كنوز نت - بقلم: سليم السعدي

درع الأمة: بين الحماية والانكسار

  • بقلم: سليم السعدي


في زمنٍ تتكالب فيه القوى وتتشابك فيه المصالح، تصبح الأمة التي تفقد درع الأمان كالجسد العاري أمام السهام، لا يقيها جلدها ولا تنفعها صرخاتها. فالدروع ليست مجرد رموز عسكرية أو هياكل دفاعية، بل هي البنية الأخلاقية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، التي تحفظ تماسك الأمة، وتمنحها القدرة على الصمود أمام تقلبات الزمان وغدر العدوان
لقد شبّهت بعض الثقافات الإنسان بقلبٍ تحيطه الأضلاع لتحميه، والقفص الصدري هذا، وإن كان هشًّا في طبيعته، إلا أنه عند كسره يترك ألمًا لا يُحتمل، وجراحًا لا تُشفى بسهولة. كذلك هي الأمم: إذا انكسر درعها، وتهشّم تماسكها، فإن الألم يطال وجدانها الجمعي، ويغور في ذاكرتها، ويطبع على حاضرها بصمة انكسار يصعب محوها
مفهوم "درع الأمة"
درع الأمة ليس سلاحًا ماديًّا فقط. بل هو
•الهوية الجمعية: عندما تعرف الأمة من هي، وماذا تريد، ومتى تقول "لا"، فإنها تضع أول لبنة في درعها
•العدالة الداخلية: حين يشعر أبناؤها أن الحقوق تُحترم، والكرامة مصانة، وأن لكل فرد مكانًا في ظل القانون، فإن المجتمع يتحصن ضد الانهيار
•الوعي التاريخي والسياسي: إن فقدت الأمة ذاكرتها، سهل التلاعب بها. لكن من يعرف تاريخه، ويحسن قراءة حاضره، لا يُقاد إلى الذبح وهو نائم
•اللغة والثقافة: أدوات التمايز والتعبير، ودرع ناعم لا تراه العين لكنه يحفظ الروح من الذوبان
حين ينكسر الدرع
عندما تفقد الأمة عناصر هذا الدرع، تبدأ رحلة الانحدار، لا بصخب، بل بصمت خافت يشبه نزفًا داخليًا لا يلاحظه أحد في البداية
يتكسر الدرع أحيانًا بخيانة الداخل، وأحيانًا بغفلة القادة، وأحيانًا بصمت العامة. لكنه دائمًا ما يبدأ من شرخ صغير، قد يكون في منظومة التعليم، أو في خطاب النخب، أو في السكوت عن الظلم
إن الشعوب التي تُحكم بالقهر ولا تملك أدوات مساءلة الحاكم، تلك التي يُستبدل فيها الوعي بالإعلام الموجّه، والحرية بالتخويف، والأمل بالوعود الفارغة، تجد نفسها تسير، دون درع، نحو معركة خاسرة

أثر الانكسار
الانكسار لا يُقاس فقط بالخسارة الجغرافية أو الاقتصادية، بل بما يتركه من ندوب في الذاكرة الجمعية. أمة تنكسر لا تعود كما كانت، إلا إذا واجهت ألمها، ووعت أسبابه، وأعادت بناء درعها لا كصورة قديمة، بل كدرع جديد يصمد أمام تحولات المستقبل
ما العمل؟
علينا اليوم أن نتساءل: ما شكل درعنا؟ وهل هو قائم أم مثقوب؟
هل أطفالنا يشعرون بالأمان في مدارسهم؟
هل شبابنا يؤمنون بجدوى البقاء في الوطن؟
هل كبارنا يموتون بكرامة، أم يغادرون بصمتٍ لا يذكرهم فيه أحد؟
كل إجابة على هذه الأسئلة تكتب سطرًا في تقرير حال درع الأمة
فإما أن نكون أمة تبني درعها بوعي وشجاعة،
وإما أن نظل نندب أثر كسره، إلى أن نندثر

إن أمتنا اليوم تقف على مفترق النيران، فقد سُلِب منها درع الأمان، فبات صدرها مكشوفًا لغدر الزمان
الدروع ليست فقط سلاحًا، بل هي إرادة، وحدة، ضمير جمعي لا ينكسر
وإن كُسر القفص الصدري، فلا تحسبوا أن الألم يمرّ سريعًا، بل يخلّف أثرًا طويلًا، يذكّرنا بأن لا نعود للغفلة
فليكن خطابنا اليوم صرخة بناء… لبناء الدرع من جديد
الأمم، كالأجساد، لا تقوم بلا درع يحميها. ذلك الدرع قد يكون وعيًا جمعيًّا، نظامًا عادلًا، وحدة داخلية، أو قوة دفاعية تُردع بها الأخطار. وعندما تُسلب الأمة هذا الدرع، فإنها لا تنهار فجأة، بل تبدأ بالاحتراق البطيء؛ من الداخل أولًا، ثم تتفتت أطرافها حتى تندثر. يشبه الأمر كسر قفصٍ صدريٍّ في جسد حيّ: الجرح عميق، الألم طويل، والشفاء صعب. بل إن ما يُترك من أثر الكسر قد لا يُمحى أبدًا. حينها، لا يبقى للأمة سوى أن تكتب تاريخ انكسارها... أو أن تعيد بناء درعها من جديد