكتاب، ضمنًا، هو نموذج مضاد لعلم الآثار، لا يكتفي بجمع اللقى، بل يقرأها في سياقها الثقافي والمكاني والإنساني. علمٌ لا يخدم الأسطورة، بل يفككها، ليعيد بناء الهوية
ختامًا
يشكل عمل البروفيسور عمر محاميد دعوة إلى تحرير الذاكرة من الهيمنة المعرفية، وتوثيق الحضور الفلسطيني ليس فقط كصاحب قضية سياسية، بل كوارث حضاري موغل في القِدم. وفي ظل سعي الاحتلال إلى محو الرواية الأصلية، فإن مثل هذه الكتب تمثل حجر أساس في استعادة التاريخ من بين أنقاض الأكاذيب

صور توضيحية
•تل مجيدو من الأعلى
 
منظر جوي لتل مجيدو يُظهر الطبقات الأثرية المتعددة.
•آثار كنعانية في تل مجيدو

بقايا أثرية تعود للعصر الكنعاني.
•مسجد قرية اللجون المهجرة
 
صورة لمسجد قرية اللجون قبل تهجير سكانها.
•لوحة فنية لتل مجيدو واللجون بريشة الفنان سليم السعدي

لوحة تُجسد التاريخ الكنعاني والإسلامي للمنطقة