كنوز نت - قلنسوة




الطلاق بين الشريعة والقانون


  • بقلم الناشطة : شفاء حرزالله

أصبح الطلاق في مجتمعنا قضية تثير القلق، حيث تتزايد نسب الطلاق بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من تعدد الأسباب وراء هذا الارتفاع، فإن هناك جانباً مهماً يتطلب منا وقفة جادة، وهو التباعد بين الشريعة الإسلامية والقانون في التعامل مع قضايا الطلاق. لقد أصبح الطلاق يخضع لشقين مختلفين: القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، وكلاهما يؤثر على الحياة اليومية للأفراد والعائلات.

ازدواجية المعايير: القانون والشريعة في الطلاق
في حالات الطلاق، نجد أنفسنا أمام معضلة، حيث يختلط الحلال والحرام بسبب تداخل الحكم الشرعي مع الحكم القانوني. فقد أصبحت الأمور تُحكم أحياناً وفق الشريعة وأحياناً أخرى وفق القانون، وكل ذلك بناءً على رغباتنا الشخصية وما يخدم مصالحنا. على سبيل المثال، إذا طلق الرجل زوجته طلقتين، فإن الشريعة تسمح له بإعادتها في حال رغب في ذلك، لكن القانون قد يفرض قيوداً مختلفة. هذه الازدواجية تؤدي إلى إرباك كبير، وتجعل الالتزام بالدين مسألة نسبية تعتمد على الظروف.

حقوق الزوجة: أين العدل بين الشريعة والقانون؟
تُعَد حقوق الزوجة المالية من أهم القضايا التي تُظهر الفجوة بين الشريعة والقانون. وفق الشريعة الإسلامية، من واجب الزوج أن يؤمّن النفقة والمهر المؤخر للزوجة، سواء تم الطلاق أو لم يتم. ومع ذلك، نجد أن بعض القوانين تتيح للأزواج التهرب من هذه المسؤوليات من خلال تقديم مستندات قانونية تثبت عدم القدرة المالية. هذه الأمور تفتح الباب أمام التحايل على الشريعة واستغلال القانون لأغراض شخصية.

التلاعب بالملكية والعواقب النفسية
من الجوانب المؤلمة التي تحدث في حالات الطلاق هو التلاعب بحقوق الملكية المشتركة. كم من زوجة عاشت سنوات في بيتها وشاركت في بناءه بعرقها وتضحياتها، لكنها تجد نفسها أمام وثائق قانونية تُنكر حقوقها وتخرجها من البيت دون رحمة! إن اتباع القانون فقط دون اعتبار للشريعة يضعف الثقة بين الأزواج، ويؤدي إلى شعور عميق بالظلم، مما يزيد من الانقسامات الأسرية.


الفجوة الأسرية: عندما يغيب الدفء
ما يحدث في كثير من البيوت هو انعكاس للتباعد بين الشريعة والقانون. لقد أصبحنا نرى أسرًا تعيش تحت سقف واحد لكن في انفصال عاطفي كبير، بسبب الخوف من المجتمع أو من أجل الأبناء. هذا الوضع يؤدي إلى انعدام التفاهم ويجعل العائلات تعيش حياة خالية من الحب والدفء، وهو ما يخالف قيم الإسلام التي تدعو إلى المودة والرحمة بين الزوجين.

ما الحل؟ العودة إلى الشريعة والبحث عن توافق
إن الحل لهذه المعضلة يتطلب منا العودة إلى جوهر الدين والشريعة، دون أن نهمل دور القانون، ولكن بشرط أن يكون القانون منسجماً مع المبادئ الإسلامية. إليك بعض الأفكار التي قد تساعد في تقليل الفجوة بين الشريعة والقانون:

تعزيز الوعي الديني في المجتمع حول أحكام الزواج والطلاق وفق الشريعة الإسلامية، وتوضيح الفرق بين الحلال والحرام في هذه الأمور.
إعادة النظر في القوانين الوضعية لتتناسب مع القيم والأحكام الإسلامية، بحيث تكون عادلة للطرفين وتحقق الإنصاف دون المساس بأحكام الشريعة.
تفعيل دور الوساطة الشرعية في قضايا الطلاق والنزاعات الأسرية، مما يتيح الفرصة لحل المشكلات بعيداً عن التعقيدات القانونية والبيروقراطية.
تعزيز الثقافة الزوجية التي تعتمد على أسس إسلامية في الاحترام المتبادل والحقوق المشتركة، مع التركيز على أهمية الحوار والتفاهم قبل الوصول إلى مرحلة الطلاق.
الختام: دعوة للتأمل والالتزام
لا يمكن أن نبني مجتمعاً مستقراً إذا كنا نتجاهل الشريعة الإسلامية في حياتنا اليومية، وخاصة في الأمور الزوجية التي تؤثر بشكل مباشر على الأسرة والأجيال القادمة. إذا أردنا أن نعيد الحياة لأسرنا، وأن نحقق استقراراً في بيوتنا، علينا أن نلتزم بالشريعة دون أن نتخلى عن القوانين، بل نجعل القوانين جزءاً من الحل، شريطة ألا تتعارض مع ما أمر به الله. إن العودة إلى ديننا واحترام أحكامه هو السبيل الوحيد للحفاظ على قيمنا وبناء مجتمع متماسك ومستقر.

  •  شفاء حرزالله