كنوز نت - جمعيّة كيان


يوم المرأة العالمي يتجاهل نساء غزة

بيان صادر عن جمعيّة كيان ومنتدى جسور القطريّ


يتزامن يوم المرأة العالميّ هذا العام مع استمرار العدوان على غزّة بقتل نسائها ورجالها وأطفالها من جميع الأجيال، وتحويلها إلى جحيم غير صالح للحياة؛ فيما تستمرّ الحكومات المتواطئة بترديد شعارات مجرّدة من الإنسانية، بعد أن جمّدت المعاهدات والاتفاقيّات وشلّت المؤسّسات التي كان بإمكانها تغيير المعادلة الإنسانيّة في غزّة. وتعلن الأمم المتّحدة عن الثامن من آذار يومًا للاحتفاء بإنجازات النساء حول العالم، بينما تتجاهل غزّة، حيث أصبح أكبر إنجاز هو البقاء على قيد الحياة والحصول على كيس طحين، في حرب إبادة وتجويع ممنهج.

 كان الأوجب أن يخصّص هذا اليوم للدفع باتجاه الحدّ من معاناة النساء اللواتي يصارعن من أجل البقاء؛ المحاصرات في مرمى النار، اللواتي يلدن في العراء دون تخدير، والطبيبات اللواتي يجرين العمليات الجراحيّة دون تخدير، والجريحات والثكلى واليتيمات والمهجّرات والأرامل وآلاف البنات الصغيرات اللواتي قصفت بيوتهنّ ومدارسهنّ وأحلامهنّ، واللواتي اضطرتهنّ الحرب إلى تبنّي إخوتهنّ بعد فقدان أهلهنّ.

في يوم المرأة العالميّ نذكّر العالم بأن أكثر من 9000 امرأة قتلت في غزّة حتّى اللحظة، وفي كلّ يوم تقتل بالمعدّل 63 امرأة. وأن 80% من النساء يحرمن أنفسهنّ من الطعام لإطعام اطفالهنّ. وبحسب معطيات الأمم المتّحدة أفادت 87% من النساء بأن الحصول على الغذاء في غزّة أصعب عليهنّ من الرجال بكثير.

موضوع الاحتفاء العالميّ بيوم المرأة ٢٠٢٤ هو إلهام دمج النساء بالاقتصاد وتسريع تقدّم المرأة، دون تمييز عرقيّ أو دينيّ أو لونيّ... تقرّر الأمم المتّحدة هذه الثيمة، فيما نشاهد الإبادة ببثّ حيّ ومباشر ونشهد على أسرع عمليّة" تقدّم" للمرأة الفلسطينيّة نحو الموت أو النزوح، والتي" تلهمها" وتسرّعها الأحزمة الناريّة وأسلحة الفتك المتنوّعة، معزّزة بالسكوت القاتل لهذه الحكومات والمؤسّسات على كلّ هذا الظلم وتواطئها مع العدوان. فهل يشمل هذا الاحتفاء وهذه الثيمة نساء غزة ضمن نساء العالم؟ أم أنّ عدم التمييز العرقيّ أو الدينيّ أو اللونيّ لا ينطبق عليهنّ؟ إذا كانت الأمم المتّحدة والمؤسّسات النسويّة الدوليّة تعتبر النساء في غزّة من البشر ومن نساء العالم، فلماذا لاتشملهنّ في المواضيع والقضايا العالميّة؟

إنّها لمفارقة مستفزّة بصراحة، أن يحتفي العالم ومؤسّساته الحقوقيّة والنسويّة بإنجازات النساء في شتّى أرجائه، ويسلّط الضوء على المشاريع الملهمة لدمجهنّ في الاقتصاد، في حين لا تترك الحرب للاقتصاد أثرا، ويموت الأطفال جوعا في أحضان الأمهات في غزّة. لا دمج للنساء بالاقتصاد هناك، بل إنّ دماءهنّ تندمج بالطحين والتراب، على مرأى وسمع العالم أجمع.

نقف أمام هذه المفارقة بين أولويّات الأمم المتّحدة واليونسكو وغيرها من المؤسّسات الدوليّة ذات الشعارات الرنّانة، وبين ما يجري على أرض الواقع المحروقة؛ ونقف أمام مسؤوليّتنا كمؤسّسات مجتمعيّة ونسويّة فلسطينيّة تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطينيّ وعن النساء والنسويّة الفلسطينيّة، التي لا يمكنها إلّا أن تشمل الجميع أو لا تكون؛ لنسأل بصراحة: أين تلك المواثيق التي صاغها الغرب بصناديقه وجمعيّاته ومجالسه وهيئاته السياسيّة المختلفة ممّا يحدث لنساء غزّة؟!

 كلّ هذا الموت والدمار والنزوح والفقدان والعذاب الذي تعيشه النساء في القطاع لم يحرّك ساكنا في تلك الاجسام الدوليّة، لتوليهنّ الأهميّة والأولويّة في يوم المرأة العالميّ. تلك الأجسام التي صدعت رؤوسنا بقيم الديموقراطيّة ومبادئ حقوق الإنسان وحقوق النساء والأطفال والأسرة، وقفت على مدار أكثر من 5 أشهر إمّا عاجزة حيال الإبادة أو متواطئة معها، حتّى باتت كلّ هذه الكلمات خاوية والمواثيق عاقر، لم تثمر حتّى إدانة واضحة ومطالبة صريحة بوقف المجازر ومحاسبة المجرمين. ولم تثمر للأسف أيّ قرار أو خطوة أكبر من "الشعور بالقلق" إزاء إبادة أكثر من 30 ألف إنسان ومحو المدن عن بكرة أبيها.


في يوم المرأة العالميّ، تطالب جمعيّة كيان - تنظيم نسويّ فلسطيني، ومنتدى جسور النسائيّ القطريّ حكومات العالم بأن تنصاع للحقّ والعدالة ومواثيق حقوق الإنسان وإرادة شعوبها. وتفعل اللازم لوقف الجرائم ضدّ شعبنا في غزّة. والأمم المتّحدة وجميع الهيئات التي باعتنا رايات العدل وحقوق الإنسان وحقوق النساء، نطالبها بأداء الدور العادل الذي تنتظره منها المؤسّسات النسويّة الفلسطينيّة وينتظره منها السواد الأعظم من بني الإنسان. وتقدم على خطوات فعليّة تحترم عقولنا وتحترم دماءنا، لوقف العدوان على الفور. لعلّها بذلك تكفّر قليلا عن أدائها المعيب في هذا الاختبار التاريخيّ للإنسانيّة. ونؤكّد أنّ هذه الكارثة التي يعيش بعضنا أحداثها وبعضنا الآخر يموت فيها، من شأنها أن ترغمنا على إعادة النظر في كلّ هذه المواثيق الدوليّة والمشاريع والشراكات والأيّام العالميّة ومصداقيّتها وجدواها.