.jpg)
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
كيف تطوّر مهاراتك الشخصية والمهنية؟
بقلم: رانية مرجية
لا شكّ أن الحديث عن تطوير الذات لم يعد ترفًا فكريًا أو رفاهية نخبوية كما كان يُظَنّ في السابق، بل أصبح اليوم ضرورة ملحّة تفرضها تحوّلات الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتسارعة، وضغوط سوق العمل التي لا ترحم المتقاعسين ولا تنتظر المترددين. ومن هذا المنطلق، فإن مقالي هذا لا يوجَّه إلى الأفراد فحسب، بل إلى المجموعات العاملة ضمن بيئات تربوية، اجتماعية، أو حتى نضالية، حيث يشكّل التطوير المهني والشخصي حجر الأساس لاستمرار العمل وتحقيق الأثر المرجوّ.
أولًا: التطوير يبدأ من الوعي بالحاجة
كم منّا يعمل ضمن فريق دون أن يسأل نفسه: هل أنا أُضيف؟ هل أتعلم؟ هل أتغيّر؟
التطوير الحقيقي لا يبدأ من دورات تدريبية أو كتب ملهمة، بل من لحظة مواجهة داخلية تُفجّر الأسئلة الوجودية: ما الذي أريده من نفسي؟ ما الذي تحتاجه المجموعة منّي؟ وما الذي يُعيقني عن التقدّم؟ هذا الوعي الذاتي هو أوّل بذرة في حقل التطوير المستدام.
ثانيًا: المهارات الشخصية أساس لا غنى عنه
كمجموعة، سواء كنتم طاقمًا تعليميًا، فريقًا إعلاميًا، نادٍ شبابي، أو حركة نسوية، فإن نجاحكم يبدأ من جودة العلاقات بينكم. والمهارات الشخصية هنا تتخطّى المجاملات السطحية، لتشمل:
• القدرة على الإنصات بصدق: الاستماع دون مقاطعة أو تحفّز للدفاع.
• إدارة الغضب والخلافات: فالنضج لا يُقاس بالصراخ ولا بالانسحاب، بل بالقدرة على تحويل الخلاف إلى فرصة للفهم.
• التعاطف العملي: أن تشعر بوجع الآخر لا يكفي، عليك أن تُترجم ذلك إلى سلوك مسؤول داخل المجموعة.
ثالثًا: المهارات المهنية لا تولد بالفطرة
بعضهم يتذرّع بالمواهب الفطرية كعذر لعدم التعلّم، لكن الواقع أكثر قسوة من أن يُكافئ الموهبة غير المصقولة.
في كل مجموعة مهنية، هناك حاجة لمهارات محدّدة يمكن ويجب تطويرها:
• التفكير النقدي وصنع القرار
• القدرة على تقديم العروض والتواصل الجماهيري
• إدارة الوقت والموارد
• الكتابة المهنية وصياغة المراسلات والتقارير
• التحليل الرقمي والتعامل مع أدوات التكنولوجيا
وهنا لا يكفي أن نرسل أحد أفراد المجموعة إلى دورة تدريبية ثم ننتظر المعجزات؛ بل المطلوب هو بناء خطة جماعية للتعلّم، قد تشمل قراءة مشتركة لكتاب، نقاشًا دوريًا، تبادل مهارات بين الأعضاء، أو حتى تخصيص ساعة أسبوعية للتعلّم الذاتي والمشاركة.
رابعًا: التقييم لا الإدانة
كثير من المجموعات تفشل في التطوّر لأنها تخشى المواجهة، أو لأنها تخلط بين التقييم والإدانة.
التقييم البنّاء يعني أن نتعلّم كيف نُراجع أعمالنا دون أن نُحبط أنفسنا أو نُشيطن بعضنا.
فريق ناجح هو فريق لديه الشجاعة لأن يقول: أخطأنا هنا، تعلّمنا هناك، نحتاج إلى تعديل في هذا الجانب.
خامسًا: بيئة مشجّعة لا بيئة سامة
من يستطيع أن يُبدع في وسط ملوّث بالأنانية والشللية والتسفيه؟ لا أحد.
لكي تنجح أي مجموعة في التطوير، لا بد من ترسيخ ثقافة الاحترام، التقدير، التنوّع، والدعم.
أن تشعر أنك تُسمع، أنك تُحتضن، أنك تنتمي… هذا وحده قد يكون أقوى من مئة دورة تطوير مهني.
سادسًا: تطوير المهارات بوصفه فعلًا تحرريًا
بالنسبة لنا كفلسطينيين، وكشعوب ما زالت تقاوم الظلم والتمييز، فإن تطوير المهارات ليس مطلبًا فرديًا فقط، بل هو جزء من مشروع تحرّري. أن تُطوّر أدواتك يعني أن تُطوّر أدوات مقاومتك، أن تُتقن لغتك يعني أن تُدافع عن روايتك، أن تُنظّم وقتك يعني أن تتقدّم خطوة في مشروعك الوطني أو المجتمعي.
التطوير هنا ليس رفاهية، بل واجب نضالي.
وأخيرًا: نحو ثقافة التطوير الجماعي
فلنتوقّف عن جعل التطوير مسؤولية فردية، ولنجعلها جزءًا من ثقافتنا كمجموعات. لنتحدّث عنه في اجتماعاتنا، لنكافئ من يتقدّم ويتعلّم، لنُشجّع بعضنا بعضًا على النمو.
التطوير لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو فعل يومي، يشبه زراعة الحقول: سقي، تنقية، صبر… ثمّ حصاد.
وفي النهاية، ما نحتاجه اليوم ليس فقط أن نحلم بعالم أفضل، بل أن نُصبح أشخاصًا ومجموعات أكثر نضجًا واستعدادًا لتحقيق هذا العالم.
18/06/2025 10:10 am 74