
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
بين التكتيك والاستراتيجية: الرؤية الأمريكية الجديدة لعزل نتنياهو ووقف الحرب"
- بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
في خطوة مفاجئة تحمل دلالات تتجاوز حدودها الظاهرية، نجحت وساطة مباشرة قادها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تأمين إطلاق سراح الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي إدن ألكسندر من قبضة حركة حماس. خطوة، وإن رآها البعض إنجازًا إنسانيًا، إلا أن القراءة الاستراتيجية تشير إلى ما هو أعمق بكثير: بداية تحوّل في الرؤية الأمريكية تجاه الحرب على غزة، ومقدمة لعزل سياسي منهجي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
تكتيك انتخابي أم تغيير في العقيدة السياسية؟
لا شك أن ترامب، وهو يتأهب لخوض معركته الانتخابية ضد بايدن، يبحث عن نقاط تفوّق على خصمه في ملفات السياسة الخارجية. لكن اختياره الدخول في وساطة مع "عدو معلن" مثل حماس، من خارج أطر وزارة الخارجية ومؤسسات الأمن القومي، يؤشر إلى نية مدروسة لتقديم نفسه كزعيم قادر على التعامل مع الواقع كما هو، بعيدًا عن الثوابت الأيديولوجية الجامدة
ومع أن الوساطة بدت أول الأمر عملاً تكتيكيًا يهدف إلى تسجيل نقطة في الداخل الأمريكي، إلا أن أبعادها لم تتوقف عند حدود الرهينة المحرّر، بل امتدت لتشكّل إحراجًا سياسيًا بالغًا لنتنياهو، الذي عجز منذ شهور عن تقديم أي إنجاز حقيقي في ملف الأسرى
نتنياهو عبء استراتيجي
من وجهة نظر أمريكية متزايدة الواقعية، لم تعد الحرب الإسرائيلية في غزة تُخدم المصالح الأمريكية، بل تضعفها على المدى البعيد. فالحرب كشفت هشاشة الردع الإسرائيلي، وجرّت واشنطن إلى زاوية أخلاقية حرجة أمام الرأي العام العالمي، كما ساهمت في توسيع النفوذ الصيني-الروسي في الفضاء العربي والإسلامي
الرئيس ترامب – المعروف بنزعته البراغماتية – يبدو مدركًا أن دعم نتنياهو "حتى النهاية" لم يعد خيارًا مجديًا. بل على العكس، فإن بقاء نتنياهو في الحكم بات يهدد الاستقرار الإقليمي، ويُبقي المنطقة رهينة لصراعات غير محسوبة قد تجرّ الولايات المتحدة إلى مواجهات لا تخدم هيمنتها ولا أمنها القومي
نحو إعادة ضبط التحالفات
الرسالة التي أراد ترامب إيصالها، سواء تعمّدها أم لا، باتت واضحة: أمريكا لن تنتظر تل أبيب بعد الآن، بل قد تبادر إلى فرض الوقائع إن استشعرت أن المصالح العليا أصبحت مهددة. هذه المقاربة الجديدة قد لا تكون حكرًا على ترامب، بل تعكس أيضًا توجّهًا آخذًا في التبلور داخل مؤسسات القرار الأمريكية، بما فيها بعض دوائر الحزب الديمقراطي، الذين بدأوا يرون في الحرب الإسرائيلية مشروعًا خاسرًا
نهاية مرحلة.. وبداية أخرى؟
لا يمكن الجزم أن الولايات المتحدة قررت "التخلي" عن إسرائيل، فهذا احتمال بعيد في المدى المنظور. لكن المؤكد أن زمن الشيكات المفتوحة لنتنياهو قد انتهى. فالرجل، الذي طالما تباهى بعلاقته الخاصة مع ترامب، يبدو الآن معزولًا حتى من أقرب حلفائه
وإذا ما تكررت وساطات مماثلة، أو توسعت لتشمل ملفات أخرى، فإننا سنكون أمام مخاض أمريكي لإعادة تشكيل دور إسرائيل في الاستراتيجية الإقليمية، لا بوصفها ذراعًا عسكرية مطلقة، بل لاعبًا محكومًا بمحددات أمريكية أكثر وضوحًا وصلابة
ومضة ختامية
لقد علمنا التاريخ أن الإمبراطوريات لا تسقط دائمًا بالسيوف، بل بالأخطاء الاستراتيجية التي تستهلك طاقتها في معارك لا تضيف إلى سلطانها سوى الخسائر. والولايات المتحدة، وقد بدأت تراجع أوراقها، تُدرك أن حماية زعامات متورطة في حروب عبثية لن يُبقيها على عرش الهيمنة، بل ربما يُعجّل بأفولها. وربما آن الأوان لأن تفهم إسرائيل – لا كدولة فقط بل كعقل سياسي – أن العالم يتغيّر، وأن من لا يتغيّر معه... يُقصى
13/05/2025 07:28 am 95