كنوز نت - محمد احمد


عام مضى والمحرقة مستمرة وثلث ضحاياها من الطلبة

جريمة العصر: حرب شاملة وإبادة جماعية

  • بقلم/أ. د. سالم أحمد صباح
  • رئيس مجلس أمناء جامعة فلسطين
   
 تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة ، ساعية للقضاء على كل سبل الحياة، مستهدفة البشر والشجر والحجر، فقصفت الأحياء السكنية بما فيها وعلى من فيها بهدف قتل أكبر عدد ممكن، وقتل مستقبل الجيل وأحلامه، فاستهدفت قطاع التعليم بكل مكوناته، فتوقفت العملية التعليمية وتحولت المدارس لمراكز إيواء، فاستهدفها الاحتلال بالقصف والقتل والدمار والحصار والاعتقال...
غالباً يتم تجاهل التعليم أثناء الحروب حيث يستحوذ الغذاء والدواء والماء والمأوى على اهتمام الأهالي، وتقل المؤسسات التي تهتم بالتعليم في زمن الحرب، مما يتطلب ضرورة الانتباه لحماية وتوفير التعليم وقت الحرب كمتطلب أساس لتعزيز القيمة الاجتماعية والعاطفية للأطفال وحمايتهم من الاستغلال حفاظاً على سلامتهم الجسدية والنفسية، وذلك من خلال خلق بيئة تعليمية مناسبة وآمنة تراعي ظروف الحرب وما تعرض له الطلبة من صدمات، وضمان عدم تسربهم من المدارس مستقبلًا، فلا بد من فهم ومراعاة الحالة النفسية التي يمر بها الطبة الذين عاشوا ويعيشون يومياً أوضاعاً صعبة من رعب وخوف من القصف والدمار والأشلاء والدماء .

فللتهجير القسري وللتجويع ولهدم البيوت وللقتل اليومي آثار نفسية كارثية، خاصة لمن فقد أحد أو كلا والديه، أو تعرض لقصف سبب له إصابة أو إعاقة دائمة، فالأحداث دموية من قتل واستهداف وفقدان وتهجير متواصل وترد للأوضاع المعيشية، مما شكل صدمة لها آثارها، فأشد التحديات قسوة وألماً وضع الطلبة ومعاناتهم النفسية. فالتعليم في زمن الحرب هو مشاهد صعبة لطلبة صابرين على هول الحرب ومصائبها.

757ألف طالب في قطاع غزة حرموا الحق في التعليم:

في الوقت الذي تبحث فيه دول العالم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ضمان التعليم الجيد والشامل للجميع، يفقد طلبة غزة حقهم في التعليم نتيجة جرائم الاحتلال بقصف المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى توقف الدراسة كلياً لطلاب شكلوا 33%من عدد سكان القطاع في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، ففي العام الدراسي 2023/2024 بلغ عدد الطلبة في التعليم الأساسي والثانوي 626 ألف طالب موزعين على النحو الآتي:

• 305 ألف طالب في المدارس الحكومية .
• 300 ألف طالب في مدارس الوكالة .
• 21 ألف طالب في المدارس الخاصة.

ونظراً لتوقف الحياة الدراسية العام الماضي2023/ 2024 فقد تم إضافة حوالي 60ألف طالب إلى الصف الأول الابتدائي في العام الدراسي الحالي 2024/2025 من الطلبة الذين أصبح لهم الحق في التعليم، ليصبح إجمالي عدد الطلبة حوالي 686 ألف طالب، وإذا أضفنا لهذا العدد حوالي71 ألف طالب في رياض الأطفال، فيصبح العدد الإجمالي 757 ألف طالب، يشكلون ما يعادل ثلث سكان القطاع، أغلبهم ضاعت عليهم السنة الدراسية، وحرموا من تقديم الامتحانات منهم 38 ألف طالب ثانوية عامة حرموا من تقديم امتحان الثانوية وتمكن حوالي 1320طالب متواجدين في الخارج من تقديم امتحان الثانوية العامة في ظروف نفسية صعبة، أغلبهم في جمهورية مصر العربية بجهود من الوزارة وسفارة دولة فلسطين في القاهرة، وتمكنت الوزارة من توفير التعليم عن بعد لحوالي 15000 طالب متواجدين في الخارج، بالإضافة إلى توقف الحياة الجامعية لحوالي 88 ألف طالب جامعي.

ثلث الشهداء من الطلبة :

بلغ عدد الشهداء من الطلبة حوالي(14) ألف طالب يمثلون حوالي ثلث شهداء الإبادة في قطاع غزة بالإضافة لحوالي 3000 طالب شهيد تحت الأنقاض، وبلغ عدد المصابين حوالي 32 ألف إصابة يشكلوا ثلث المصابين في حرب الإبادة، بالإضافة للصدمات النفسية، وبلغ عدد الأيتام من الطلبة خلال فترة الحرب حوالي 23ألف طالب يتيم من سن الخامسة حتى الثامنة عشرة.

تدمير 82٪من المباني المدرسية في قطاع غزة:

بلغ عدد المدارس في قطاع غزة(803) مدرسة بواقع 565 مبنى مدرسيًا حيث إن هناك العديد من المباني المدرسية تعمل فترتين صباحية ومسائية ، موزعة على النحو الآتي :
• 448مدرسة حكومية تعمل من خلال 307 مبنى مدرسي.
• 285مدرسة وكالة تعمل من خلال 188 مبنى مدرسي.
• 70 مدرسة خاصة.

الواقع: قصف ودمار:

  استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي 460 مبنى مدرسي بنسبة 82٪ من إجمالي الأبنية المدرسية البالغة 565 مبنى ، مما أدى لدمار عدد كبير منها، علمًا بأن 60٪ من المباني المدرسية المستهدفة تحتاج إمكانات ضخمة لإعادة البناء أو إعادة التأهيل، وقد توزعت المدارس التي تعرضت للاستهداف على النحو الآتي :

• 261 مدرسة حكومية تشكل 82٪ من المدارس الحكومية.
• 141 مدرسة وكالة تشكل 75٪ من مدارس الوكالة .
• 58 مدرسة خاصة تشكل 83٪ من المدارس الخاصة.
علمًا أن هناك 3 معاهد أزهرية تضم حوالي 2500 طالب .
وقد دمر الاحتلال بشكل كامل 125 مبنى مدرسي، و 170مبنى أضرار بالغة و165 بشكل جزئي ، وأصبحت المباني المدرسية ملاجىء مكتظة بآلاف الأسر النازحة.

 رياض الأطفال:

 بلغ عدد رياض الأطفال 620 روضة منها 14روضة حكومية ، والباقي للقطاعين الخاص والأهلي حيث إن 500 روضة تعرضت للقصف والدمار الكلي والجزئي تشكل 80٪ من رياض الأطفال .

الجامعات :

    يوجد في قطاع غزة 7 جامعات و5 كليات جامعية، وكذلك 5كليات متوسطة ، وقد تعرضت جميع الجامعات والكليات لإبادة حقيقية حيث تم تدمير 35 مبنى بما فيها من قاعات ومختبرات ومكتبات، بالإضافة إلى 55 مبنى تدمير جزئي، علماً بأن عدد الملتحقين بالجامعات بلغ 88 ألف طالب منهم حوالي 5000 خارج القطاع، ويقدر عدد الشهداء من طلبة الجامعات والكليات حوالي 2000 طالب، بالإضافة لحوالي 4000 إصابة ، حيث تعرض العديد منهم للقصف في أثناء تجمعهم على نقاط الإنترنت، لتحميل محاضراتهم أو تقديم الامتحانات.

العاملون في المدارس ورياض الأطفال 31500 موظف:

    بلغ عدد العاملين في المدارس حوالي 26,000 معلم موزعين على الحكومة 14,300 وعلى الوكالة10,000 وعلى الخاص1600والأزهري100، بالإضافة لحوالي2000 موظف(آذن ومستخدم)، وبلغ عدد العاملين في رياض الأطفال حوالي 3500 موظف ليصبح الإجمالي حوالي31500 موظف.

الشهداء والمصابون:

بلغ عدد الشهداء من العاملين في سلك التعليم 750موظف منهم 200معلم من الوكالة – علماً بأن مجموع الشهداء من موظفي الوكالة بلغ 225 شهيد بالإضافة لحوالي 1300إصابة وحوالي 150مفقودًا تحت الأنقاض.

موظفو الجامعات :

بلغ عدد الموظفين الأكاديميين والإداريين حوالي 5100 موظف تقطعت بهم السبل لعدم مقدرة الجامعات على دفع رواتبهم بسبب توقف مصادر الدخل الرئيس للجامعات المتمثلة برسوم الطلاب.
بلغ عدد الشهداء حوالي 130شهيدًا أكاديميًا وباحثا، بالإضافة لحوالي 100 شهيد من الإداريين ويقدر عدد المصابين بحوالي 250مصابًا.

                                            الإرادة الفلسطينية

تجلت الإرادة الفلسطينية بقرار وزير التربية والتعليم العالي د. أمجد برهم مع بداية العام الدراسي2024/2025، لإطلاق التعليم الإلكتروني لطلبة القطاع، وبلغ عدد الطلبة الملتحقين حوالى 250 الف طالب، وذلك استكمالاً لمبادرة الوزارة السابقة بتوفير التعليم عن بعد للطلبة المتواجدين خارج القطاع، والبالغ عددهم حوالي (15) ألف طالب منهم 1320طالب ثانوية عامة، بالإضافة لبعض المبادرات الوجاهية بجهود ذاتية في خيام النازحين.

 وكذلك تجلت الإرادة الفلسطينية بقرار الجامعات في القطاع بالتوجه إلى التعليم الإلكتروني اعتباراً من شهر مايو 2024 بما يغطي المواد النظرية حيث بلغ عدد الطلاب الملتحقين حوالي 57 ألف طالب بنسبة 65٪من إجمالي طلبة الجامعات والكليات، علماً بأن بعض الجامعات وفرت التدريب العملي لطلاب الطب والصيدلة والتمريض في مستشفيات القطاع .
وقد سبق ذلك مبادرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع جامعات الضفة الغربية، لتسجيل طلبة غزة كطلبة زائرين عبر منصاتها الإلكترونية، وبلغ عدد الطلبة الملتحقين بها حوالي 18000طالب.
   وعلى الرغم من تدمير الاحتلال المباني الجامعية والمختبرات تمكنت الجامعات من الحفاظ على بيانات الطلبة، وتمكنت من تقديم خدمة استخراج الكشوفات والشهادات لطلبتها.

وانطلقت جميع محاولات إعادة التعليم سواء عن بعد أو بشكل وجاهي إلا أنها تصطدم بحقيقة استمرار حرب الإبادة التي تؤثر سلباً على تلك المبادرات بسبب القصف المتواصل والنزوح المستمر، وفقدان الأسرة وهدم المنزل وتدمير المدرسة وضياع الكتب وغياب الإنترنت وفقدان الأهل والأصدقاء هذه العوامل انعكست سلباً على عدد الطلاب المسجلين في التعليم الإلكتروني إذ بلغ العدد الاجمالي حوالي 250ألف طالب يشكلوا حوالي 36% من إجمالي الطلاب البالغ عددهم 686طالب وبلغ عدد الطلاب في الخارج المسجلين لهذا العام الدراسي حوالي 20 ألف طالب، أما طلاب الثانوية فبلغ عدد المسجلين حوالي 22ألف طالب بنسبة 60 % من إجمالي عدد طلبة الثانوية المتبقين البالغ عددهم حوالي 37 ألف طالب، وهذا ناقوس خطر للتسرب المدرسي فكلما زادت فترة بعد الطالب عن المدرسة كلما زادت احتمالية عدم عودته للدراسة كلياً.
 إلا أن الانطلاق خير من التوقف، فلا بد أن نزرع الأمل في ظروف قاسية ونشارك الطلبة حلم العودة للدراسة، ففي عتمة الحرب يمنحنا التعليم بصيص أمل وشعاع ضوء نحو مستقبل أفضل.

الخطوات المطلوبة لإنجاح التجربة وتجاوز المعيقات

•العمل على توفير الإنترنت بالتنسيق مع الاتصالات الفلسطينية، والشركات الدولية عبر الأقمار الصناعية.
•توفير الكتب الدراسية والقرطاسية والحواسيب المحمولة بالتعاون مع المؤسسات الدولية ذات العلاقة.
•ضرورة العمل على توفير التعليم الوجاهي لجميع طلبة الثانوية العامة الراغبين بالدراسة وبحد أدني 3 أيام في - الأسبوع، والبالغ عددهم 160ألف طالب منهم حوالي 77 ألف طالب ثانوية عامة بسبب تراكم عامين.
•ضرورة العمل على توفير التعليم الوجاهي لطلبة الصف الأول الابتدائي، والبالغ عددهم حوالي 120ألف طالب بسبب تراكم عامين لتعلم قواعد القراءة والكتابة.
•ضرورة قيام الوكالة بدورها الفاعل لتعليم طلابها وتوفير احتياجاتهم من كتب وقرطاسية وإنترنت وصفوف مؤقتة حيث يمثل طلاب الوكالة حوالي 48% من اجمالي الطلبة.
•تدخلات نفسية لتحقيق التعافي للطلبة والمدرسين بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة.
•تنظيم المبادرات الفردية ومنحها البعد الرسمي كمبادرات داعمة ومساندة للتعليم الإلكتروني.
•تشكيل لجنة للتواصل مع المبادرات التعليمية وحصرها وتقديم الإسناد لها خاصة ان عددها كبير وبعضها تضم أكثر من ألف طالب.
•إطلاق موقع من الوزارة للحصول على بيانات المبادرات التعليمية وطلابها بهدف تطويرها.
•ضرورة توفير منصة تعليمية دائمة.
•وضع خطط لتدريب المعلمين بعد الحرب على كيفية التعامل مع الطلاب وخاصة المتأثرين بالحرب بسبب الإصابة أو فقد أحد أفراد عائلته أو أحد والديه.
•وضع خطط لإعادة دمج الطلاب المتسربين.
•دمج معلمي قطاع غزة مع معلمي الوزارة كخطوة على طريق إنهاء الانقسام، وصرف مكافأة مالية لهم ليتمكنوا من الانخراط في العملية التعليمية.
•توفير مكافأة مالية لموظفي الجامعات بسبب توقف أغلب الجامعات عن صرف رواتب موظفيها الناجمة عن عدم تحصيل رسوم دراسية من الطلبة
•العمل على تجهيز أماكن لعقد امتحانات الثانوية العامة وتوفير الحماية لهم بالتنسيق مع المؤسسات الدولية والمطالبة بفترة تهدئة خلال فترة الامتحانات.
•ضرورة العمل على توفير عشرة آلاف وحدة صفية لطلبة الحكومة والوكالة لليوم التالي للحرب، فالمدارس لا تقبل القسمة على اثنين، فهي مأوى للنازحين الذين لا يمكن طردهم لحين توفير سكن بديل لهم
   
ونقدر جهود د. أمجد برهم معالي وزير التربية والتعليم لاهتمامه ومتابعته، ونجاحه في توفير وحدات صفية لليوم التالي للحرب، وإطلاق عجلة التعليم الإلكتروني والعمل على توفير متطلبات نجاحها سواء على مستوى المدارس أو الجامعات.
لقد أصبح الطلاب أكثر اهتماماً بالأمور المنقذة للحياة من طعام وشراب فنراهم حفاة في الطرق الترابية لحمل المياه أو في طوابير الجمعيات لإحضار الطعام لمساعدة أسرهم في مواجهة المعاناة اليومية ...فطول فترة الحرمان من التعليم يؤثر على نموهم المعرفي والاجتماعي، فكلما طالت فترة بقاء الطفل خارج المدرسة كلما زاد خطر تركها بشكل دائم وهذا تحد رئيسي يجب معالجته.
رغم أن الجرح يزداد كل يوم إلا أن العزم لدى الطلاب والمدرسين يزداد كل يوم .



بقلم/أ. د. سالم أحمد صباح
رئيس مجلس أمناء جامعة فلسطين