كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي


القلق الإسرائيلي من تنامي التيار المعادي داخل الولايات المتحدة: بين نتنياهو و"أمريكا الجديدة"
  • بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
مقدمة
لطالما شكّل التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حجر زاوية في السياسات الإقليمية والدولية لكلا الطرفين. هذا التحالف تجاوز المصالح الجيوسياسية ليغدو مظلة أيديولوجية قائمة على "القيم المشتركة"، كما تُقدَّم عادة في الخطاب الرسمي. غير أن السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد تفجر الأوضاع في غزة منذ أكتوبر 2023، شهدت تحولات عميقة في المشهد الأمريكي الداخلي، أرخت بظلالها على العلاقة مع إسرائيل، وأثارت قلقًا استراتيجيًا داخل تل أبيب، لا سيما في مكتب بنيامين نتنياهو
أولًا: ملامح التيار المعادي أو الناقد لإسرائيل في أمريكا
لم يعد التيار الناقد لإسرائيل في أمريكا حكرًا على الهامش الأكاديمي أو اليسار الراديكالي. بل بات ظاهرة متعددة الأوجه تتقاطع فيها
القاعدة الشبابية الديمقراطية التقدمية: تشير استطلاعات الرأي إلى تزايد دعم الشباب الأمريكي، خصوصًا من الجيل Z وجيل الألفية، لحقوق الفلسطينيين، مع نظرة أكثر نقدية تجاه سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة. ويرتبط هذا الوعي الجديد بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وحملات "دي-كولونيالية" واسعة في الجامعات
1.Pew Research Center, "U.S. Public Opinion on Israel and Palestinians", 2024.
الحراك الطلابي والجامعي: منذ أبريل 2024، عمّت الجامعات الأمريكية موجة احتجاجات غير مسبوقة، طالبت بفك الارتباط المؤسسي مع إسرائيل، ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لها. هذه الاحتجاجات وصِفت من قبل بعض المسؤولين الإسرائيليين بأنها "معادية للسامية"، لكنها في واقع الأمر تعكس خطابًا حقوقيًا جديدًا يعيد رسم الخريطة الأخلاقية للصراع
2. Human Rights Watch, “A Threshold Crossed: Israeli Authorities and the Crimes of Apartheid and Persecution”, 2021.
نواب في الكونغرس: لم تعد إسرائيل تحظى بإجماع سياسي كامل. شخصيات مثل رشيدة طليب، إلهان عمر، بيرني ساندرز، وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، عبّرت عن مواقف حادة تجاه إسرائيل، بل طالبت بوقف الدعم غير المشروط. وهو ما يعتبره نتنياهو اختراقًا خطيرًا لمنظومة الضغط التقليدية المؤيدة لتل أبيب في واشنطن
3. "Rep. Rashida Tlaib Calls for End to U.S. Military Aid to Israel", The Guardian, 2024.
الإعلام والمجتمع المدني: رغم قوة اللوبيات الإعلامية التقليدية، بدأت ملامح تحول جديدة تظهر في تغطية بعض وسائل الإعلام الكبرى مثل New York Times وCNN، حيث باتت المسافة بين "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" و"مسؤوليتها عن قتل آلاف المدنيين" موضوعًا مشروعًا للنقاش. كذلك تزايدت مبادرات المجتمع المدني الأمريكي المؤيدة للفلسطينيين، وظهرت حملات مقاطعة وفرض عقوبات (BDS) على الجامعات والشركات المرتبطة بإسرائيل
4. CNN, "How American Media Is Reframing the Israeli-Palestinian Conflict", 2024.

ثانيًا: الرد الإسرائيلي ومحاولات احتواء الموجة
يعكس القلق الإسرائيلي من هذا التحول حجم الرهان التاريخي على الدعم الأمريكي. ومن أبرز معالم رد الفعل الإسرائيلي
•تصريحات نتنياهو المتكررة التي تحذر من "تفكك الدعم الأمريكي التقليدي"، وتتهم خصومه في الداخل الأمريكي بـ"التحالف مع أعداء إسرائيل"
5. "Netanyahu Warns of U.S. Support Erosion Amid Israel-Palestine Conflict," The Times of Israel, 2024.
•نشاط مكثف للوبيات مثل إيباك (AIPAC) التي كثفت تمويلها لحملات انتخابية داخل الكونغرس تستهدف مواجهة التيار التقدمي
6. AIPAC Annual Conference Report, 2024.
•الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها السفارة الإسرائيلية في واشنطن على الجامعات والمؤسسات الثقافية لوقف الأنشطة المؤيدة لفلسطين، متهمة إياها بنشر خطاب كراهية
7. "Israeli Embassy Pressures U.S. Universities Over Pro-Palestinian Activities", Haaretz, 2024.
•محاولات شيطنة الحراك الطلابي من خلال ربطه بمعاداة السامية أو الإرهاب، وهو خطاب فشل في كثير من الحالات في إقناع الرأي العام الأمريكي الجديد، خاصة بعد مشاهد المجازر المتكررة في غزة.
8. The New York Times, “American College Protests Against Israel: A Changing Narrative”, 2024.


ثالثًا: تصدّع الصورة الأخلاقية لإسرائيل
تعتمد إسرائيل في علاقاتها الدولية على ما يُعرف بـ “سلاح الضحية"، أي تقديم نفسها بوصفها دولة ديمقراطية محاطة بالأعداء، تحارب الإرهاب وتحمي القيم الغربية. لكن الصور القادمة من غزة، وتصريحات مسؤوليها المتشددة، قوضت هذه السردية، وأعادت إلى الواجهة أسئلة عن
•استمرار الاحتلال والاستيطان
•الجرائم ضد المدنيين
•الفصل العنصري (كما وصفته منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي).
•دعم أمريكا غير المشروط لهذه السياسات
كل ذلك جعل شريحة كبيرة من الأمريكيين، وخصوصًا بين الأوساط التقدمية والليبرالية، تعيد تقييم "التحالف القيمي" مع إسرائيل
9. Amnesty International, "Israel's Apartheid: An Analysis of Systematic Discrimination", 2024.
رابعًا: المدى الذي يمكن أن يبلغه هذا التحول
رغم أن المؤسسات الأمريكية الرسمية، وعلى رأسها الكونغرس والبيت الأبيض، لا تزال منحازة بشكل واضح لإسرائيل، فإن التحولات في الرأي العام تؤسس على المدى البعيد لتغيير محتمل في السياسات. ويبدو أن القلق الإسرائيلي مبرر لعدة أسباب
•فقدان الإجماع الحزبي الأمريكي
•تآكل شرعية إسرائيل الأخلاقية في الخطاب الغربي
•احتمال ظهور إدارة أمريكية مستقبلية أكثر جرأة في ربط الدعم العسكري بإصلاحات حقيقية
•توسع حركة المقاطعة وفرض العقوبات BDS داخل أمريكا، ليس على مستوى الحكومات، بل المؤسسات والشركات والجامعات

خاتمة
إسرائيل، بقيادة نتنياهو، تواجه لحظة مفصلية في علاقتها مع الحليف الأمريكي. ما كان يبدو في الماضي "تحالفًا أبديًا" بات اليوم موضع مساءلة، على الأقل في ضمير قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي. ولعل هذا التغيير الأخلاقي والثقافي هو أكثر ما يقلق إسرائيل: أن تفقد تأييد الرأي العام الأمريكي، فيسقط عنها الغطاء الذي طالما وفّر لها الحصانة
في نهاية المطاف، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ليس فقط: هل تخسر إسرائيل أمريكا؟، بل: أيّ أمريكا تخسرها؟ أمريكا القديمة التي صمتت عن الجرائم باسم الحلفاء، أم أمريكا الجديدة التي تنظر إلى حقوق الإنسان كقيمة عليا، حتى لو خالفت السياسة؟

المراجع:
1.Pew Research Center, "U.S. Public Opinion on Israel and Palestinians", 2024.
2.Human Rights Watch, “A Threshold Crossed: Israeli Authorities and the Crimes of Apartheid and Persecution”, 2021.
3."Rep. Rashida Tlaib Calls for End to U.S. Military Aid to Israel", The Guardian, 2024.
4.CNN, "How American Media Is Reframing the Israeli-Palestinian Conflict", 2024.
5."Netanyahu Warns of U.S. Support Erosion Amid Israel-Palestine Conflict," The Times of Israel, 2024.
6.AIPAC Annual Conference Report, 2024.
7."Israeli Embassy Pressures U.S. Universities Over Pro-Palestinian Activities", Haaretz, 2024.
8.The New York Times, “American College Protests Against Israel: A Changing Narrative”, 2024.
9.Amnesty International, "Israel's Apartheid: An Analysis of Systematic Discrimination", 2024.