.jpg)
كنوز نت - الطيبة _ بقلم الإعلامي : ناضل حسنين
كيف تركتم الأرواح بيد المجرمين؟
صرخة تتردد في أرجاء مجتمعنا العربي، مشبعة بالغضب والحسرة، موجهة إلى أولئك الذين اعتلوا منابر الدين لكنهم تقاعسوا عن أداء دورهم، في وقتٍ تنزف فيه القرى والمدن العربية دماً. صرخة نطلقها اليوم، بعد أن بلغ عدد ضحايا الجريمة في مجتمعنا 86 منذ بداية العام، دون أن يرفّ جفنٌ لضمير دينيّ، أو تتحرك منابر للهداية والحق.
إلى من يرتدون عباءة الدين ويُكثرون من ترديد أن الأعمار بيد الله، نقول: نعم، الأعمار بيد الله، لكن الأرواح تُسلب هنا برصاصات في الشوارع، بدمٍ بارد، وأنتم صامتون. كيف تنامون عميقا، وتأكلون هنيئا، في وقت لا تتوقف فيه الجنازات، ولا تجف الدماء عن الأسفلت؟
هذا ليس مقالا. هذه صرخة لا تستجيب للكتمان، وعتاب لدور غائب وموقف خافت. نعم، نجلكم ونحترم منازلكم، لكن ذلك لا يعفيكم من المسؤولية، بل يزيدها ثقلاً. فأنتم المؤتمنون على الكلمة والموقف، وأنتم تعلمون قبل غيركم أن حرمة الدم أشد من حرمة الكعبة. فكيف تسكتون عن القتل وكأنكم لا ترونه؟ كيف تقفون على منابر الجمعة، فتصدحون بكل القضايا إلا قضية الساعة دون أن تهتز أصواتكم من هول ما يحدث في الخارج من رعب وسفك دماء؟
جرائم القتل ليست محوراً للتهامس، بل أرواح أُزهقت، وأسر تشردت، وأطفال باتوا أيتامًا. رصاصٌ يخترق الجدران والقلوب، يسكن في غرف نومنا، ونحن نتساءل: أين كلمتكم التي تطرق القلوب وتوقظ الغافلين؟ بأي حق تصمتون والصمت خذلان مهين؟
نحن لا نريد لكم حمل السلاح ولا مواجهة العصابات، بل نطلب ما هو أعمق: موقفا جريئا واضحا، وكلمة لا تخشى في الله لومة لائم. نريد خطبًا توقظ الضمائر لا تخدرها، نريدكم في الميدان، بين الخصوم فورا.. تصالحون وتصلحون. نريدكم بين الشباب الذين تاهوا، ومع العائلات التي فقدت أبناءها، تزرعون الأمل وألا تكتفوا بالدعاء وإطلاق كليشيهات التواكل.
أين أنتم من كل هذا؟ لماذا هذا الغياب المريب؟ أهو الخوف؟ نعم، قد يكون، لكن أنتم أول من يعلم أن الخوف من الله لا يوازيه خوف. أم هو التهرب؟ الانشغال بخلافات شكلية وصراعات عقيمة على حساب واجب الحفاظ على حياة الناس؟ لا شيء يبرر صمتكم، لا شيء يخفف عنكم وزر الدماء التي تسيل بيننا وأنتم قادرون على التأثير دون أن تفعلوا.
كثيرون بينكم اختاروا السلامة بدل التصدي، والنصوص بدل المواقف، والمنابر المغلقة بدل الميادين المفتوحة. ندرك أن الأمر ليس سهلاً، وندرك حجم المخاطر، لكن هذا هو ثمن الرسالة، وهذه هي أمانة الدين. لقد سبقكم علماء وقفوا في وجه الطغاة، صدعوا بالحق، ودفعوا الثمن، فكتب لهم التاريخ الخلود والاحترام.
أما أنتم، فاخترتم الصمت الرهيب؟ لا، لا يكفي أن تقولوا إن الشرطة مقصّرة، أو إن الدولة لا تأبه. هذا صحيح، لكن أنتم، أين دوركم الذي يتغلغل الى ادق تفاصيل حياتنا ولا يعالج اهم مشاكلنا؟ أنتم جزء من هذا المجتمع، مسؤولون عن ضياعه مثلما هو مسؤول.
كيف سمحتم لهذا الخراب أن يتسع، وأنتم أول من يستطيع الحد منه بالكلمة، بالتوعية، بالموقف؟ كم من قاتل ربما تراجع لو هزته كلمة صادقة منكم؟ كم من شاب ربما نجا لو وجد منكم من يتحدث إليه؟ كم من عائلة ربما عرفت الطمأنينة لو تدخلتم قبل فوات الأوان؟
أنتم لستم ضيوفًا على هذا المجتمع. أنتم أبناؤه. وتحملون مسؤولية كل روح تزهق وأنتم صامتون. الكلمة أمانة، والمنبر مسؤولية، والصمت تواطؤ. إنكم اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تنهضوا بدوركم الذي يمليه عليكم إيمانكم، أو تخسروا الكثير من ثقتنا بمكانتكم.
لا تقولوا إن الأمر ليس بأيديكم. لا تبرروا التقاعس بالضعف، ولا تسوغوا الصمت بالحكمة. هذه دماء، وهذه أرواح. والأمر بأيديكم أكثر مما تعتقدون.
06/05/2025 06:26 pm 63