كنوز نت - إعداد: الشيخ أمير نفار - عضو حركة الدعوة والإصلاح




على أعتاب شهر "التكوين" رمضان.. مدرسة تربوية متكاملة


أقبلت مدرسة رمضان.. توقظ الغفلان وتشحذ الأذهان وتزكي النفوس وتحلِّق بالأرواح وتربّي الإنسان، فهنيئًا للمرحِّبين بها المقبلين عليها.
أقبلت مدرسة رمضان؛ تُذكِّر الناس بأن الأفلاك تدور والأزمان تمرّ، والمسافرين إلى الله –وكل الناس مسافرون– أوشكوا أن يقطعوا مسافة السفر ويبلغوا الغاية ويلاقوا ربهم فيحاسبهم على ما قدَّمت أيديهم في هذه الحياة، فهل نحن مستعدّون لهذا الحساب؟

أقبلت مدرسة رمضان؛ تذكِّرنا بأنه كان نقطة تحوّل في مسار البشرية، التي كانت قد ضلَّت السبيل وأظلمت عليها المسالك، فإذا بالسماء تتصل بالأرض بعد أكثر من خمسة قرون من الانقطاع، فتومض الأرض ومضةً يستضيء بها الكون بنور الوحي وإلى قيام الساعة: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) {المائدة}، فهل نحن بالوحي مستمسكون؟
أقبلت مدرسة رمضان؛ تذكِّر الإنسان بأنه ليس قبضةً من طين الأرض فقط، ولكنه أيضًا نفخة من روح الله، وبها نال مقام التكريم الإلهي، وسما على مَن عداه من المخلوقات، ومن ثَمَّ ينبغي ألا ينطلق حياتَه في صراع المادة كما تفعل السوائم، ولكن عليه أن يوازن بين الروح والمادة ويعدل بين ضرورات الأرض وأشواق السماء؛ فيلتزم بمنهج الله الذي يحقق التوازن النفسي والاجتماعي ويعيد الإنسان إلى مقامه الكريم.
 أقبلت هذه المدرسة الرمضانية؛ لتنصر المسلم على نفسه، فتجعل زمامها في يده يقودها إلى الخير، فتقوي عزيمته وتدعم إرادته، فيستغني طوعًا وطاعةً لله عن ضرورات حياته، إضافةً إلى شهواته، ومن هنا يكون أقدر على الابتعاد عن المحرمات؛ وليس ذلك في مجال الماديات فحسب، ولكن أيضًا في مجال الأخلاقيات والسلوك، فيأمر الإسلامُ الصائمَ أن ينتصر على طبعه البشري وغريزته في الثأر لنفسه، بأن يُعْرض عمّن يسيء إليه أو يجهل عليه؛ "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب، وإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.. إني صائم"، ويتحكم في لسانه وتصرفاته؛ "مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه".. وهذا كله فيه إرغام للنفس على ما تكره، وهذا هو معنى الصبر الذي هو من أهم مقومات التربية ووسائلها.
أقبلت مدرسة رمضان.. لتعلمنا أن العبادات في الإسلام وإن كان جوهرها روحيًّا وأخلاقيًّا وفرديًّا؛ إلا أن لها أبعادًا اجتماعية وسياسية؛ فاتحاد المسلمين في شعور واحد (الإحساس بالجوع والظمأ) من شأنه أن يُذكِّر أغنياءهم بواجبهم نحو إخوانهم الفقراء؛ ليس في هذا الشهر فقط وإنما في كلِّ حين، ولقد وُصف النبي ﷺ بأنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ فهو أجود بالخير من الريح المرسلة. كما فُرضت زكاة الفطر في آخره ليتكافل المسلمون فيما بينهم. كما أنّ اشتراك المسلمين جميعًا في كل أقطار الأرض في مباشرةِ هذه الفريضة تعمِّق عندهم مشاعر أخوة الإيمان ووحدة المسلمين؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) {الحجرات: من الآية 10}، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) {الأنبياء: 92}... 
فما أحرانا في هذه الظروف التي نرى فيها إخوانًا لنا يُقتّلون ويحاصرون حتى الموت، ما أحرانا أن نتحرك بالمستطاع لمد يد العون لأنفسنا ابتداءً إنقاذًا لها من نار الخذلان، وما أحرانا كذلك أن نتضرع إلى الله تعالى أن يكشف الغمة عن هذه الأمة، وأن يزيح الظالمين عن أوطانها!
وعلينا أيها الأخوة الكرام أخيرًا أن ننتهز هذه الفرصة لنجتمع حول مائدة القرآن الكريم ونجمع قلوب الناس حول دعوة الخير، ونُعمِّر مساجد الله بالمسلمين؛ حتى يصلح الناس بالقرآن وينصلح المجتمع بالصالحين المتقين؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) {البقرة: 183}.
جاء هذا الكلام استعدادًا لدخول هذه المدرسة الرمضانية التربوية، لأنه على قدر الاستعداد يكون الإمداد الإلهي..
وفقنا الله جميعًا، وأصلحنا وأصلح بنا.
  • إعداد: الشيخ أمير نفار - عضو حركة الدعوة والإصلاح