كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


صمت العالم

بقلم: سليم السعدي

في أحد أزقّة غزة المهدّمة، جلس آدم، طفل في التاسعة من عمره، بين الركام، يحمل في يده دفترًا محترق الأطراف، كان هو ما تبقّى من مدرسته.
لم يعد هناك سقف يحميه، ولا أمّ تناديه لتناول الخبز الساخن، ولا أب يضحك حين يراه يركض في الحارة. كلّ شيء أصبح رمادًا، حتى صوته اختنق بين الغبار.

كانت الريح تمرّ على أطلال بيته، كأنها تهمس له: "اصبر يا صغيري".
رفع عينيه إلى السماء المغطاة بالدخان، وسأل بصوت مرتجف:

> "يا الله... هل يسمعني أحد؟"



لم يجبه أحد، سوى طنين طائرة لا تغادر سماءه.
في تلك اللحظة تذكّر كيف كان يركض كل صباح إلى مدرسته، يحمل حقيبته الصغيرة وابتسامته الكبيرة.
كان يحلم أن يصبح طبيبًا يداوي الجرحى، أو معلّمًا يعلّم الأطفال كيف يصنعون غدًا أفضل.

لكن الحرب سرقت منه حتى الحلم.

في المساء، حين خيّم الظلام، جلس عند ركام مدرسته، وبدأ يكتب على صفحة لم تمسّها النار:

> "اسمي آدم، من غزة. لم أعد أملك بيتًا، ولا أهلًا، ولا أصدقاء.
لكني ما زلت أتنفس، وما زلت أحب الحياة، حتى لو صمت العالم."



ثم أغلق الدفتر، ووضعه تحت حجر صغير كي لا يطير مع الريح.
كانت تلك طريقته ليقول للعالم:

> "أنا هنا… وإن متُّ، فاحكوا عني أني كنتُ طفلًا أراد أن يعيش."



وفي مكانٍ بعيد، حيث شاشات التلفاز تبثّ أخبار الحرب، كان العالم يشاهد بصمت،
بينما ظلّ آدم وحده، يكتب في الظلام —
أنقى حكاية عن البراءة المحاصَرة.