كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي


القيادات المحلية العربية: بين عجز السلطة وتخاذل التمثيل
  • بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
في الوقت الذي يتعرض فيه المواطن العربي في الداخل الفلسطيني لهجمة مركّبة من سياسات الإقصاء، وتفشي العنف والجريمة، وتهميش القرى والبلدات العربية في التخطيط والميزانيات، نجد أنفسنا أمام فراغ قيادي صارخ على مستوى السلطات المحلية. رؤساء المجالس والبلديات العربية، الذين انتُخبوا نظريًا لتمثيل الناس وخدمة قضاياهم، يبدون وكأنهم يفضلون الصمت، بل والتواطؤ أحيانًا، على اتخاذ موقف تصعيدي ضد السياسات العنصرية لحكومة نتنياهو
إن اختفاء الصوت البلدي في المعارك الوجودية التي يخوضها مجتمعنا، من هدم البيوت في النقب والمثلث، إلى جرائم القتل اليومية التي تحصد أرواح شبابنا، يعكس فقدانًا واضحًا للثقة من الشارع. كيف يمكن لمواطن أن يشعر بالأمان والكرامة، وهو لا يرى رئيس بلديته يشارك اعتصامًا، أو يطلق نداءً صريحًا بمقاطعة أو مقاومة سياسية فعلية؟
القيادة التي ترتجف أمام ميزانية مشروطة أو لقاء وزاري ليست قيادة، بل وظيفة إدارية خائفة. ونحن لا نحتاج إلى إداريين يزينون الدمار بخطابات مكررة، بل إلى شخصيات تملك الجرأة الأخلاقية والرصيد الشعبي للوقوف في الصفوف الأمامية.
لقد آن الأوان لتشكيل قيادة ميدانية بديلة، تنبع من نبض الناس، وتعيد توجيه البوصلة نحو الكرامة الجماعية، لا نحو المصالح الشخصية. شبابنا، نساؤنا، طلابنا، عائلاتنا، كلهم جاهزون للنهوض، لكنهم يبحثون عمّن يقودهم بصدق، لا بمن يفاوض باسمهم ليحصد الثمن وحده
نحن لسنا جالية تبحث عن تحسين شروط الاندماج، بل مجتمع أصيل يطالب بحقوقه الكاملة في الأرض واللغة والعدالة. وعلى من لا يستطيع أو لا يريد أن يكون في صف هذا النضال أن يفسح الطريق لغيره.
نعم، هذه المعلومة تتكرر كثيرًا في النقاشات داخل المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، وهناك شكاوى متزايدة من شرائح واسعة من الناس بأن بعض رؤساء السلطات المحلية العربية لا يمثلون نبض الشارع، ولا يتخذون مواقف جدية أو تصعيدية تجاه سياسات حكومة نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بقضايا جوهرية مثل: 
•العنف والجريمة المنظمة في البلدات العربية، والتي يشعر المواطنون أن الدولة تتقاعس عن مكافحتها
•هدم البيوت وعدم وجود تخطيط بنيوي عادل
•التمييز في الميزانيات والمخصصات
•غياب الدعم في القضايا السياسية والهوية الوطنية
أسباب تراجع الثقة
التبعية للوزارات الإسرائيلية: 1 . كثير من رؤساء السلطات المحلية يعتمدون على ميزانيات مشروطة من وزارات الحكومة، مما يجعلهم يتجنبون المواجهة خشية خسارة الدعم المالي

ضعف الخطاب السياسي: 2 . غالبًا ما يقتصر دورهم على العمل الإداري ولا يمتد إلى مواقف سياسية واضحة، مما يعمّق الفجوة بينهم وبين جمهورهم.
تراكم الإحباط الشعبي: 3 . الشارع العربي يشعر بأن لا أحد يمثله تمثيلًا حقيقيًا في النضال اليومي، ولا يجد من يقود مشروعًا جماعيًا جادًا في الدفاع عن حقوقه
في المقابل
هناك محاولات لبعض الشخصيات والهيئات المحلية للتحرك خارج الإطار الرسمي، من خلال المبادرات الشعبية أو تشكيل لجان أهلية. لكن هذه الجهود تظل غالبًا مشتتة وتفتقر إلى الدعم المنظم، خصوصًا في ظل تراجع قوة لجنة المتابعة العليا، والتي كانت تُعتبر في وقت ما مرجعية وطنية
التحدي القائم
هو كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين الجمهور العربي وقياداته المحلية؟ وهل المطلوب اليوم هو إنتاج قيادة ميدانية جديدة من قلب الشارع، تكون أكثر جرأة في مواجهة منظومة التمييز، وأقل تبعية للمصالح السياسية والمال
أين أنتم؟ صمت البلديات العربية في وجه سياسات القمع والتمييز
في زمن تتكثف فيه سياسات القمع والإهمال الممنهج ضد جماهيرنا العربية في الداخل الفلسطيني، تختفي أصوات رؤساء المجالس والبلديات العربية في لحظة كان من المفترض أن يكونوا فيها في الصفوف الأولى. فبين العنف المنفلت في شوارعنا، وهدم البيوت، وتهميش بلداتنا من الخارطة الاقتصادية والسياسية، يقف المواطن العربي وحيدًا، محاطًا بخذلانين: خذلان الدولة، وخذلان من يفترض أنهم "قياداته المحلية"
لسنوات، منح الناس ثقتهم لرؤساء السلطات المحلية، على أمل أن يكونوا صوتًا للحق، وجسرًا بين المعاناة اليومية وصناع القرار. لكن ما نراه اليوم هو العكس تمامًا: خضوع، صمت، أو في أحسن الأحوال، بيانات بلا طعم أو موقف. يبدو أن الخوف من فقدان ميزانية أو استدعاء وزاري أهم عند البعض من صرخة أمّ ثُكلت بابنها، أو حيّ يرزح تحت سطوة الجريمة
ما يحدث ليس مجرد تردد أو ارتباك، بل انسحاب صريح من معركة البقاء. والنتيجة؟ فقدان ثقة شعبي عميق في من يفترض أنهم ممثلون شرعيون. لا يمكن أن نبقى رهائن لمنصات إدارية تتحرك بحسابات ضيقة، فيما تحترق القرى والبلدات واحدًا تلو الآخر
من حقنا أن نسأل: أين أنتم من قرارات هدم البيوت؟ أين أنتم من قضايا الأرض والمسكن؟ من الجريمة؟ من الموازنات العنصرية؟ لماذا لا نراكم تقودون اعتصامًا؟ أو تدعون لإضراب؟ أو تحشدون الجماهير في مواجهة مشاريع الاقتلاع والإفقار؟ وهل تظنون أن الناس لا تميز بين من ينحاز للحق، ومن ينحني للكرسي؟
لسنا دعاة انشقاق، بل أبناء مشروع جماعي لا يُختصر في مكتب رئيس بلدية ولا في ميزانية ملوّثة بالشرط السياسي. آن الأوان لفتح الطريق أمام طاقات جديدة، صادقة، متجذرة في هموم الناس، تعرف كيف تصرخ، وتعرف متى تصمت، ولكنها لا تتواطأ
دعوتنا صريحة: إما أن تتحملوا مسؤولياتكم بكرامة ووضوح، أو افسحوا الطريق لمن يملك الشجاعة. هذا الشعب لا يبحث عن خدمات، بل عن كرامة. لا يطلب التزلف، بل النضال
سليم السعدي: "نطالب رؤساء السلطات المحلية العربية بموقف واضح – إمّا النضال أو إفساح الطريق"
في بيان موجز أصدره الكاتب والناشط السياسي سليم السعدي، وجّه انتقادات حادة لأداء رؤساء السلطات المحلية العربية في الداخل الفلسطيني، متهمًا إيّاهم بالصمت والتخاذل في مواجهة سياسات حكومة نتنياهو التمييزية
وقال السعدي إنّ "الجريمة، هدم البيوت، وسياسات الإقصاء الممنهج لا تواجه ببيانات ضعيفة، بل بمواقف جريئة من قيادة تمثّل الناس، لا تُدار بعقلية التبعية". وأضاف: "الشعب فقد الثقة بقيادات محلية صامتة، والخيار واضح: إمّا موقف واضح في وجه الظلم، أو افساح الطريق لمن يملك الشجاعة والضمير"
واختتم السعدي بيانه بالدعوة إلى "تجديد الدم في مواقع القيادة الميدانية، وفتح الأفق أمام طاقات شبابية تحمل هموم الناس وتضع كرامتهم في مركز الأولويات"