
كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
اتهام نتنياهو لعرب الداخل بالحرائق: ادعاء باطل يخفي أهدافًا سياسية
- بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
في زمن باتت فيه الحقائق ضحية للمصالح، لا عجب أن تتحول الكوارث الطبيعية إلى أوراق سياسية تُستخدم للتحريض، لا للحل. وفي هذا السياق، يطل علينا رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، باتهام مباشر ومبطن لعرب الداخل بالمسؤولية عن الحرائق التي اجتاحت مناطق شاسعة من البلاد. ادعاء لا يستند إلى دليل، ولا يستند إلى منطق، سوى منطق العنصرية، ومنطق السياسة المأزومة التي تبحث في رماد النيران عن عدو وهمي، تصنعه لتخفي فشلها.
سياسة الاتهام بدل المسؤولية
ليست هذه المرة الأولى التي يتبنى فيها نتنياهو خطابًا يحمّل عرب الداخل تبعات الأزمات. فمنذ سنوات، وهو يسعى لترسيخ صورة العربي كخطر داخلي، كتهديد دائم، وكعنصر خارجي يعيش داخل "الدولة اليهودية". وعندما تشتعل الحرائق، لا يبحث عن مصدرها الحقيقي — من إهمال بيئي، وتقصير في البنية التحتية، وغياب خطط الوقاية — بل يسارع إلى تحميل المواطنين العرب مسؤولية ما لم يقترفه أحد.
هذا النمط من التفكير لا علاقة له بالواقع، بل هو امتداد لعقلية استعمارية ترى في الفلسطيني "مشتبهًا به دائمًا"، وفي المواطن العربي "غريبًا لا مكان له" حتى ولو وُلد على هذه الأرض وعاش فيها أجيالًا.
اللعب بالنار: التحريض كأداة سياسية
تصريحات نتنياهو ليست مجرد زلة لسان، بل تُفهم في سياق تحريضي مدروس، يُستخدم كلما احتاج إلى شد عصب الشارع اليميني، أو الهروب من أزماته الشخصية والقانونية والسياسية. ففي وجه انتقادات داخلية واسعة، وتراجع في الشعبية، تُصبح "فزاعة العرب" هي الوسيلة السهلة لتحويل الغضب الشعبي إلى كراهية ضد الآخر، لا ضد من فشل في منع الكارثة.
وهنا، نرى كيف تُوظَّف الكارثة لتبرير القمع، لتوسيع صلاحيات الأمن، ولتشريع مزيد من المراقبة والتضييق على المواطنين العرب. فبدل أن تكون المصائب فرصة للوحدة، تصبح وسيلة لخلق المزيد من الانقسام.
البيئة لا تميز بين عربي ويهودي
من المفارقات الموجعة أن نيران الحرائق لا تفرّق بين بيت عربي وبيت يهودي، ولا تسأل عن دين أو عرق أو انتماء. ولكن العقلية العنصرية تفرّق، وتفرّق بدم بارد. لقد وقف عرب الداخل مرارًا إلى جانب جيرانهم، وشاركوا في إطفاء الحرائق، وأطلقوا حملات دعم وتبرع، وساهموا في الإنقاذ، بينما كانت الدولة تتهمهم. هذا التناقض يكشف عمق الانفصام بين رواية السياسيين وحقيقة الناس على الأرض.
مواجهة الكذب بالحقيقة
واجبنا اليوم، كمثقفين وناشطين وأصحاب ضمائر، أن نواجه هذا الادعاء الباطل بالحقيقة. أن نكشف للناس أن اتهام عرب الداخل هو محاولة لتبرئة السلطة من تقصيرها، ووسيلة للتهرب من المساءلة. أن نؤكد أن أبناء هذه البلاد، من كل أطيافهم، يتألمون معًا، ويحترقون معًا، ويجب أن يقفوا معًا.
الحقيقة أن نتنياهو لا يخشى الحرائق، بل يخشى الحقيقة: أن عرب الداخل جزء حيّ من هذه البلاد، لا يمكن نفيهم، ولا شيطنتهم، ولا تهميشهم. وأن التحريض لن يُنقذه من سقوط محتوم، حين تنهار الكذبة تحت وطأة الواقع.
اتهام نتنياهو لعرب الداخل بالحرائق: كذبة سياسية تحاول إشعال الفتنة
بقلم: سليم السعدي
في نوفمبر 2016، اجتاحت موجة حرائق غابات وأحراش مناطق واسعة من البلاد، من حيفا إلى القدس وصولًا إلى الجليل والمثلث. وبدل أن يُقابل الحدث بخطة طوارئ مدروسة، وبمساءلة للمسؤولين عن سوء الاستعداد لمثل هذه الكوارث المتوقعة في الخريف الجاف، اختار رئيس الحكومة حينها، بنيامين نتنياهو، الطريق الأخطر: الاتهام المباشر وغير المثبت لعرب الداخل بالضلوع في "إشعال الحرائق عمدًا"، مستخدمًا مصطلح "إرهاب الحرائق" دون أي دليل قانوني.
لا أدلة، بل مزاعم إعلامية
رغم عدم وجود أي إدانة رسمية في المحاكم ضد أي جهة عربية منظمة، ورغم تأكيد الشرطة حينها أن الغالبية الساحقة من الحرائق كانت طبيعية أو ناتجة عن الإهمال، وُجهت أصابع الاتهام إلى المواطنين العرب بطريقة تعميمية خطيرة، كرّست الكراهية وزعزعت السلم الأهلي. ما حدث لم يكن إلا استغلالًا فاضحًا لألم الناس وخوفهم، بهدف حرف الأنظار عن تقصير الدولة.
في تصريح له آنذاك، قال نتنياهو: "كل حريق ناتج عن إشعال متعمد هو عمل إرهابي بكل معنى الكلمة". ولم تمضِ ساعات حتى تحوّلت هذه العبارة إلى عنوان رئيسي في الصحف، تبرر فيها التحريض والاعتقالات وتوجيه أصابع الاتهام للمجتمع العربي.
رواية الإعلام، لا الحقيقة
كثير من وسائل الإعلام تبنّت الرواية الرسمية بشكل تلقائي، دون تدقيق، وساهمت في تكريس الصورة النمطية للعربي كـ"خطر بيئي وأمني". لكن عند العودة إلى التحقيقات، نجد أن معظم الحالات التي زُعم أنها "إشعال متعمد" لم تُثبت قضائيًا، وتم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين بعد عدم كفاية الأدلة. بل إن بعض الحرائق تبيّن أنها بدأت بفعل شرارة كهربائية أو زجاج مهمل في أحراش جافة.
في الميدان: من الإدانة إلى الإغاثة
في الوقت الذي كانت فيه التصريحات السياسية تُطلق، كان آلاف المواطنين العرب – من الناصرة وسخنين وأم الفحم والطيبة وغيرها – يشاركون في حملات التبرع، ويستضيفون العائلات المتضررة من حيفا والمناطق المحترقة، ويشاركون في إطفاء النيران. هذه الحقائق لم تجد مساحة في الإعلام الرسمي، ولم تعترف بها الدولة التي اختارت أن تبني روايتها على التخويف لا التلاحم.
لماذا الآن؟ السياق السياسي أولًا
اتهام العرب لم يكن بريئًا ولا عفويًا. بل جاء في لحظة كان فيها نتنياهو يعاني من ضغوط سياسية وقانونية داخلية، وشبهات فساد تطارده. في مثل هذه الأجواء، تلعب ورقة "العدو الداخلي" دورًا مهمًا في تحشيد الرأي العام اليميني، وتحويل الغضب الشعبي من الحكومة إلى أقلية مستضعفة. هي لعبة قديمة: حين تفشل في إطفاء النيران، أشعل نار الكراهية.
مسؤولية بيئية لا تتحملها الضحية
المفارقة أن السلطات لم تتحمل مسؤوليتها في تقصير البنى التحتية، وسوء صيانة الأحراش، وعدم وجود آليات وقاية متقدمة. بدل أن تعالج الأسباب البيئية والجغرافية، تم تصدير المشكلة نحو "الآخر"، واختزال كل كارثة في رواية "العدو العربي".
خاتمة: لا مقاومة للكذب إلا بكشفه
علينا كأبناء هذا الوطن، وكل من يحترم الحقيقة، أن نواجه هذه الأكاذيب بوقائع دامغة. أن نُظهر أن عرب الداخل ليسوا أعداء، بل ضحايا رواية تُعاد صياغتها مع كل أزمة. وأن نتنياهو، وكل من يسير على دربه من السياسيين، إنما يستخدمنا وقودًا في معركة بقائه السياسي، ولو على حساب مجتمع بأكمله.
الحرائق تُطفأ بالماء والتعاون، لا بالتحريض والكراهية.
04/05/2025 09:01 am 113