
كنوز نت - بقلم: سليم السعدي
اللغة والهوية: معركة السيادة في أروقة البرلمان الصهيوني
بقلم: سليم السعدي
تُعدّ اللغة من أهم أدوات الشعوب لفرض سيادتها وحماية هويتها، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وعاءٌ للثقافة، ومرآةٌ للتاريخ، وسلاحٌ حضاري في وجه محاولات الطمس والذوبان. ومن هذا المنطلق، نفهم حساسية الصهاينة الشديدة تجاه استخدام اللغة العربية، خاصة داخل المؤسسات الرسمية التي يحاولون احتكارها رمزيًا وقانونيًا، كمنصة البرلمان.
في جلسات الكنيست، كثيرًا ما نلحظ توترًا واضحًا حين يتحدث النواب العرب بلغتهم الأم، اللغة العربية، داخل القاعة. سرعان ما ترتفع أصوات نواب اليمين المتطرف، متذرعين بحجج واهية كعدم فهم اللغة أو اعتبار الأمر خرقًا لقواعد الجلسة. وتتصاعد الاحتجاجات كأنّ العربية خطر داهم، أو أنها "إعلان سيادة" لا يُحتمل في مكان يزعمون أنه يمثل جميع "مواطني الدولة".
واللافت في الأمر أن معظم هؤلاء النواب اليهود، خصوصًا من يسكنون المستوطنات القريبة من البلدات العربية، لديهم احتكاك يومي بالعربية. بل إن الغالبية منهم تلقوا دروسًا في اللغة العربية ضمن مناهج التعليم الرسمية، وبعضهم يتقنها بدرجات متفاوتة. فلمَ إذاً هذا الاعتراض المتكرر؟ ولمَ تُعامل العربية كتهديد، وهي لغة جزء كبير من المواطنين الأصليين؟
الجواب بسيط وواضح: لأن اللغة تمثل الهوية، والهوية تهدد المشروع الصهيوني القائم على طمس الأصل وتثبيت الزيف. إنهم يخشون العربية لأنها تحمل في طياتها الذاكرة، والتاريخ، والانتماء، وتؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الأرض لم تكن يومًا بلا شعب.
اللغة العربية في البرلمان ليست تمرّدًا على القوانين، بل تجسيدًا لحقٍ طبيعي ودستوري ووجودي. هي صرخة بوجه التهويد، ووقفة كرامة في قلب مؤسسة تحاول أن تُقصي العربي من كل ما هو "رسمي". ومن هنا، يصبح الحديث بالعربية في الكنيست فعلًا مقاومًا، وموقفًا سياسيًا بامتياز.
إن من يعترض على اللغة، إنما يعترض على الوجود ذاته، ويخشى من الحقيقة التي تتسلل من بين الحروف: أن العربي هنا، ثابت في أرضه، متمسك بلغته، ولن يتنازل عن هويته، مهما علت أصوات العنصرية.
04/07/2025 10:16 am 51