كنوز نت - بقلم: رانية مرجيه


تغيّرتُ وصرتُ لا أُبالي — المَلحمة الإنسانية
بقلم: رانية مرجيه
تغيّرتُ…
لا كما يغيّرُ الناسُ أثوابهم،
بل كما تتبدّلُ الأرضُ بعد طوفانها،
كما تنهضُ من الرمادِ العنقاءُ،
لا لتُعيدَ المجدَ، بل لتخترعَ معنى البقاء.
تغيّرتُ، وصرتُ لا أُبالي…
لأنَّ البالَ نفسه خذلني،
حين صدّقَ أنَّ الحبَّ خلاص،
وأنَّ النقاءَ درعٌ ضدَّ الخيانة.
تعلمتُ أنَّ الصفاءَ لا يحمي،
بل يُعرّي.
وأنَّ من يُحبّ أكثر،
يُصلبُ أولًا على جدارِ الخيبة.
تغيّرتُ…
فصارَ الحنينُ في قلبي مؤدّبًا،
يطرقُ البابَ ولا يدخل،
وصارَ الماضي غيمةً تمطرُ فقط حين أبتسم.
صرتُ أرى الناسَ ككتبٍ مفتوحة،
أقرأُ نفاقَهم في هوامشِ الكلام،
وأرى وجعَهم خلفَ صورٍ مُنمّقةٍ بالفلتر والوجع.
تغيّرتُ، وصرتُ لا أُبالي…
لأنَّ الوعيَ سيفٌ ذو حدّين:
يجرحُك حين تُبصر،
لكنه يُنقذك من العمى.
رأيتُ الحضارةَ تبتلعُ الرحمة،
والعقلَ يُباعُ في أسواقِ الجهلِ باسمِ الحداثة.
تغيّرتُ…
لأنّ العالمَ لم يترك لي خيارًا.
فالسكوتُ صارَ بطولة،
والبساطةُ تُهمة،
والصدقُ انتحارًا في زمنِ التصفيق.
تغيّرتُ وصرتُ لا أُبالي…
لكنّي أبالي بالحقيقة،
بالحُبّ الصادق حين يأتي عاريًا من الزيف،
بالسلامِ حين يُولد من الفوضى لا من الخضوع.
أبالي بالأنثى التي في داخلي،

تلك التي لم تعد تنتظرُ فارسًا،
بل تُعيدُ بناءَ مملكتها بيديها.
أبالي بالإنسانِ في كلّ إنسان،
بالطفلِ الذي ما زالَ يبكي فينا بصمتٍ،
وبالأملِ الذي، رغم كلّ شيء،
ما زالَ يُقيمُ في أعماقِ الخراب.
تغيّرتُ…
وصرتُ لا أُبالي بالمظاهر،
لكنّي أبالي بالجوهرِ،
لأنَّ الله لا يقيسُ الوجوهَ… بل النوايا.
تغيّرتُ…
وصرتُ لا أُبالي بما يُقال،
فالكلماتُ رمادٌ،
أما الأفعالُ فهي النارُ التي تُنضجُ الوعي.
تغيّرتُ…
لأنّي عرفتُ أنَّ الخساراتِ ليست نهاية،
بل بدايةٌ لمن يُجيدُ القراءةَ بلُغةِ الصمت.
تغيّرتُ،
وصرتُ لا أُبالي…
لأنّي، أخيرًا، عرفتُ نفسي.