.jpg)
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
في فلسطين... اخلع نعليك
- بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
في فلسطين، لا تُقاس المسافات بالأمتار، بل بالخسائر
ولا تُعرّف الحدود بالخرائط، بل بجنازات الشهداء
ولا يُسأل الإنسان عن دينه، بل عن موقعه من القضية
في فلسطين فقط، تسقط مسيحية برصاص صهيوني،
وتُشيّع على أكتاف إسلامية،
وتُصلّى عليها صلاة الغائب في المسجد،
وترتفع لأجلها الترانيم في الكنيسة
هناك فقط… يتّحد التكبير مع قرع الأجراس،
وتتجاور الآيات مع المزامير،
ويفهم العالم معنى أن تكون فلسطين
شرين أبو عاقلة: جسد واحد... وقضية واحدة
شرين أبو عاقلة، الاسم الذي لا يحتاج تعريفًا،
ابنة القدس، ابنة الحق، وابنة فلسطين…
حفيدة عيسى، التي حملت الميكروفون كسيف،
وركضت تحت النار لتفضح المحتل،
سقطت برصاص قنّاص لا يرى في الصحافة سوى خطرٍ على احتلاله
لكنهم لم يعلموا أن الكاميرا أقوى من الرصاصة،
وأن صوت شرين، بعد استشهادها، صار أعلى
جنازة تكشف جوهر فلسطين
مشهد تشييعها كان تجسيدًا للهوية الفلسطينية التي أرادوا محوها
مسلمون يحملون نعش مسيحية،
أئمة يسيرون خلف قساوسة،
وهتافات التكبير تختلط بـتراتيل القيامة
لم يكن ذلك طقس وداع فقط، بل بيان ولاء لفلسطين الواحدة،
فلسطين الإنسان… لا الطائفة
في فلسطين فقط، ترى ابن المخيم يبكي ابنة الناصرة،
وترى اللاجئ يرفع علمًا فوق نعش شهيدة لاجئة من الحقيقة
وهناك فقط… يشيّع الناسُ الحقيقة، كأنها فردٌ من عائلتهم، لأنها كذلك
حفيدة عيسى، وأحفاد موسى، وأحفاد محمد
في فلسطين، المفارقة صادمة وواضحة
حفيدة عيسى تُغتال على يد أحفاد موسى،
ويُشيّعها أحفاد محمد
المشهد ليس شعريًا فقط، بل سياسي–أخلاقي بامتياز
فمن امتلك الضحية، امتلك الحجة
ومن قدّم الدم، أسكت دعاة السلام الزائف
فلسطين: مسرح الروح، لا طقس الدين
هنا لا تصنع الوحدة من مؤتمرات المصالحة،
بل من الدم النازف على الإسفلت،
ومن الدمعة الواحدة على وجوه متباينة المعتقد
لا حاجة لتعريف العروبة، ولا تأويل الدين،
فما يجري في جنازات الشهداء هو التجسيد العملي للأخوة الحقيقية،
أخوة لا تُفرض بفتوى، بل تُثبتها الجنازة
اخلع نعليك… إنك في فلسطين
يا أيها القادم من بعيد،
إذا دخلت فلسطين، فلا تنظر في هويّات الناس،
بل انظر في نعوشهم
فإذا رأيت مسلمًا يبكي مسيحيًا،
ومسيحيًا يصلي خلف إمام،
فاعلم أنك في وطن الشهداء
اخلع نعليك… وتوضّأ،
فأنت على أرضٍ ارتقت عليها الحقيقة،
واستشهد فيها الضمير
اخلع نعليك… فإنك في فلسطين
عندما تستقرّ رصاصةٌ صهيونية في جسد مسيحية،
وتُشيَّعُ على أكتاف إسلامية،
فأنتَ في فلسطين
عندما تسمع ترانيم القيامة
تتلوها هتافات التكبير،
اخلع نعليك، وتوضّأ…
فإنك على أرضٍ مقدّسة اسمها فلسطين
عندما تعلو الهتافات
"الله أكبر! لا إله إلا الله… الشهيد حبيب الله"
فأنت في فلسطين، ولا سواها
في فلسطين فقط
حفيدةُ عيسى تُغتالُ على يد أحفاد موسى
ويُشيّعها أحفاد محمد
في فلسطين فقط
يصلي المسلمون صلاة الجنازة على ابنتهم المسيحية،
يبكونها كأنها من صُلبهم… لأنها كذلك
هنيئًا لكِ الشهادة يا شرين
أيها العربي،
إن دخلتَها يومًا…
اخلع نعليك، وتوضّأ… فإنك في فلسطين
في فلسطين... اخلع نعليك
في أرضٍ لا تُقاس بالحدود، بل بالدموع التي تسيل على ترابها،
وفي وطنٍ لم يعد فيه للديانات حدود، لأن القتل لا يفرّق،
يستشهد الفلسطيني… مسيحيًا كان أم مسلمًا،
ويُشيّعه القلب الواحد، والدم الواحد، والنشيج الواحد
شرين أبو عاقلة، حفيدة عيسى، وضمير الحقيقة…
لم تكن مجرد صحفية. كانت الصوت حين يخنق الصوت، وكانت الكاميرا حين تنكسر الحقيقة
رصاصة صهيونية غادرة استقرت في رأسها،
لكنها لم تقتل فقط جسدًا… بل أرادت أن تصيب الوعي،
وما علموا أن الوعي في فلسطين يُبعث من بين الرصاص. جنازتها كانت فلسطين كاملة
مسلمون يرفعون نعشها،
ومسيحيون يقرعون أجراس وداعها،
وهتافات التكبير تسبق ترانيم القيامة،
في مشهدٍ لا يُرى إلا في فلسطين
في فلسطين، لا تموت الحقيقة، بل تُزف شهيدة
ولا يُسأل الشهيد عن دينه، بل عن موقفه
ولا يُودّع الإنسان بحسب انتمائه الطائفي، بل بحسب انتمائه لتراب الوطن
أحفاد موسى يطلقون النار،
وحفيدة عيسى تسقط،
وأحفاد محمد يرفعون الجثمان…
وفي هذا المشهد وحده تنكشف العدالة الحقيقية
العدالة التي لا يُقاس بها القاتل، بل المقتول
في فلسطين فقط، لا تكفيك الكلمات،
ولا تغنيك الشعارات،
بل عليك أن تخلع نعليك، وتتوضأ،
لأنك تقف على أرض الشهداء… وأرض المعجزات





18/05/2025 04:54 pm 54