القروي(رشيد سليم الخوري)

كنوز نت - مصطفى معروفي

ــــ

الشاعر القروي (1887 ـ 1984) هوشاعر لبناني ،واسمه الحقيقي هو رشيد سليم الخوري،ولد شاعرنا في قرية البربارة،ويقال أنه لم يولد فيها بل ارتدى هناك قميصا ترابي اللون فانتسب إليها.

هاجر القروي إلى البرازيل ،وهناك صار رئيس تحرير مجلة (الرابطة)،كما صار رئيس (العصبة الأندلسية) مباشرة بعد رئيسها الأول الشاعر والكاتب ميشال معلوف.وسبب اختياره للقب القروي ،هو أن الناقد قسطنطين الحداد نعته به،وكان كثير النقد له وخاصة في ديوان (رشيدات).

سمي القروي بقديس القومية العربية،ومن العجيب أن ديانة الشاعر هي المسيحية ولكنه كان يفخر بالمسيح(ع)وبالنبي محمد (ص)،ويحبهما وقد وافته المنية وهو على حبهما.

 اشتعل شاعرنا بالتدريس إلى أن توفي والده ،وقد ترك له مسؤوليات وديونا أثقلت كاهله.ورغم هذا فقد كان شاعرنا أبي النفس إلى درجة أنه رفض هدية عبارة عن بيت/ قصر اشتراه له البعض،رفض لأنه رأى في قبول الهدية من شاعر هو حط لقيمته وإخفات لصوته وفيه إفقاد لتأثيره.لكن إثر ذلك بدأت صحة الشاعر تتدهور فأنفق كل ما لديه من مال عليها،ولما لم يجد مالا لشراء الدواء باع عوده وكتبه،وهكذا فإن الرجل الذي رفض الهدية التي هي عبارة عن بيت/قصر بات لا يجد ما يشتري به الدواء.

ولنقرأ ما قاله الشاعر بنفسه لنعرف مكانة ذلك العود عنده:

أيــن أنــت يــا هــند أين؟

لــتــريْ...آه لـــو تــريــن

شــبــحا بــاســط الــيــدين

يــســكب الــدمع جــدولين

أحـــــــمـــــريـــــن

كــل حــظي مــن الوجود

قـــلـــم نــاحــل..وعــود

منهما...والورى في هجود

أتــــســــلــى بــبــلــبــلــين

شـــــــاديـــــــيـــــن

ولما قامت الثورة العربية سنة 1917 قرر الشاعر أن يشارك فيها ليستشهد في الميدان بيد أن بعض أصدقائه ثنوه عن يفعل،،يقول القروي:

لــنــا وطـــن هـــلا ســمعنا نــحيبه

وهـــلا رأيــنــا ضــعــفه ونــحــيبه

حملت صليبي قاصدا أرض موعدي

فــمن شــاء فــليحمل ورائــي صليبه

وبعد الحرب العالمية الثانية سقطت الدولة العثمانية فجاء الاستعمار الفرنسي وناء بكلكله على سوريا ولبنان،فهب الشاعر يدعو إلى الوقوف في وجه فرنسا،ورغم أنه كان مسيحيا فإنه في هذا الموقف دعا إلى حمل السيف اقتداء بالنبي محمد(ص) ونبذ المسيح(ع):

إذا حــولت رفــع الظلم فاضرب

بــسيف مــحمد واهــجر يــسوعا

فـــا حــمــلا وديــعــا لــم يــلف

ســوانا فــي الــورى حملا وديعا

غضبتَ لذات طوق حين بيعت

ولــم تــغضب لــشعبك حين بيعا

ألا أنــــزلــت إنــجــيلا جــديــدا

يــعــلــمنا إبــــاءٍ لا خــنــوعــا

والقروي كان يرى في الاتحاد قوة وفي الفرقة ضعف ويرى أن كفرا يوحد الأمة هو خير من إيمان يفرقها ويشتتها ،فاتهم بالإلحاد والزندقة:

بـــلادك قــدمــها عــلى كــل مــلة

ومــن أجلها أفطر ومن أجلها صمِ

لــقــد صــام هــنديٌّ فــروّع دولــة

فها صار صعبا صوم مليون مسلمِ

هــبونيَ عــبدا يــجعل العرْب أمة

وسيروا بجثماني على دين "برهمِ"

ســـلام عــلى كــفر يــوحد بــيننا

وأهـــلا وســهــلا بــعــده بــجهنمِ

وعندما أقام المندوب السامي الفرنسي مجلسا نيابيا مزيفا في لبنان،جابهه الشاعر بقصيدة نارية،منها هذه الأبيات:

وطـــن تــحــيرت الــعــبيد لــذله

وأذل مــنــه رئــيــسه والــمجلسُ

جــاء المفوض بالعلِيق فحمحموا

وثــنى عــليهم بــالشكيم فأسلسوا

لا تــســلــقوهم بــالــكلام فــإنــهم

جلسوا وهل نُخِبوا لكي لا يجلسوا

فـــي كــل كــرسي تــسَنّدَ نــائب

مــتــكلف أعــمى أصــمٌّ أخــرسُ

والقصيدة التي منها الأبيات أعلاه لقيت رواجا ،وبيعت منها نسخ كثيرة.وبقي الشاعر على العهد وعاد إلى لبنان وعاش فيه حتى يوم وفاته.

وأريد أن أختم بأبيات رائعة للشاعر القروي قيل أنه تعلَّمَ مضمونها من أمه في كيفية التعامل مع الحاسدين،وهي:

تَــحَــيَّرَ بـــي عَــدُوَّي إِذ تــجنَّى

عــليَّ فــما ســألتُ عــن الــتجني

وقــابــلَ بــيــنَ مـــا ألــقاهُ مــنهُ

ومــا يَــلْقى مــن الإِحــسانِ مني

يــبالِغُ فــي الخِصامِ وفي التجافي

فــأغرقُ فــي الأنــاةِ وفي التأني

أودُّ حــيــاتَــهُ ويــــودُّ مــوتــي

وكـــمْ بــيــنَ الــتَمَني والــتَجني

إِلــى أن ضــاقَ بــالبغضاءِ ذَرْعاً

وحــسَّنَ ظَــنَّهُ بــي حــسنُ ظني

عــدوي لــيسَ هــذا الشهدُ شهدي

ولا الــمنُّ الــذي اســتحليْتَ مني

فــــلــي أمٌ حَــنُــونٌ أرضــعــتني

لــبانَ الــحُبِّ مــن صَــدْرٍ أحــنِّ

عــلــي بــسمَاتِها فــتحتُ عــيني

ومـــن لَــثــماتِها رويــتُ سِــنِّي

كــمــا كــانــتْ تُــناغيني أُنــاغي

ومـــا كــانــتْ تُــغَــنيني أُغَــني

سَــقــاني حُــبُّها فــوقَ احــتياجي

ففاضَ على الوَرى ما فاضَ عني

رحم الله القروي الذي عاش تقريبا مدة قرن من الزمان، ورحم كل شعراء لبنان الذي غادروا إلى البقاء وبارك في من بقي منهم على قيد الحياة،فقد أسدوا للشعر العربي الخدمات الجلى ،وأمتعوا محبي الشعر وقراءه بخرائد تجل في حسنها وعذوبتها عن الوصف.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه،يا علي يا قدير.