كنوز نت - مصطفى معروفي 


 دعوة لسد الطريق
ــــــــــ
من بين المشاكل التي تطرحها القراءة النقدية للنص الأدبي هناك مشكلة الاصطدام بصاحب النص المقروء، بحيث إن هذا الأخير يرى بأن النقد الموجه لنصه موجه لشخصه ، و لذا فهو قد يثور و يغضب ، و من ثم تكون ردود أفعاله سلبية دائما و أبدا ضد صاحب القراءة.
كذلك هناك مشكلة من يفهم النقد على أنه البحث عن مساوئ النص فقط و إبرازها للقارئ ، و من ثم فإن النقد في نظره ينبغي أن يقدم و يبرز ما على النص فقط دون ان يقدم و يبرز ما له.
إنها محنة الناقد في علاقته بالقارئ بخصوص المشكلة الأولى. و محنة صاحب النص المنقود و إلى حد ما محنة القارئ بخصوص المشكلة الثانية.
هناك من النقاد من هو مستعد ـ سامحه الله ـ لأن يضحي بالنقد و شروطه مقابل عرَضٍ زائل ، بحيث قد يبلغ السخف بالبعض إلى درجة أن يقبل مقابل ما يكتبه عن نصٍّ ما لشخص ما هو دفع ثمن قنينة بيرة في حانة ـ هذا حدث و يحدث بالفعل ـ فتأتي "قراءته" لنص دافع ثمن البيرة مغلفة بالتملق و مليئة بالمديح المجاني مع أن النص المعنيّ قد لا يصنف حتى في خانة الإنشاء و بداية البدايات.

مثل هذه القراءات للأسف الشديد قد تجد من يصغي إليها و يتخذها معيارا لنصوص أخرى لا تقل بؤسا عن النص المقروء، و بذلك يسود الذوق الأدبي الفج و ينسحب الراقي و السليم منه إلى الوراء، و الدليل على هذا ما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي من مجازر للشعر و للقصة و لكل الأجناس الأدبية بما فيها الخاطرة ، هذه الأخيرة التي صار يساء إليها بشكل صارخ ، مع أنها جنس أدبي راقٍ يربي الذوق و يسهم في تمكين الذائقة الجمالية لدى الآحاد و الجماعات.
ما حصل هو أن الوضع الأدبي الراهن و أقصد وضعه الرديء لم يساهم فيه الناقد المدعي وحده بل ساهم فيه أيضا أصحاب النصوص المنقودة ، و ذلك حينما يكتفون بالتفرج فقط على ما تتلقاه نصوصهم من لكمات و ما تصاب به من كدمات من طرف أشخاص لا يرقبون في الأدب إلّاً و لا ذمة، فيصدق القارئ أن نصوصهم في حقيقتها هي ما قاله عنها هؤلاء المدعون للنقد المزيفون للحقائق.
و أنا هنا لا أعفي القارئ من مغبة ما آل إليه الادب ـ و خاصة الشعر ـ على يديه، فحتى هو يتحمل قسطا من المسؤولية في هذا ، إذ لولا ركونه إلى التغاضي و عدم استقصائه للحقيقة لما جعل كل من هب و دب يدخل ميدان النقد غير خائف و لا وجل من أن ينبري له قارئٌ يوماً مَا بالمساءلة والاستفسار عما ذهب إليه في نقده اللاموضوعي و الموغل في الانحياز و المزاجية المقيتة.
ما يؤلم الأديب و الكاتب عموما هو أن يرى الابتذال هو ما يتم الاحتفاء به علنا ،و أن النصوص الجميلة الحاملة للأدب و المعتنية به يتم تهميشها وتغييبها ،و كأن الأمر يتعلق بغاية مقصودة من ذلك و هي ضرب الأدب و تسطيح الذائقة الجمالية ليكون الطريق المسدود و غيهب المجهول هو ما ينتظر أدبنا العربي و رموزه من أعلام و نصوص.
و السؤال الآن هو : ما الحل؟
الحل في نظري هو سد الطريق أمام أدعياء النقد و أدعياء الأدب و خاصة أدعياء الشعر الذين لا يصدقون حتى أنفسهم بأن ما يكتبونه أو يقرضونه هو شعر بالفعل، و تنبيه القارئ إلى أنه ينبغي له أن يتسلح باليقظة و التفطن إلى ما يراد للأدب من طرف بعض المبطلين من أنصاف المثقفين و أشباههم وإرشاده إلى النصوص الأصيلة الحاملة لنقاء الادب و صفائه.
أقول هذا و الله من وراء القصد و هو ولي التوفيق.