كنوز نت - صبحة بغورة
وكانت كحجارة من سجيل
الشفافية في القول والفعل هي أساس المحاسبة النزيهة على المواقف، وهي أصل المساءلة العادلة على النتائج ، وتبقى حقيقة النوايا في الصدور كتابا مقدرا ، مسطورا لدى عالم الغيب والشهادة.
- صبحة بغورة
لم نكن مخطئين عندما شدّدنا في مقال سابق على ضرورة أن تكون المواقف على القدر الكافي من الصراحة، كما لم يجانبنا الصواب لما أكدنا أيضا على أهمية أن تكون تلك المواقف في المستوى المطلوب من الشفافية حتى يسهل التواصل ويمكن التعامل بين عديد الأطراف بروح المسؤولية ، فما أشق الخوض في قضايا مصيرية وذات حساسية شعبية مفرطة تشوبها حالات الريبة وتحيطها الشكوك وفي أجواء الضبابية وأثناء ظروف الغموض .
عشنا أفراح بهيجة مع الانتصار عندما شاهدنا لهيب صواريخ الرد الإيراني تشق عنان الفضاء وتتساقط فوق رؤوس من ظلموا أنفسهم وأضلهم الغرور ، لقد أعاد الرد الإيراني الاعتبار وشفا صدور قوم مؤمنين ، الذين أذن لهم المولى عز وجل بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير، لحظات ابتهاج انتشت لها شعوب الأمتين العربية والإسلامية بعد طول معاناة من قهر المشاعر ومن مسلسل طويل من الإحباطات، وفصول لا تريد أن تنتهي من فقدان الثقة بالنفس والاستسلام لمروجي الإشاعات والأكاذيب ، ومكائد الاستلاب ومؤامرات الاغتراب ومن ثمة الخضوع طوعا للضلالات .
لا سبيل للمقارنة بين نبل سلوك أصحاب الحق أثناء خوض حروب المقاومة مهما كانت شدتها ومهما كانت طبيعة العدو ، وبين السلوك الإجرامي للعدو في معارك العدوان الذي لا يفرّق بين العسكريين في الميدان وبين المدنيين العزّل ، لقد أنزل العدو قنابل غطرسته وصواريخ همجيته على الآمنين في بيوتهم، ونكّل بهم بأفظع الجرائم ضد الإنسانية، وارتكب عقابا جماعيا مشينا استنكره المجتمع الدولي وندد به، بينما آثر الرد الإيراني برغم تعقيد عملية توخي الحرص على ضرورة مراعاة دقة تحديد طبيعة المستهدفات عن بُعدأن يكون توجيه مئات صواريخه نحو القواعد الجوية والمواقع والمنشآت العسكرية، ولم تسجل حالة واحدة لإصابة منزل أو منشأة مدنية ،الفرق جلي والبون واضح وكبير بين سمو إنسانية المقاومة وانحطاط غوغائية العدو التي ظلت لسنوات ساحة مشبعة بالأساطير .
أكدت القيادة الإيرانية صحة خيارها حفاظا على مجدها وعزة شعبها ، فأظهر الموقف العسكري الإيراني مقدرته الفذة في الرد القوي المهيب ، وأبان عن قدرة حربية كبيرة في مستوى التنسيق مستفيدا من خبرته المحترمة في مهارات التحكم ودقة التوجيه، كما أكدت إيران قوة ترسانتها من الصواريخ وتنوّعها على نحو يبعث شعورا عميقا بالفخر والثقة والطمأنينة.
هتف المواطنون في فلسطين فرحا وهم يشاهدون في الشوارع الصواريخ تعبر تباعا أجواءهم نحو العدو لقد طافوا الشوارع المخربة واعتلوا أطلال المنازل المدمرة لتسجيل لحظات استعادة الشرف والكرامة واسترجاع أهمية الوعي بالذات لدعم هويتهم عندما امتلأت نفوسهم فخرا واعتزازا بعد أن كادت تجف من آثار الخيبة وأوشكت أن تتحطم تحت معاول الانكسار، لقد شاهد المواطنون لوحات فنية ساحرة وعجيبة ، مشاهد كانت أكثر إدهاشا وروعة حين اقتحمت أضواء وشموع أفراح العزة خطوط تلاحم زرقة السماء واخضرار الأرض لتجوب الفضاء الواسع مندفعة إلى ما هو مقدر لها قبل أن تتساقط وتهوي لتصيرفوق رؤوس الطغاة كحجارة من سجيل .
02/10/2024 07:43 pm 68