كنوز نت - رجاء بشارات


لأجل الجيل القادم، حان الوقت لنضع حدًا للعنف في المجتمع العربي


تتفاقم ظاهرة العنف في المجتمع العربي، وقد صعّبت الحياة على على المجتمع العربي بشكل عام وعلى شريحة الشبان والشابات بشكل خاص. 
وقد حان الوقت لكي نتحرك، قبل أن يصبغ اليأس مستقبل الشباب، بل ومستقبل المجتمع العربي في البلاد ككل.

كنوز نت - شهد المجتمع العربي في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في عدد حوادث القتل. ففي بحث أجرته "مبادرات إبراهيم"، [1] أشار إلى أنّ 112 شخصا قد قتل في العام 2020، 17 منهم فقط في شهر ديسمبر الأخير، والأرقام تزداد من عام لآخر.

 ولا عجب أن نسبة المواطنين العرب الذين شعروا بانعدام الأمان في أماكن سكناهم قد وصلت الى 82٪، مقارنة ب 56٪ ممن سئلوا في المجتمع اليهودي في العام 2019. أما في العام 2020، فقد ازداد الوضع سوءًا، حيث دلّت العديد من المعطيات على تفاقم حالة الشعور بانعدام الأمان الشخصي. بالإضافة الى أن الشعور بالخوف من التعرض لحوادث عنف في المجتمع العربي، قد زاد عن نسبته في المجتمع اليهودي، حيث 31٪ من المواطنين العرب قد شعروا بأنهم أو أحد أفراد عائلتهم من الممكن أن يصابوا جراء حوادث العنف هذه، في مقابل 17٪ من المواطنين اليهود.

هذه ليست مجرد أرقام، إذ تقف خلفها الكثير من القصص الشخصية، والكثير من أحلام الأمهات والإخوة والأبناء التي لم تتحقق. وليس فقط أنّ هذه الاحلام لم تتحقق، وإنما حياتهم قد انقلبت رأسا على عقب فقط لأن أحدا ما قرر أن ينهي حياة شخص اخر، مثل عصابات الاجرام التي باتت تمارس عنفها في وضح النهار بدون حسيب ولا رقيب. أضف إليها حوادث العنف العائلية، مثل قتل أمٍ على يد ابنها، أو قتل أخ على يد أخيه. 

هذه الظاهرة المروعة منتشرة في كل مكان، ولا أحد محصن بعد الان. وحقيقة أننا أفراد بداخل هذا المجتمع العربي، أصبحت تشكل تهديدا وتثير المخاوف، ولم يعد يشكّل فرقا أن نكون في أماكن عامة أو جالسين داخل بيوتنا.

لقد أضحت أصوات إطلاق النار في كل تجمّع سكني عربي، جزءا من المشهد وضوضاء الأجواء اليومية. وبالرغم من إقامة العشرات من مراكز الشرطة في السنوات الثلاث الأخيرة في البلدات العربية، إلا أنه لا يوجد تحرك حقيقي من طرف الشرطة، فالظاهرة -كما ترون- آخذة بالتفاقم. ولا عجب أن 17.5٪ فقط من المجتمع العربي يثقون بالشرطة، حسب بحث أجرته "مبادرات إبراهيم". 

وعلى ما يبدو، فإنّ الحل لا يكمن عند الشرطة، وأن ظاهرة العنف ليست جزءا من اولوياتها. لأنه لو كان الحديث حول اقامة مظاهرة أو أيّ حراك شبابي ينادي بمناهضة العنف مثلما نراه في الآونة الأخيرة، لسارعت الشرطة بالقدوم وتفريق الحشود بشتى الطرق، ولكن العنف؟ القتل؟ في هذه الحوادث يأخذون وقتهم، ويماطلون فقط. 

وليس ببعيدٍ عنا عندما أقيمت مظاهرة شبابية في أم الفحم تندّد بالعنف، فحضرت قوات الشرطة بسرعة لتبديد الحشود. وهنا يكمن السؤال: أين كانت هذه القوات عندما اخترقت ثماني رصاصات جسد رئيس بلدية ام الفحم السابق د. سليمان اغبارية؟

المجتمع العربي بأسره غاضب من الوضع الراهن ويطالب بالتغيير. وأنا من بينهم قلقة على ابنائنا من جيل الشباب، من يخططون لمستقبلهم ويشاهدونه وهو يتهاوى. 

ففي بحث أجرته د. نسرين حاج يحيى فإن 38٪ من الشباب العرب بين جيل 18-22 غير منخرطين في أية أطر أو برامج عمل مجتمعي.

 وربما يعود السبب في ذلك الى أنّ العديد منهم قد رأى جرائم القتل بأم عينيه، وحتى أن بعضهم ربما يعرفون زميلا في صفهم من يحمل سلاحا أو يتاجر فيه أو ينضم الى مجموعة تعمل لهذا الهدف. وعندما تُبثّ حوادث القتل في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعية، فإنّ الرعب يبدو على أعين الأطفال الصغار، وقد تكون هذه اللقطات أحيانا قد التقطت قبل دقائق من مغادرة الضحايا لهذا العالم.

لقد أضرت حوادث العنف بالأمان الشخصي والنفسي للشباب المنخرطين والمنكشفين على حوادث العنف هذه بصورة كبيرة، والشعور المسيطر في اوساطهم هو اليأس، "ما الذي يمكنني فعله" يسألون، "أين يمكننا إحداث التغيير؟". 


فيشتركون في المظاهرات، يرفعون أصواتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، يندّدون بالعنف ولكن لا شيء يتغير. هذا اليأس الذي يخيّم عليهم، يشكل خطرا على أرواحهم، ما يحتّم على كل شخص واعٍ ومسؤول، أن يدقّ ناقوس الخطر. لأنّ شباب اليوم هم جيل الغد، ولكن من داخل اليأس هذا، أي نوع من المجتمع يمكننا أن نبنيه؟


يحتاج هؤلاء الشباب الى مكان يمكنهم أن يشاركوا فيه تجاربهم وينفسون فيه عن غضبهم وخوفهم من الأحداث الدائرة حولهم، والى مساحة يبادرون فيها لبدء مسارات اجتماعية فاعلية. ولكن قبل كل شيء، فإنّ على السلطات المحلية أن تشرع في العمل، وتقيم لجانا محلية في القرى أو دوريات مسائية لحفظ الأمن. عليهم أيضا أن يوفروا الدعم للأشخاص الذين يوفرون الدعم، مثل الأخصائيين النفسيين والعاملين الاجتماعيين الذين قد يجدون أنفسهم معرضين للخطر وهم يمارسون أعمالهم.


إنّ المطالبات بجمع السلاح أو تسليمه تعتبر حلولا غير عمليّة، وإنما يجب بناء خطط ناجعة وفعّالة أكثر، وهناك الكثير من الأمثلة على برامج نجحت في لجم العنف على مستوى المدن في العالم، بل وفي إسرائيل، مثلما حصل في نتانيا ومدن أخرى. ولكن الأهم هو ألا نسكت، بل أن ننخرط وندين الظاهرة في المجتمع العربي.

تتطلب هذه المرحلة أن نبذل جهدا أكبر في تعليم وتوعية الجيل الناشئ، وهذا هو الوقت المناسب لإطلاق المبادرات وإقامة المحاضرات والندوات حول موضوع العنف، والعمل بروحٍ واحدة ومسؤولة في مواجهة هذا الخطر الذي يجب أن تكون مواجهته على رأس أولوياتنا.

كتبته: العاملة الاجتماعية روان خمايسي، مديرة برنامج مسار ومركزة المجتمع العربي في بيت منظمة شراكات ادموند دي روتشيلد.


روان خمايسي