كنوز نت - بقلم: رانية فؤاد مرجية


السكري… وما أدراك ما السكري؟
بقلم: رانية فؤاد مرجية
السكري ليس مجرد رقمٍ يتقلب في فحوصات الدم، ولا وخزة في الإصبع نعتادها كل صباح، ولا حبة دواء نبتلعها مع فنجان القهوة على عجل.
السكري، يا سادة، هو زائر ثقيل الظل، يدخل بيوتنا دون استئذان، فيستوطن الجسد أولاً، ثم يقيم في الروح.
ما الذي تعرفونه عن السكري؟
تعرفون أنه ارتفاع في السكر في الدم.
ولكن، هل تعرفون أنه انخفاض مفاجئ في الصبر، وهبوط حاد في القدرة على الاحتمال؟
تعرفون أنه “مرض العصر”،
لكنكم لا تعرفون أنه “مؤدب جدًا”، يظهر في البداية على شكل عطش، ثم جفاف، ثم تعب بلا مبرر.
ثم يتدلل في الجسد كما يشاء،
ولا يغادر!
السكري ليس مجرد “نظام غذائي”،
ولا رجيم صارم يفصلك عن طيبات الأرض،
هو في الحقيقة اختبارٌ يوميّ للعزيمة،
وترجمة حيّة لعبارة “كُلْ بعقلك لا بشهيتك”.
السكري يُعلّمك أن تحب نفسك بطريقة مختلفة،
أن تراقب جسدك وتستمع إلى نداءاته،
أن تحترم هذا الكائن المعقّد المسمى “أنت”.
ومن قال إن السكري لا يوجع القلب؟
ليس لأنه مرض مزمن، بل لأنه يُلزمك أن تتحوّل إلى شرطيّ على طعامك،
وتوقّع مخالفةً على قطعة كنافة،
وتحكم بالسجن على ملعقة سكر في كوب شاي.
ويا ويلك إن نسيت نفسك وسط عزومة،
فالسجن سيكون في العيادة،
والحكم: مضاعفات، وربما بتر، وربما عمى…
وربما “ندم متأخر”.
لكنني، مع كل هذا، لا أكره السكري.
أكرهه؟ لا.
أنا أراقصه كمن يراقص خصمه،
أهادنه حينًا، وأحاربه حينًا آخر،
وأتعامل معه كما أتعامل مع أي قدرٍ كتب عليّ أن أعيشه:
بشيء من الحب، وكثير من الوعي.
هل أخبركم بشيء؟
السكري ليس ضعفًا، بل وعي.
ليس عقوبة، بل تنبيه.
هو صفعة على وجه العادات السيئة،
وإنذار أن الجسد لا يسامح الإهمال.
لذلك، لا تهمسوا باسمه بخوف،
قولوا “السكري” بصوت عالٍ،
واكتبوه في دفاتر أبنائكم،
وعلّموهم أن الوقاية ليست خيارًا،
بل أسلوب حياة.
واسمحوا لي أن أقول،
أنا لا أكتب هذا من برجٍ عالٍ،
بل من معاناةٍ عشتها،
ورأيتها في عيون من أحب.
كتبتها لأن السكري اختبرنا،
وأنا اخترت أن أُجيد الاختبار،

لا أن أنهار فيه.