كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي

روتشيلد، روكفلر، ومجدو: حين يلتقي المال بالنبوءة على أرض فلسطين

منذ قرون والعالم يُدار من وراء الستار عبر قوى المال والنفوذ، وأبرز رموزها عائلتا روتشيلد في أوروبا و روكفلر في أمريكا. الأولى بنت إمبراطوريتها من البنوك والقروض التي موّلت حروب أوروبا وإمبراطورياتها، والثانية صنعت قوتها من النفط ومن ثم من مؤسساتها الثقافية والسياسية. كلاهما لم يكن بعيدًا عن فلسطين؛ بل كانا جزءًا من صياغة مشروعها الاستعماري.

فاللورد روتشيلد كان عنوان وعد بلفور المشؤوم، وممول المستعمرات الزراعية التي وضعت اللبنة الأولى للاغتصاب الصهيوني. وروكفلر، الذي أسس متحف القدس سنة 1938، لم يجمع الآثار حبًا بالثقافة، بل ليضع تاريخ فلسطين في قفص استعمار جديد، تُكتب روايته بأقلام الغرب وتُعرض شواهده في قاعات تحجب عن أصحابها الحقيقيين.

غير أنّ الخطر لا يكمن في نفوذ عائلات بعينها فقط، بل في منظومة عابرة للقوميات، ما يُعرف اليوم بـ"الدولة العميقة العالمية": تحالف بين المال، الطاقة، السلاح، والإعلام، يلبس أحيانًا رداء الدين ليشرعن أطماعه. وهنا يطلّ اسم تل المتسلم (مجدو)، شمال فلسطين، في قلب مرج ابن عامر، ليكشف كيف يجتمع التاريخ مع الجغرافيا والنبوءة.

مجدو، الموقع الأثري الذي تعاقبت عليه حضارات منذ سبعة آلاف سنة، تحوّل في النصوص التوراتية والإنجيلية إلى رمز "هرمجدون" – المعركة الأخيرة بين قوى الخير والشر. الإنجيليون المتصهينون في أمريكا يرون أن قيام إسرائيل وسيطرتها على الأرض إنما هو تمهيد لوقوع تلك الحرب الموعودة، التي يعتقدون أنها ستسرّع بعودة المسيح. ولأجل هذه العقيدة، يضخ المال الأمريكي والدعم السياسي لإسرائيل بلا حدود، وكأن فلسطين ليست وطن شعب، بل مسرح مفتوح لنبوءة معدّة سلفًا.

هكذا نرى أنّ روتشيلد يمسك بخيط المال، روكفلر بخيط النفط والرمزية الدينية، والدولة العميقة تنسج المشهد كله: فلسطين تتحول من أرض حية نابضة بتاريخها وأهلها، إلى ساحة يُراد لها أن تحتضن حربًا كونية أسطورية. أما الشعب الفلسطيني، فهو الغائب – الحاضر؛ مطرود من أرضه ليُفرغ المسرح من أهله ويُسلَّم لمشروع استعمار بغطاء لاهوتي.

لكن الحقيقة أن ما يسمونه "هرمجدون" ليس سوى حرب استعمارية مغطاة بثوب ديني، حيث المال يوجه النبوءة، والنفط يغذي السلاح، والسياسة تكتب السيناريو. ومع ذلك، يظل الفلسطيني هو الشاهد والضحية والمقاوم، يعلن بدمه أنّ التاريخ لا يكتب في المتاحف، بل في شوارع جنين وغزة والقدس.

فليعلم روتشيلد وروكفلر، وليعلم كل من يختبئ وراء النصوص المقدسة لتمرير جرائمه، أنّ فلسطين ليست خشبة مسرح لأوهام آخر الزمان، بل وطن حيّ، له شعب، وجذور، وذاكرة. ومهما عظمت الدولة العميقة واشتد نفوذها، فإن الأرض لا تنطق إلا بلسان أصحابها، والتاريخ لا يكتبه إلا دم الشهداء.

موضوع عائلة روتشيلد واسم "ركفرار" (وأعتقد أنّك تقصد روكفلر Rockefeller) يندرج ضمن النقاشات التي تجمع بين التاريخ الاقتصادي ونظريات "الحكومة الخفية" أو "الدولة العميقة العالمية". خليني أوضح الصورة بشكل مركّب:

1. عائلة روتشيلد

أصلها من ألمانيا (فرانكفورت)، وبرزت في القرن 18–19 كأكبر عائلة مصرفية في أوروبا.

امتلكت شبكة بنوك في لندن، باريس، فيينا، ونابولي، وكان لها نفوذ ضخم في تمويل الحروب (مثل نابليون) والحكومات.

رُبط اسمهم بتمويل مشروع الاستعمار البريطاني في فلسطين، ووعد بلفور سنة 1917 الذي وُجّه بالأساس إلى اللورد ليونيل روتشيلد.

اليوم لم تعد العائلة بنفس التأثير المباشر كما في القرن 19، لكنها ما زالت رمزًا للرأسمال المالي العالمي والاحتكارات البنكية.


2. عائلة روكفلر


أمريكية الأصل، اشتهرت منذ أواخر القرن 19 مع جون دي. روكفلر مؤسس شركة Standard Oil التي سيطرت على النفط الأمريكي.

لهم نفوذ في مجالات الطاقة، البنوك (تعاون مع Chase Bank)، ومؤسسات خيرية كبرى (جامعة شيكاغو، مؤسسة روكفلر).

لعبوا دورًا في تشكيل سياسات النفط والطاقة العالمية، وبعضهم ارتبط بالمجالس الدولية مثل مجلس العلاقات الخارجية CFR.


3. تحكم العالم؟

القول إن "روتشيلد وروكفلر يحكمون العالم" مبني على فكرة أن رأس المال المالي هو المحرك الأساسي للسياسة الدولية.

صحيح أن هذه العائلات كان لها تأثير كبير في الماضي، لكن الصورة الحالية أكثر تعقيدًا:

القوى العالمية الآن بيد تحالفات دولية (أمريكا – الصين – روسيا – أوروبا).

الشركات متعددة الجنسيات مثل Google, BlackRock, Vanguard قد تفوق نفوذ العائلات القديمة.

"الدولة العميقة" ليست عائلة واحدة، بل شبكة مصالح بين بنوك، شركات سلاح، طاقة، ولوبيات سياسية وإعلامية.



4. لماذا يتم التركيز على روتشيلد وروكفلر؟

لأنهم رموز لتاريخ طويل من الاحتكار المالي والنفطي.

لأن اسمهم ارتبط بمشاريع حساسة: روتشيلد بفلسطين، روكفلر بالنفط والسياسة الأمريكية.

ولأن الناس تبحث عن "وجه" أو "عائلة" تختصر فكرة النظام المالي العالمي.


 خلاصة الامر : 
هؤلاء ليسوا "الحاكم المطلق للعالم"، لكنهم جزء من طبقة مالية – سياسية – فكرية تتحكم في الاقتصاد والسياسة عبر التاريخ. اليوم النفوذ موزع بين البنوك الاستثمارية العملاقة، المجالس الاستراتيجية، وشركات التكنولوجيا والطاقة، مع بقاء أسماء روتشيلد وروكفلر كـ رموز تاريخية للهيمنة المالية.