كنوز نت -  بقلم : الكاتب والفنان سليم السعدي

لعبة نتنياهو الكبرى: من اغتيال القادة إلى تفجير المنطقة

 بقلم : الكاتب والفنان سليم السعدي

لم يعد ما يجري في المنطقة مجرد أحداث متفرقة أو ردود فعل متسرعة، بل بات جزءاً من مشهد مدروس بعناية، تُرسم خطوطه في تل أبيب وواشنطن، وتُنفذ فصوله في غزة والدوحة والقاهرة والرياض. فما يبدو ظاهرياً اغتيالاً لقادة فلسطينيين، أو ضربة خاطفة هنا وهناك، ما هو إلا مسرحية سياسية محبوكة تهدف إلى إنقاذ بنيامين نتنياهو من مأزقه الداخلي بعد فشله الذريع في حسم معركة المقاومة الفلسطينية.

نتنياهو، الذي وعد جمهوره بحسم سريع وحرب قصيرة، وجد نفسه أمام مقاومة صلبة أفشلت أهدافه وأربكت تحالفاته الداخلية. ومع كل إخفاق عسكري، كان بحاجة إلى مخرج سياسي أو حدث مدوٍ يعيد خلط الأوراق. وهنا تأتي "المسرحيات" المتكررة: اغتيالات، ضربات جوية، تهديدات لدول المنطقة، وكلها لا تهدف فقط إلى إضعاف الخصم بل إلى خلق بيئة إقليمية مشتعلة تسمح له بتمديد الحرب وتبرير بقائه في الحكم.


المثير أن المشهد لا يقتصر على إسرائيل وحدها. الولايات المتحدة، التي تدّعي لعب دور الوسيط، هي في الحقيقة من يمنح الضوء الأخضر ويضع الخطوط الحمراء. ضرب قطر، الدولة الحليفة لواشنطن والمركز الاستراتيجي لقاعدتها العسكرية، لا يمكن أن يتم من دون موافقة أمريكية. الهدف ليس إسقاط الدوحة، بل توظيف الحادثة في تضليل الرأي العام العالمي وخلق صورة وهمية عن "إرهاب عربي" يبرر تحريك جبهات جديدة، ويُمهّد لحشد تضامن دولي ضد خصوم بعينهم.

الأخطر في هذه اللعبة أن الخليج يُدفع دفعاً للتضامن مع مصر، ليس من باب الأخوة العربية، بل من باب التوريط السياسي والعسكري. فتل أبيب تعرف أن مصر هي الثقل الأكبر في المنطقة، وأن دخولها في أي مواجهة دفاعاً عن الخليج سيضعها مباشرة تحت المجهر الصهيوني. عندها تتحول القاهرة من لاعب إقليمي إلى ورقة في يد نتنياهو، يستخدمها حين يشاء ويقلب الطاولة عليها متى أراد.

ما يجري اليوم هو إعادة إنتاج لمشروع "إسرائيل الكبرى" الذي تحدث عنه الحاخام الأكبر قبل أكثر من عقد. مشروع يقوم على إشعال الجبهات وتوسيع الصراع ليشمل المنطقة كلها، بحيث تتحول كل دولة إلى ساحة اختبار وابتزاز. فإذا أُغلقت أمام نتنياهو فرصة استمرار الحرب في غزة، يفتح هو ومن معه ملفاً جديداً: مرة بقطر، ومرة بالخليج، وربما لاحقاً بمصر نفسها.

إن ما يجري ليس صدفة ولا ردود فعل عابرة، بل مخطط مرسوم لإبقاء المنطقة رهينة في يد نتنياهو ومن يقف وراءه. من هنا، فإن مسؤولية الشعوب العربية ليست الصمت ولا الاكتفاء بالتفرج، بل فضح هذه المسرحية أمام العالم، وكشف أن ما يُقدّم على أنه "حرب على الإرهاب" أو "اغتيال للقيادات" ليس إلا ورقة في يد مشروع توسعي يريد تمزيق الأمة وإعادة تشكيلها وفق مقاسات "إسرائيل الكبرى". وإذا لم تنهض الشعوب لتقول كلمتها اليوم، فلن تجد غداً أرضاً ولا هوية تحفظها من الضياع .