كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي

هل هذه عدالة؟! تأمل في سؤال العقل أمام فكرة الابتلاء والعقاب
  • بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
هذا التساؤل – رغم صيغته الصادمة – لا يأتي دومًا من باب الإنكار أو الجحود، بل كثيرًا ما يكون صرخة من أعماق إنسان يتألم، يبحث عن فهم، عن منطق يطمئن قلبه.
ففي مواجهة الشر، الفقر، الظلم، والخذلان، يتساءل البعض بمرارة: أين الحكمة؟ أين العدالة؟
والسؤال هنا ليس ضعف إيمان، بل محاولة إنقاذ ما تبقّى من إيمانٍ متعب.
ومن الظلم أن نكفّر السائل قبل أن نستمع إليه.

"سأخلق إنسانًا، ثم أخلق شيطانًا يوسوس له، فإن كفر أعذّبه؟"
سؤال مجازي، يحمل في طيّاته احتجاجًا فلسفيًا وجوديًا يتردّد في عقول كثيرين، حتى وإن صمتت ألسنتهم.
هو تساؤل عن العدالة، عن الرحمة، عن المعنى، حين يُوضع الإنسان في عالم يضجّ بالصراع، ثم يُطلب منه أن يختار الخير، وكأنّ الشر لم يُغرس فيه وحوله.

حين تصرخ غزة باسم العالم كله
لم تكن الفاجعة في غزة مجرد مأساة سياسية، بل زلزالًا إيمانيًا هزّ نفوس الكثيرين.
فمن تحت الأنقاض، لم يكن يعلو فقط صوت الجرحى، بل صوت السؤال:
"أين الله؟ لماذا لا يتدخل؟ أليس هو الرحيم القادر؟"
ليست هذه الصرخة إلحادًا، بل خيبة أمل من فهمنا البشري لله،
من انتظارنا لعدالةٍ فوريةٍ نراها في هذا العالم،
ومن ألمٍ لم يعد يحتمله قلبٌ بشريٌّ ضعيف.
فئة من أهل غزة — وإن كانت قليلة — فقدت الأمل، وانهارت صورتها عن الإله كما عرّفها الخطاب التقليدي.
لكن في الحقيقة، حتى هذا الشكّ هو دليل على أن في داخلهم شوقًا لفهمٍ أعمق وعدالةٍ أصدق، لا رغبة في الكفر، بل صرخة ضد العبث.

بين الجبر والاختيار: هل نحن أحرار حقًا؟
يُقال إن الإنسان كائن مخيّر، لا مُسيّر، وإن الشيطان لا يُجبره على الشر، بل يوسوس فقط.
لكن في عالم تتشابك فيه الحاجة مع الضعف، والغريزة مع البيئة، يثور السؤال:
هل كلّ من اختار الشر كان قادرًا على غيره؟
هل تكافأت ظروف البشر حتى يكون الحساب عادلاً؟
في ميزان المنطق، لا يُحاسب المرء إلا بما يستطيع.
وفي ميزان الدين، "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها".
فلماذا إذن يبدو العقاب أحيانًا سابقًا على الفهم، أو لا يُفرّق بين من ضلّ عن قصد، ومن تاه وهو يبحث عن النور؟

لماذا لا نُخلق في الجنة؟
إذا كان الله يعلم من سيهتدي ومن سيضلّ، فلم يُخلق من يُعلم أنه سيهلك؟
لماذا لا نُخلق في الجنة مباشرة، إن كان الغرض هو الرحمة؟
ربما لأن الوجود بحدّ ذاته تجربة، والاختيار جوهر الإنسان،
وربما لأننا – كأرواح – لا نُدرك حكمة الرحلة إلا بعد اكتمالها.
فقد يكون الابتلاء اختبارًا للنية، للوعي، للضمير،
لا لمجرد السقوط في الخطأ، بل لكيفية النهوض بعده.

بين الرحمة والعقاب: من يُحدّد النهاية؟
إن كانت الرحمة هي الأصل، فلماذا يُخلَّد البعض في عذاب؟
هل النار عقاب، أم تطهير؟
هل هي انعكاس لما اختاره الإنسان، أم مصير لا مفرّ منه؟
هنا يتوقف الجواب البشري،
وتبدأ مساحة الإيمان، لا كاستسلام، بل كمجال مفتوح للتأمل والتواضع أمام سرّ الحياة.

ليس كفرًا أن تسأل
إن أعظم الإيمان ما وُلد من قلبٍ سأل، واحتار، ثم بحث بصدق.
وأسوأ ما يصيب العقل أن يُمنع من السؤال بدعوى الطاعة.
فالله – في أغلب ما يُروى – لا يخشى السؤال، بل يخشى الظلم، والجهل، والجمود.

في النهاية
لسنا هنا لنُصدر حكمًا، بل لنفتح بابًا.

بابًا يسير منه العقل إلى القلب، ومن الشكّ إلى فهمٍ أعمق، أو إلى تسليم لا يُذلّ، بل يُنير.
هل هذه عدالة؟! تأمل في سؤال العقل أمام فكرة الابتلاء والعقاب
بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
هذا التساؤل – رغم صيغته الصادمة – لا يأتي دومًا من باب الإنكار أو الجحود، بل كثيرًا ما يكون صرخة من أعماق إنسان يتألم، يبحث عن فهم، عن منطق يطمئن قلبه.
ففي مواجهة الشر، الفقر، الظلم، والخذلان، يتساءل البعض بمرارة: أين الحكمة؟ أين العدالة؟
والسؤال هنا ليس ضعف إيمان، بل محاولة إنقاذ ما تبقّى من إيمانٍ متعب.
ومن الظلم أن نكفّر السائل قبل أن نستمع إليه.

"سأخلق إنسانًا، ثم أخلق شيطانًا يوسوس له، فإن كفر أعذّبه؟"
سؤال مجازي، يحمل في طيّاته احتجاجًا فلسفيًا وجوديًا يتردّد في عقول كثيرين، حتى وإن صمتت ألسنتهم.
هو تساؤل عن العدالة، عن الرحمة، عن المعنى، حين يُوضع الإنسان في عالم يضجّ بالصراع، ثم يُطلب منه أن يختار الخير، وكأنّ الشر لم يُغرس فيه وحوله.

حين تصرخ غزة باسم العالم كله
لم تكن الفاجعة في غزة مجرد مأساة سياسية، بل زلزالًا إيمانيًا هزّ نفوس الكثيرين.
فمن تحت الأنقاض، لم يكن يعلو فقط صوت الجرحى، بل صوت السؤال:
"أين الله؟ لماذا لا يتدخل؟ أليس هو الرحيم القادر؟"
ليست هذه الصرخة إلحادًا، بل خيبة أمل من فهمنا البشري لله،
من انتظارنا لعدالةٍ فوريةٍ نراها في هذا العالم،
ومن ألمٍ لم يعد يحتمله قلبٌ بشريٌّ ضعيف.
فئة من أهل غزة — وإن كانت قليلة — فقدت الأمل، وانهارت صورتها عن الإله كما عرّفها الخطاب التقليدي.
لكن في الحقيقة، حتى هذا الشكّ هو دليل على أن في داخلهم شوقًا لفهمٍ أعمق وعدالةٍ أصدق، لا رغبة في الكفر، بل صرخة ضد العبث.

بين الجبر والاختيار: هل نحن أحرار حقًا؟
يُقال إن الإنسان كائن مخيّر، لا مُسيّر، وإن الشيطان لا يُجبره على الشر، بل يوسوس فقط.
لكن في عالم تتشابك فيه الحاجة مع الضعف، والغريزة مع البيئة، يثور السؤال:
هل كلّ من اختار الشر كان قادرًا على غيره؟
هل تكافأت ظروف البشر حتى يكون الحساب عادلاً؟
في ميزان المنطق، لا يُحاسب المرء إلا بما يستطيع.
وفي ميزان الدين، "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها".
فلماذا إذن يبدو العقاب أحيانًا سابقًا على الفهم، أو لا يُفرّق بين من ضلّ عن قصد، ومن تاه وهو يبحث عن النور؟

لماذا لا نُخلق في الجنة؟
إذا كان الله يعلم من سيهتدي ومن سيضلّ، فلم يُخلق من يُعلم أنه سيهلك؟
لماذا لا نُخلق في الجنة مباشرة، إن كان الغرض هو الرحمة؟
ربما لأن الوجود بحدّ ذاته تجربة، والاختيار جوهر الإنسان،
وربما لأننا – كأرواح – لا نُدرك حكمة الرحلة إلا بعد اكتمالها.
فقد يكون الابتلاء اختبارًا للنية، للوعي، للضمير،
لا لمجرد السقوط في الخطأ، بل لكيفية النهوض بعده.

بين الرحمة والعقاب: من يُحدّد النهاية؟
إن كانت الرحمة هي الأصل، فلماذا يُخلَّد البعض في عذاب؟
هل النار عقاب، أم تطهير؟
هل هي انعكاس لما اختاره الإنسان، أم مصير لا مفرّ منه؟
هنا يتوقف الجواب البشري،
وتبدأ مساحة الإيمان، لا كاستسلام، بل كمجال مفتوح للتأمل والتواضع أمام سرّ الحياة.

ليس كفرًا أن تسأل
إن أعظم الإيمان ما وُلد من قلبٍ سأل، واحتار، ثم بحث بصدق.
وأسوأ ما يصيب العقل أن يُمنع من السؤال بدعوى الطاعة.
فالله – في أغلب ما يُروى – لا يخشى السؤال، بل يخشى الظلم، والجهل، والجمود.

في النهاية
لسنا هنا لنُصدر حكمًا، بل لنفتح بابًا.
بابًا يسير منه العقل إلى القلب، ومن الشكّ إلى فهمٍ أعمق، أو إلى تسليم لا يُذلّ، بل يُنير.