كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي

من مهازل هذا الزمان: مجرمو الحرب يصنعون السلام!
بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي

من سخرية الأقدار، بل من مهازل هذا الزمان، أن نرى مجرم حربٍ مطلوبًا لمحكمة الجنايات الدولية، يكتب بوقاحة خطابًا رسميًا للجنة جائزة نوبل للسلام، يوصي فيه بمنح الجائزة لرجلٍ آخر من نفس الطينة: دونالد ترامب.

الموصي، الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء، لا تزال صحف الاتهام تطارده؛ من جرائم حرب إلى انتهاكات حقوقية، من اغتيال الطفولة إلى تهويد الحقيقة، ومن هدم البيوت إلى حرق القلوب. ومع ذلك، يتصرف وكأنه زعيم للسلام ورمزٌ للإنسانية، يوزع التزكيات وكأنها صكوك غفران من يد الشيطان.

أما الموصى له، فهو الآخر ليس بريئًا من الدم. دونالد ترامب، الذي أدار ظهره للمعاهدات الدولية، وهدد الدول بالحروب التجارية والعقوبات، واعتمد سياسة "أنا أو الدمار"، وأشعل فتائل التوتر في الشرق الأوسط بقرارات متهورة نقلت السفارات ومزقت الاتفاقيات. أيّ سلام هذا الذي مثّله ترامب سوى سلام القبور وسكون الخراب؟

حين يصبح القاتل شاهدًا، والمجرم قاضيًا، والسياسي السفّاح حَكَمًا في شؤون الجوائز العالمية للسلام، فاعلم أن العالم يعيش أزمة أخلاقية شاملة.

كيف يمكن لعقل حرّ أن يستوعب أن لجنة نوبل، التي يفترض أنها رمزية إنسانية، تتلقى توصية من مجرم حرب لتكريم مجرم آخر؟ هل أصبحت الجائزة مجرد أداة سياسية تُباع وتُشترى؟ أم أن معاييرها قد خضعت لموازين القوى والنفوذ؟

إن ما جرى ليس مجرد سخرية قدر، بل فضيحة أخلاقية وسياسية تمثل انهيارًا للقيم الدولية. فحين يصبح السلام شعارًا يُستخدم لتبرير العدوان، والمبادئ تُمسخ لخدمة الأجندات، نعلم أن العالم لم يعُد كما نعرفه.

إن جائزة نوبل للسلام، التي مُنحت يومًا لرموز كغاندي ومارتن لوثر كينغ، أصبحت في هذا العصر مسرحًا عبثيًا تُكرم فيه اليد التي تصافح علنًا وتبطش سرًا.
وإن استمرار هذه المهزلة يدعونا، نحن شعوب العالم الحر، إلى إعادة التفكير في رموز هذا النظام العالمي المختل، الذي يرفع القتلة إلى منصات التكريم، ويترك الضحايا بلا قبر ولا صوت.

إننا لا نستغرب ترشيح مجرم لمجرم... ففي هذا الزمن الكاذب، أصبح كل شيء ممكنًا.
لكننا لا ولن نقبل أن يُسطَّر التاريخ بأقلامهم، وأن تُزيَّف الحقائق تحت ستار "السلام".

السلام لا يُمنح لمن أحرق قلوب الأمهات، ولا يُهدى لمن مارس الظلم باسم القانون، ولا يُوشّح به من رفع سيفه على الإنسانية.
السلام يصنعه الشرفاء، لا الطغاة.