كنوز نت - حسن عبادي/ عبلين


وقفة مع أدب الحرية [*]
حسن عبادي/ عبلين
شاركتُ في ندوة نظّمها الحزب الشيوعي-عبلين وجبهة عبلين الديمقراطية والشبيبة الشيوعية-عبلين ضمن برنامجهم الشهري الجديد "استضافات" تحت عنوان "وقفة مع أدب الحريّة.
قدم للندوة وأدارها الشاعر بنيامين حيدر وممّا جاء فيها: "نلتقي الليلة في حضرة الكلمة التي لا تُقيَّد، وفي ظلال أدبٍ اختار أن يكون بوابة نحو الضوء، لا مرآةً للظلام... أمسية تحمل عنوانا كبيرا: "أدب الحرية"، عنوانًا لا يُكتب بالحبر فقط، بل بالعُمر والموقف والصدق... ضيفنا أحد الأصوات الأدبية الفلسطينية التي آمنت بأن الأدب ليس ترفاً لغوياً، بل فعل مقاومةٍ ومعرفةٍ وتنوير.
كاتبٌ غزير الإنتاج، متنوّع الحضور، عُرف بقدرته على التقاط التفاصيل الصغيرة ليجعل منها مرآةً كبرى للإنسان والوطن. من رواياته وقصصه ومقالاته انبثق ضوء الحرية، لا كحلمٍ بعيد، بل كمسؤوليةٍ يومية يمارسها بالكلمة والموقف. كتب عن الإنسان الفلسطيني، عن الأسير والذاكرة، وعن الجرح الذي لا يفقد كرامته. وفي كل نصٍّ له، نلمح ذاك الإصرار الجميل على أن تبقى اللغة وطنا حين يضيق الوطن. نحتفي اليوم به، وبأدبه الذي يذكّرنا أن الحرية لا تُمنح… بل تُكتب".
وكانت مشاركات للحضور.
  • وجاء في مداخلتي؛
اسمحوا لي أن أشكركم على استضافتي في هذا اللقاء، لكلّ من نظّم ورتّب وعمل على إنجاحه، ولكلّ من حضر، وأخصّ بالذكر صديقيّ بنيامين ويوسف حيدر.
وأنقل لكم تحيّة وشكر أسرى غانوت (نفحة- ريمون) الذين التقيتهم صباح الأحد؛ وأسرى الجلبوع الذين التقيتهم أمس الثلاثاء؛ وأسيرات الدامون اللواتي التقيتهن ظهر اليوم؛
اسمحوا لي أن أخرج عن النص لأحدّثكم قليلاً عن وضع الحركة الأسيرة في هذه الأيام؛
ما قبل 7 أكتوبر:
تضييقات بن غفير (جولات استعراضية في السجون/ تقليصات كانتينا والخبز/ تقليص الزيارات/ تنقلات داخل السجن من غرفة لأخرى ومن قسم لآخر كل أسبوعين/ تنقلات من سجن لآخر كل 3 أشهر/ قمعات دوريّة/ النحشون داخل السجون/ فش قانون: روح القائد)
  • ما بعد 7 أكتوبر:
عزل تام (فش فورة وعن العالم الخارجي) مقطوعين عن العالم، زي اللي قاعدين بقبر،
اكتظاظ (150 في القسم بدل 50/ بالغرفة 15 مع 8 أبراش) كثار بناموا ع الأرض،
تسكير الغرف كل الوقت وبدون تهوية، رطوبة، مرض الجلد/ إسكابيوس وما يتبعه من حساسية وحب على كل الجسم/ حكاك، الكلبشات للكل بدون تعقيم، تجويع (3 مغاشات رز ل 150 أسير) وكل أسير نزل بالوزن 15-25 كيلو)، ونظرية 90/60، تبريد، مصادرة المقتنيات،
مصادرة البُقج ورميها بالنفايات/ حرقها، بدون غيارات داخلية (بنشلح/ بنغسل وبنلبس) – أمراض جلدية. 6 أشهر بنفس البنطلون، الدشات بدون ستائر، ممنوع صلاة الجمعة، غرف الأنسولين وبدون علاج وإهمال طبي صارخ، قمعات متكررة/ غاز وكلاب، التركيع أثناء العدد،
الكلبشات المدمجة كل الوقت، ضرب وصراخ ومسبات وشتم الذات الإلهية ورموز المقاومة،
أما بالنسبة للأسيرات؛
مرحلة الاعتقال ودرب الآلام حتى الدامون (اقتحام نص ليل/ عشرات الجنود ومجندتان/ فوق راسها مع ضوّ البواريد/ فصل عن الأهل/ تفتيش عاري/ كلبشة وتعصيب عينين/ فش فرصة للبس الأواعي)،
ساعة الاعتقال (قبل الوصول للدامون): تفتيش عاري بالكامل + تفتيش عاري جماعي+ تفتيش عاري مصوّر وتهديد بالاغتصاب وتهديد برميهن مع الأولاد لغزة،
المسبات والشتائم الشخصية والذات الإلهية والتحقيق بظروف صعبة (دلال خصيب وحجّة الوداع) وأختها فاطمة و"صالح مات" كل 10 دقائق، و14 يوم بدون نوم
مصادرة الأدوات الكهربائية (القمقم-إبريق التسخين +++البلاطة – غاز التسخين +++الراديوهات والتلفزيونات).
الصبايا الصغار مع العادة الشهرية وبدون فوط وممنوعات من الحمام (غير مرة واحدة فقط باليوم)،
البقّ والقمل،
نقص أواعي صلاة،

 منع زيارة الأهالي،
صادروا كل الأوراق والدفاتر والكتب (ما خلّوا قصقوصة ورق) والأشغال اليدويّة،
صادروا الصور العائلية المعلّقة على حيطان الزنازين ومزّقوها ودعّسوا عليها.
اللقاء بالكتاب الأسرى
كان لقائي الأول مع الأسرى خلف القضبان صبيحة الاثنين، 03.06.2019، في سجن ريمون الصحراويّ؛ ومذّاك قمت بمئات الزيارات التطوعيّة لأحرارنا.
لمست توقهم للتواصل مع العالم الخارجي؛ ومن هنا انطلقت فكرة التشبيك بين كُتّابنا وأسرانا؛ وانطلقت مبادرة "لكلّ أسير كتاب" ووصلتهم آلاف النسخ من الكتب مخترِقة أسوار السجن وقضبان الزنازين.
تبيّن لي أن أسرانا في بلد المليون أسير ليسوا مجرّد أرقام، فلكلّ منهم قصّة وحكاية.
من وحي تساؤلات أصدقائي الكتّاب من خارج البلاد انطلق مشروع "من كلّ أسير كتاب"؛ ووصلت عشرات من إصدارات الأسرى الكُتّاب لقرّاء ومهتمّين خارج الحدود، وبدأ الاهتمام أكثر بتلك الإصدارات، استضافت كتاباتهم رابطة الكتاب الأردنيّين ومبادرة "أسرى يكتبون" التي تُوّجت بإصدار كتاب "ندوات أسرى يكتبون".
يواجه الأسير صعوبات جمّة في إخراج مادّته المكتوبة من خلف القضبان لترى ، ومن هنا تولّدت فكرة مساعدتهم على إصدار نتاج أقلامهم، والاحتفال بكلّ كتاب يصدر لأسير، فساعدت على إصدار عشرات الكتب وبدأ الاهتمام بأدب الحريّة يزداد.
إثر تلك النهضة الثقافية أثيرت تساؤلات كثيرة حول تلك الإصدارات، غزارة الانتاج والنشر، ومن هنا تولّدت فكرة إصدار كتاب "الكتابة على ضوء شمعة"؛ توجّهت للأسرى الكتّاب حول طقوسهم، وكذلك من تحرّر منهم وكتب خلف القضبان وخارجها، تحمّسوا للفكرة، وكلّ منهم كتب دون شروط أو قيود أو توجيه فجاءت كتاباتهم متنوّعة لتشكّل لوحة فسيفسائية وكولاجا أدبيا متكاملا، كلّ وطقسه.
قمت حتى السابع من أكتوبر بـمئة وأربعين لقاء مع أسرى يكتبون (عدا عشرات اللقاءات مع الأسيرات)، دوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ ونشرت مقالات دوريّة حول اللقاءات تحت عنوان "متنفّس عبر القضبان" في المواقع الالكترونية وفي الصحافة المكتوبة وأصدرت كتاب "يوميات الزيارة والمزور – متنفّس عبر القضبان" تناولت فيه تلك الزيارات.
أمّا بالنسبة للأسيرات؛ بدأت مشواري التواصليّ معهن في شهر أيار 2021، والتقيت مذّاك بغالبية الأسيرات الفلسطينيات، حتى حين تمّ منعي من الزيارات أواخر شهر آذار 2024، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء للقضاء، وأصدرت كتاب "زهرات في قلب الجحيم"، تناولت فيه تجربتي مع الأسيرات.
من وحي المبادرة أصدرت مؤسسة كل العرب الفرنسية كتاب "حروف على جدران الأمل– كتابات خلف القضبان" بمشاركة 36 أسيراً؛
وشاركت في ندوات دوليّة حول أدب الحريّة، وتُوّجت بمؤتمر أدب الحريّة الأول بعمان تزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني؛
تناولت الكثير من الكتب التي ألفها كتّاب أسرى بقراءات نقدية انطباعية، ومن هنا تولّدت فكرة كتابي الأخير "احتمالات بيضاء-قراءات في أدب الحرية الفلسطيني".
من على هذه المنصّة وجدتُ لزاماً عليّ أن أشكر جزيل الشكر زوجتي سميرة التي كانت المبادرة والمحفّز ومن أشعلت الشرارة الأولى؛
والصديق فراس حج محمد الذي حرّر كلّ تلك الكتب التي أصدرتها وأسدى النصيحة ومدّ يد العون؛
والفنان ظافر شوربجي الذي صمّم أغلفة كل كتبي ومنتجها؛
 وناشري نقولا عقل، صاحب دار الرعاة، برفقة محمد الحواري، صاحب جسور ثقافية.
وكذلك الصحف والمواقع الالكترونية التي تابعت المبادرة وغطّتها؛ ومنها مواقع ديوان العرب، المجلة الثقافيّة الجزائرية، أخبار البلد المقدسيّة، موقع الغزال، موقع كنوز، موقع بقجة، موقع عكا نت، موقع أمد، موقع المسار، صحيفة المدينة الحيفاوية، وصحيفة القدس وغيرها.
وتبقى الحريّة خير علاج للأسير.
[*] مداخلة في عبلين، الأربعاء 12.11.2025