كنوز نت -  بقلم: سليم السعدي


البيت المفقود والابن الغائب: فلسطين بين الغربة والعودة

 بقلم: سليم السعدي

كانت هناك عائلة متماسكة، لها بيت بسيط وأرض مباركة. شاءت الأقدار أن يضيع منها طفلها الصغير وسط زحام التاريخ، خُطف من حضنها وابتعد عنها، حتى فقدت الأمل في رؤيته من جديد. مرّت الأعوام ثقيلة، وظلّت دمعة الأبوين لا تجف.

وبعد عشرات السنين، ظهر غرباء على باب العائلة يطرقون بعروض مغرية، يضغطون على الأم والأقارب لبيع البيت. جاؤوا باسم شركة ضخمة، تعرض ملايين الأموال لشراء الأرض، وكأنها مجرد صفقة تجارية لا ذاكرة فيها ولا دمعة ولا صرخة طفل.


لكن ما لم يعرفه الجميع أن صاحب تلك الشركة، هو نفسه الطفل المفقود! ذلك الذي نُزع من جذوره في غفلة من الزمن، وأُلبس هوية غريبة، حتى صار يفاوض أهله على بيت طفولته، على سريره الأول، على شجرة التين التي كانت تظلله.

وهكذا هي فلسطين.
فمنذ أكثر من سبعين عامًا، ضاع "الطفل الفلسطيني" في زحام الاستعمار، وسُرقت منه أرضه وبيوته وذاكرته، وادّعى الغرباء أنهم أصحاب الحق. اليوم، تعود شركات الاستيطان ومصانع الاحتلال لتعرض الأموال والاتفاقيات، وكأن الوطن بضاعة في سوق، وكأن الذاكرة قابلة للبيع والشراء.

إن القضية ليست أرضًا مطروحة للبيع، ولا مشروعًا تجاريًا بين شركات. فلسطين هي بيت الطفل الضائع، هي دمعة الأم التي لم تجف، هي الحق الذي لا يسقط بالتقادم. ومهما طال الزمن، سيكتشف الأبناء أن المساومة على البيت هي خيانة للدم، وأن الضغط على العائلة لبيع الأرض هو غربة عن النفس قبل أن يكون غربة عن التاريخ.

فمن يساوم الفلسطيني على أرضه، كمن يساوم الطفل على قلب أمه.
ومن يضغط على العائلة لتبيع بيتها، يفضح غربته عن هويته قبل أن يفضح غربته عن الحق.

ستبقى فلسطين بيتنا الأول، وجرحنا المفتوح، ولن يُمحى اسمها من ذاكرة التاريخ، مهما حاولوا.