كنوز نت - د. منعم حدّاد


طبّعوا ما شئتم!




طبّعوا ما شئتم أيها العرب، وافرحوا وتهللوا وعانقوا ترامب ونتنياهو وكل الآخرين!
لأن تطبيعكم لا يقدم ولا يؤخر شيئاً بالنسبة لحقوق الشعب الفلسطيني وأولها حقّه في وطنه وعلى أرضه!
أنتم تساومون وتفاوضون على ما لا تملكونه وليس لكم سيطرة عليه!
والتطبيع ليس بجديد كما يبدو!
فلو عدنا لصفائح التاريخ القديمة لذهلنا مما نقرأ بين طياتها!

فمعروف أنه بخراب الهيكل الثاني عام سبعين للميلاد لم يبق من اليهود في فلسطين ويملكون أرضاً من أرضها إلا القليل!
ومرت السنون والعقود والقرون و"الحنين إلى صهيون" يزداد ويتعاظم يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، وقد دفع كثيرون من هؤلاء الذين جاءوا إلى فلسطين خلال تلك القرون حجاجاً أو زائرين أو مهاجرين حياتهم ثمناً لرغبتهم في وصول أرض فلسطين!
حتى جاءت نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ونشأت الحركات الصهيونية المختلفة والتي تدعو وتعمل لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بوعد من بريطانيا "العظمى" (العظمى؟) ومباركة من بعض قادة العالم وفي مقدمتهم بعض القادة العرب إن لم يكن غالبيتهم!

ومن أهداف ومهام الحركات الصهيونية كان "استعادة أرض الآباء والأجداد من الفلسطينيين الغرباء"!
ولو سألنا من الذي راح يبيع آلاف الدونمات للمنظمات الصهيونية التي تعمل على امتلاك أرض فلسطين؟ فماذا سيكون الجواب؟
هل هم فقراؤها والذين لا يملكون من أرضها إلا النزر اليسير؟ أم الأثرياء والموسرون والإقطاعيون والمقربون من ذوي الشأن والحول والطول والحكم والسلطة في بلاد العرب والذين كانوا يملكون آلاف الدونمات والمساحات الشاسعة؟
وجاءت حرب 1948 بويلاتها...

وهبّت الدول العربية لنصرة فلسطين...ورفرفت أعلامها هنا وهناك...
ولا نعلم ما الذي حصل بالضبط...
لكن الجيوش العربية لم تحقق من الانتصارات إلا ما لا يكاد يذكر...

وانتشرت المقولة المعروفة إياها، تلك المقولة على لسان أحدهم لما سألوه عن تقاعسهم عن القتال حيث ردّ قائلاً "ماكو أوامر"... والتي اشتهرت وطبّقت شهرتها الآفاق...ولربما ما زال البعض يرددها ويتندر بها حتى اليوم...
ومرّت الأيام وكرّت...وحدث ما حدث من نكسة 67 وسواها...
وما تبعها!

فإذا بالرئيس السادات يزور إسرائيل معانقاً لبيغن...
وتوالت الاتفاقيات والمعاهدات والتطبيعات...
وجرى اتفاق أوسلو...وباركه كثيرون ليمنحهم صك غفران وتأشيرة دخول إلى تل أبيب...
وعقدت الاتفاقيات مع الأردن...
أردن الحسين حامي مقدسات فلسطين...

إلى ما قبل وقت قريب، عندما طبل وزمر وهلل الجميع للاتفاقيات الجديدة بين إسرائيل والإمارات والبحرين والحبل على الجرار!
والزعلان أكثر من الراضي من العرب الذين يلهثون وراء التطبيع وينتظرونه بالدور كما يبدو!
ولنترك التطبيع والمطبعين وشأنهم ولنسأل:
ماذا قدم العرب للفلسطينيين منذ بداية الصراع وحتى اليوم؟
هل قدموا لهم أكثر مما قدّمته لهم هيئة الأمم المتحدة عبر وكالاتها المختلفة؟

أم هل قدموا لهم على سبيل المثال أكثر مما قدمته أوروبا في السنين الأخيرة للذين لجأوا إليها من سوريا والعراق وليبيا واليمن وسواها؟
أم هل استقبلوا الفلسطينيين بمثل ما استقبل به الأوروبيون هؤلاء اللاجئين الجدد؟
وهل هذه حقوق الإخوة على إخوتهم؟
وهل هذه نخوة العرب والعروبة وحقوق صلة الرحم وأواصر القربى؟
ثم ماذا؟ هل ساعدوهم في الحصول على حقوقهم المشروعة؟
إذا كان الجواب نعم، فكيف؟ وأين؟ ومتى؟
وهل قدموا لإخوتهم الفلسطينيين غير بعض الرفد وبعض الدريهمات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، وشغلوهم في بلدانهم كما شغلوا غيرهم من الأجانب؟ وفي كثير من الحالات ليس بشروط عمل أفضل؟
لا بل هل قدموا لهم أكثر من قدمت أمم العالم المختلفة ممن لا يربطها بالفلسطينيين لا روابط دم ولا روابط دين ولا قومية ولا اخوّة ولا أية روابط من أي نوع كان سوى الإنسانية؟

ويدور الحديث اليوم عن التطبيع؟
فليطبعوا كما شاءوا...ومبروك عليهم التطبيع!
وليعتمد الفلسطينيون على أنفسهم وحدهم وليتّكلوا على الله سبحانه وتعالى وحده!