.jpg)
كنوز نت - بقلم : الدكتورة منار مطر
كرون والتهاب القولون التقرحي لدى الأطفال – ليس قدراً محتوماً
أمراض الأمعاء الالتهابية، والتي تشمل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، هي أمراض التهابية مزمنة تصيب الجهاز الهضمي، وقد تظهر بأعراض متعددة مثل الإسهال، آلام البطن، البراز الدموي، الضعف، وفي الأطفال أيضًا تأخر في النمو في حال تأخر التشخيص أو العلاج. في بعض الأحيان تظهر الأعراض خارج الجهاز الهضمي، وقد يعاني المرضى من التهابات في الجلد، العيون والمفاصل. غالبًا ما تُشخص هذه الأمراض بين سن 20 و40 عامًا، لكنها قد تظهر في أي عمر. في 20% من الحالات يتم التشخيص في مرحلة الطفولة، وغالبًا في سن المراهقة، إلا أننا نرى حالات تظهر في السنوات الأولى من العمر، بل وحتى في الأشهر الأولى.
- ما الفرق بين داء كرون والتهاب القولون التقرحي؟
في التهاب القولون التقرحي، يقتصر الالتهاب على الطبقات السطحية من القولون فقط.
أما في داء كرون، فقد يصيب أي جزء من الجهاز الهضمي من الفم وحتى نهاية القولون، وغالبًا ما يتركز الالتهاب في نهاية الأمعاء الدقيقة وبداية القولون. كما أن الالتهاب في كرون يكون عميقًا وقد يؤثر على جميع طبقات الأمعاء.
يتم التشخيص بين هذين المرضين بالاعتماد على الأعراض، وفحوصات الدم، والتقييم بالمنظار، والتصوير الطبي، إلا أنه في بعض الحالات قد يصعب التمييز بينهما.
- ما مدى شيوع أمراض الأمعاء الالتهابية؟
في العقود الأخيرة، نشهد ارتفاعًا حادًا في نسبة الإصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية في العالم الغربي بشكل عام، وفي إسرائيل بشكل خاص، حيث هناك أكثر من 65,000 مصاب بداء كرون والتهاب القولون التقرحي، ومن المتوقع أن يتجاوز عددهم 100,000 بحلول عام 2030. كانت هذه الأمراض تعتبر سابقًا أكثر شيوعًا بين اليهود الأشكناز، إلا أن النسبة آخذة بالارتفاع في مجموعات سكانية مختلفة، بما في ذلك العرب في إسرائيل. السبب وراء هذه الزيادة يعود على الأرجح للتغيرات البيئية الهائلة في القرن الأخير، ومنها التحديث، التغذية الغنية بالدهون والسكريات، وربما أيضًا الإفراط في النظافة.
- كيف يتم تشخيص أمراض الأمعاء الالتهابية؟
يعتمد التشخيص على مزيج من الأعراض، فحوصات الدم، والفحص بالمنظار.
في فحوصات الدم نبحث عن مؤشرات لفقر الدم، سوء الامتصاص وارتفاع مؤشرات الالتهاب. أحيانًا نستخدم فحص براز خاص يسمى "كالبرتيكتين"، والذي يعكس وجود التهابات في الجهاز الهضمي. بعدها يتم تحويل الطفل لطبيب مختص في أمراض الجهاز الهضمي للأطفال لتقييم الحاجة لتنظير علوي وسفلي (منظار المعدة والقولون)، وهما أدوات تشخيصية أساسية. من خلال هذه الإجراءات، يمكن رؤية الغشاء المخاطي للأمعاء وتحديد وجود الالتهاب من خلال النظر أو من خلال الخزعات الصغيرة (1 مم) التي تُفحص تحت المجهر. يمكن استخدام التصوير مثل الألتراساوند أو الرنين المغناطيس (MRI) لدعم التشخيص، وأحيانًا تُستخدم كبسولة يتم بلعها وتقوم بتصوير الجهاز الهضمي من الداخل.
- كيف يتم علاج أمراض الأمعاء الالتهابية؟
الهدف من العلاج هو التخلص من الأعراض، دعم النمو الجيد وإعادة نتائج الفحوصات إلى مستوياتها الطبيعية بعد أن كانت غير سليمه. نظرًا لأن المرض مزمن ويظهر في نوبات، من المهم الاستمرار بالعلاج. الهدف هو الوصول إلى شفاء الغشاء المخاطي، بحيث يكون التنظير اللاحق طبيعيًا. هل هذا يعني أن المريض شُفي تمامًا؟ لا، لا يمكن شفاء هذه الأمراض تمامًا حاليًا، لكن من الممكن السيطرة عليها بشكل فعّال وتحقيق جودة حياة ممتازة.
معظم الأطفال المصابين يحتاجون إلى علاج يُهدئ جهاز المناعة، لأنه هو الذي يسبب الضرر للأمعاء. مع ذلك، فالتثبيط المناعي غالبًا ما يكون خفيفًا ولا يؤثر على حياة الطفل اليومية. في السنوات الأخيرة، شهد العلاج تقدمًا كبيرًا بفضل الأدوية البيولوجية التي تُعطى عن طريق الوريد أو الحقن كل عدة أسابيع، وتستهدف بروتينًا معينًا في الالتهاب وتقوم بإزالته من الجسم. أظهرت الدراسات أن هذه الأدوية فعالة جدًا وآمنة لدى الأطفال، وتؤدي إلى شفاء الالتهاب بمعدلات أعلى من العلاجات السابقة.
بالإضافة للعلاج الدوائي، من المهم الانتباه للتغذية، حيث يعاني العديد من الأطفال من فقدان الوزن ونقص في العناصر الغذائية، ولهذا لأخصائية التغذية دور هام في العلاج. وأحيانًا يواجه المرضى شعورًا بالاكتئاب أو القلق، خصوصًا في سن المراهقة، لذا فإن الدعم النفسي مهم لتعزيز الثقة بالنفس والاندماج الاجتماعي.
- أهمية الدعم الأسري والمجتمعي
الطفل المصاب لا يواجه المرض وحده. يجب أن يكون الوالدان، الإخوة، الطاقم التعليمي وكل من حوله على دراية بالمرض وطرق المساعدة.
في المجتمع العربي، حيث الأسرة لها مكانة مركزية، يمكن أن يكون هذا الدعم مصدر قوة – ولكن أحيانا تأثيره سلبي إذا سيطر الخجل أو الوصمة. من المهم الحديث، السؤال، الفهم – والعمل.
اليوم توجد جمعيات، مجموعات دعم عبر فيسبوك وواتساب، وعيادات مخصصة في المستشفيات مفتوحة أيضًا أمام المجتمع العربي.
- في الختام: طفل مريض – ليس طفلًا ضعيفًا
أمراض الأمعاء الالتهابية ليست عقابًا، وليست قدَرًا. مع تشخيص دقيق، وعلاج متطور، ودعم من الأسرة، التعليم والمجتمع، يمكن للأطفال أن يعيشوا حياة صحية، يتعلموا، يلعبوا، يحلموا ويحققوا.
إذا ظهرت الأعراض، من الضروري التوجه لطبيب الأطفال وإجراء الفحوصات اللازمة. دعونا نفتح قلوبنا، نكسر حاجز الخجل ونمكّن لكل طفل أن يكبر في النور، حتى مع وجود المرض.
نتمنى الصحة والسلامة لجميع أطفالنا.
الدكتورة منار مطر
أخصائية الجهاز الهضمي، امراض الكبد والتغذية لدى الأطفال
قسم أمراض الجهاز الهضمي، التغذية وأمراض الكبد
مركز شنايدر لطب الأطفال

20/05/2025 06:11 pm 31