
كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي
زيارة تاريخية؟!
حينما تكتب الصحافة، تكون الكلمات سيوفًا، قد تُصيب أو تُخطئ. لكن يبدو أن بعض الأسماء التي شُملها أحد العناوين الصحفية الخاصة بـ"زيارة تاريخية" قد شعرت بشيء من الحساسية الزائدة، كما لو أن هناك اعتداءً وقع على تاريخهم الشخصي. حقيقةً، عنوان المقالة "زيارة تاريخية توثق عروبة" قد أثار العواطف بشكل غير متوقع، فهل من العيب أن يتحدث الصحفي عن حدث تاريخي يُحتفى به في سياقٍ يحمل دلالات فخر؟ وإذا كانت زيارة تاريخية قد أزعجت البعض، فهل من العيب أن يُعتبر ذلك حدثًا يطبع ذاكرة الأمة؟
الأمر ليس عيبًا، ولا يشكل أي تهديد للذات أو للهوية. العنوان الذي جاء تحت قلمه لا يحمل سخرية أو تعاليًا، بل هو محاولة لتوثيق حدث قد يغني ذاكرة الشعب. ولكن يبدو أن بعض الأنفس، غير الراضية، قد وجدته محاولة لمحو ما يراه البعض جزءًا من الماضي أو "التاريخ" الذي يراه أقل قيمة. تلك الفئة التي اعتادت أن تكون في دائرة الضوء على حساب الآخرين، أو التي تُفضل أن تظل في الظلال، تجد في العنوان تطاولًا على مكانتها، بينما كان الأمر أبسط من ذلك بكثير.
ثم تأتي تلك الكلمات الملتبسة: "ليش هاي أول زيارة لأرض ما؟"، وكأن المقالة قد تم طرحها لتستفز أصحاب الأيدي المرتعشة. هل تساءل هؤلاء عن مغزى هذا السؤال؟ ألم يَحِن الوقت للتوقف عن ترديد الأسئلة الفارغة التي لا تحمل أي قيمة حقيقية؟ لم تكن الزيارة لتلك الأرض هي الأولى تاريخيًا، لكن ما الذي يدفع البعض للقلق من مجرد ذكر هذه الحقيقة؟ هل هي رقعة صغيرة من الأرض تزعج أصحاب النفوس الصغيرة؟
أم أن العنوان قد آلمهم لأسباب أخرى؟ ربما لأنهم اعتادوا أن يكونوا في مركز الاهتمام، ولم يستطيعوا تحمل فكرة أن آخرين قد يتحملون عبء التوثيق والتعبير عن هذا الحدث الكبير. نعم، المقالة كتبت على يد صحفي لم يكن من ضمن المدى المباشر لأولئك الذين يزعمون أن لهم الحق في تصدر هذه الأخبار. ولكن هل لهذا العنوان أثر على حياتهم؟ هل أثر في تاريخهم؟ أم أنه فقط حفز مشاعرهم العميقة التي لا علاقة لها بالواقع؟
من الواضح أن مقال الصحفي لم يكن الهدف منه إثارة غضب أي شخص، بل كان سعيًا لتوثيق شيء يستحق أن يُذكر، بغض النظر عن الأسماء التي ظهرت أو غابت. لم يكن الهدف استهداف أي جهة بعينها، ولم يكن المقال سوى محاولة لتوضيح حقيقة بسيطة: أننا جميعًا جزء من تاريخ واحد، نحتفل بما تحقق، ونسعى للاحتفاظ به في ذاكرة الجماعة.
لكن ما تبقى هو هذا السؤال المزعج: هل يجب أن نكف عن الحديث عن التاريخ لمجرد أن البعض يزعجه؟ هل يجب أن نتوقف عن كتابة عن أحداث حياتنا الكبرى لأن بعض الناس يراها تهديدًا لمكانتهم التي يظنون أنها لا يمكن المساس بها؟ الإجابة واضحة: لا.
إن التساؤل عن "الزيارة التاريخية" ليس استفسارًا عاديًا، بل هو دعوة مفتوحة للغوص في خبايا النفوس البشرية، في تلك التي لا تطيق الاعتراف بالآخرين ولا تتقبل أن تخرج من دائرة الأضواء التي تحيط بها. وفي النهاية، تبقى الحقيقة الثابتة: الزيارة كانت تاريخية لأنها تمثل حدثًا يُحتفى به في ذاكرة الأمة، ومن لا يستطيع فهم ذلك، فلن يكون له مكان في نقاش يليق بتاريخ الأمم.
02/05/2025 10:14 pm 80