.png)
كنوز نت - د.محمد عقل
من عادات العرب في الجاهلية
د.محمد عقل
- الاعتفاد:
كان الناس في قريش في الجاهلية على طبقات منه الفقير ومنهم متوسط الحال ومنهم الغني. فإذا عطف غني على فقير كان ذلك منه مِنْةً وكرمًا. في ذلك المجتمع تفشت عادات سيئة منها الميسر(القمار) والخمر والمضاربة ما أدى إلى أن يصبح الغني بين عشية وضحاها معدمًا لا يملك شروى نقير، وذلك بعد أن هلكت أمواله وسافت، فكان هذا يعمد إلى الانتحار بأن يخرج هو وأهله إلى مكان ناءٍ فيضربون الأخبية ويجلسون فيها حتى يموتوا جوعًا قبل أن يُعلم بخلّتهم، وقد أطلقوا على ذلك اسم الاعتفاد وهو أن يُغلق الرجل باب داره ويبقى فيها حتى يموت مع أهله جوعًا، فلما نشأ هاشم بن عبد مناف وعظم قدره في قومه قال لهم: يا معشر قريش، إن العز مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثرَ العرب أموالاً وأعزّهم نفرًا، وإن هذا الاعتفاد قد أتى على كثير منكم، وقد رأيت رأيًا، قالوا: رأيك رَشَدٌ فمُرنا نأتمر؛ قال رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم، فأعمد إلى رجل غني فأضمّ إليه فقيرًا عيالُهُ بعدد عياله، فيكون مؤازِره في الرحلتين: رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن، فما كان في مال الغني من فضلٍ عاش الفقير وعياله في ظله. وكان ذلك قطعًا للاعتفاد، قالوا: فإنك نعم ما رأيت، فالّف بين الناس، فلما كان من أمر الفيل وأصحابه ما كان، وأنزل الله بهم ما أنزل، وكان ذلك مفتاح النبوة وأول عزّ قريش حتى هابهم الناس كلهم، وقالوا: أهل الله والله يمنعهم. وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك العام، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله، وكان فيما أنزل عليه وهو يُعرّف قومَه ما صَنَعَ بهم وما نصرهم من الفيل وأهله(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) سورة الفيل:1 إلى آخر السورة... ثم أخبره لِمَ فعل ذلك فقال (لإيلاف قريش إيلافهم) سورة قريش:1 إلى آخر السورة أي لتراحمهم وتواصلهم، وإن كانوا على شِرْك، وكان الذي أمنتهم منه من الخوف خوفِ الفيل وأصحابه، وإطعامه إياهم من الجوع، من جوع الاعتفاد. راجع التذكرة الحمدونية لابن حمدون ص 152-153.
- المناضلة:
عرف العرب منذ الجاهلية الرمي بالسهام حيث كان الرجل يحمل قوسًا بيده وسهامًا في كنانته أو جعبته، ويتخذ حيوانًا أو طائرًا غرضًا لرمايته، وغالبًا ما شاركه آخرون في ذلك، ومن هنا ظهرت المناضلة وهي المباراة في الرمي فإذا تشارط اثنان الرمي عشرين مرة وأصاب أحدهم دون العشرة والثاني عشرة فما فوقها، فقد نضل الثاني صاحبه أي غلبه ففاز بمال أو جائزة. والمناضلة من النضل وهو الرمي، وتناضلوا أي رموا للسبق، وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المناضلة لأنها إعداد للحرب، ولكنه نهى أن يتخذ ذو الروح غرضًا وذلك رفقًا بالحيوان، والمناضلة شرعًا تنافس متشاركين فأكثر في البراعة في استعمال السلاح ورمي الهدف على مال بشروط معينة. وكانوا يتفاخرون بدقة الإصابة ثم صارت المناضلة تعني المفاخرة والتسابق بالأشعار، واليوم أصبحت تعني المكافحة والمقاومة.
مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، ج2، ص 431، حديث رقم 1863(جوجل).
مادة(نضل) في لسان العرب لابن منظور.
- المساجلة:
قال الفضل بن العباس اللهبي:
وأنا الأخضر من يعرفني*** أخضرُ الجِلْدِةِ من بيت العربْ
مَنْ يُساجلني يُساجل ماجدًا *** يَمْلأُ الدّلوَ إلى عَقْد الكَرَبْ
يعني بالخضرة آدمَ اللون. والعرب تفتخر بأنها سُمْر وسُود، وقيل: عَنَى بالأخضر البحر، وأنه في نفسه وكرمه كالبحر، وعَنَى بالمساجلة المفاخرة، وأصل المساجلة أن يملأ الشخصان بدلوين من بئر، فأيهما ملأ أكثر كان الغالب، واستعمل في المفاخرة. والسجل: الدلو.
راجع: الكامل في اللغة والأدب للمبرد
- المعاقرة :
كان العرب في الجاهلية إذا أرادوا ذبح جمل عقروه أي قطعوا إحدى قوائمه بالسيف ليسقط ثم نحروه عند أسفل الرقبة حتى يتمكنوا من ذبحه. فالعقيرة هي الساق المقطوعة، أما المعاقرة فهي مباراة في الجود والسخاء بين رجلين فيعقر هذا وهذا الجمل تلو الجمل حتى يُعْجِزَ أحدهما الآخر. قال ابن الأثير: وكانوا يفعلون ذلك رياءً وسمعةً وتفاخرًا ولا يقصدون به وجه الله تعالى، لذا نهى عنه الإسلام لما فيه من تعذيب للحيوانات، فقد جاء في حديث ابن عباس: "لا تأكلوا من تعاقر الأعراب فإني لا آمن من أن يكون مما أُهلّ به لغير الله".
وعَاقَرَ صاحبه: فاضله في عقر الإبل كما يقال: كارَمه وفاخره، وتعاقر الرجلان عقرا إبلهما يتباريان ليُرى أيهما أعقر لها، وهو نوع من المفاخرة وكان الموسرون يتعاقرون يفاخر بعضهم بعضًا.
وأشهر معاقرة عند العرب كانت بين عامر بن صعصعة وسحيم بن وثيل الرياحي حيث عقر سحيم خمسًا ثم بدا له، وعقر غالب أبو الفرزدق مائة.
وفي الحديث: لا عَقْرَ في الإسلام. قال ابن الأثير: كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى أي ينحرونها ويقولون: إنّ صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته.
وأصل العقر قطع قوائم الفرس، أو الإبل، أو الشاة بالسيف وهو قائم كي لا يشرد ويسهل ذبحه. يقول أمرؤ القيس:
ويومَ عَقَرَتُ للعذارى مطيّتي*** فيا عجبًا من كورها المُتَحمّلِ
والعقيرة: الساق المقطوعة. وصوت الباكي إذا بكى، أو صرخ، أو صوت المغني.
أما رفع عقيرته، فقيل أصله أن رجلاً قطعت رجله في سوق عكاظ فرفع عقيرته المقطوعة على الصحيحة وبكى عليها بأعلى صوته، فقيل رفع عقيرته ثم درج هذا التعبير اصطلاحًا للدلالة على رفع الصوت في البكاء، أو الصراخ، أو الغناء.
العُقار: بالضم الخمر سميت بذلك لأنها عَقَرَت العقل، والمعاقرة إدمان شرب الخمر.
وامرأة عاقر: مقطوعة النسل، عقيمة.
والعَقَّار ج عقاقير: الدواء الذي يحسم الداء أي يقطعه.
وفي اللغة العبرية עקר بمعنى قلع الشجر أو السن.
راجع مادة (عقر) في تاج العروس للزبيدي، ولسان العرب لابن منظور، ومختار الصحاح، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
29/08/2025 04:55 pm 529