كنوز نت - كتب/ رامي الغف*


كفاءات على الرصيف

  • كتب/ رامي الغف*
نعرف جميعا مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، والتي تؤكد على أهمية الدقة في إختيار الأشخاص حسب الكفاءة والاختصاص ومن أجل أن يؤدي كل فرد المهمة الموكلة إليه على أكمل وجه، وهذا المبدأ هو السائد في جميع الدول المتقدمة الغربية منها والعربية، لكن لم يطبق هذا المبدأ في فلسطين، في ظل الحكومات السابقة والمتلاحقة والحالية، منذ تأسيس السلطه الفلسطينيه منذ أكثر من 30 عاما ولحد الآن، وهذا هو أحد أهم الأسباب تأخر الوطن الفلسطيني إلى أن وصل الوضع إلى ما نحن إليه الآن، إذ يتم إختيار الموظف أو المسؤول على أساس انتمائه لهذا أو ذاك أو من المحسوبين لهذا الحزب أو الولاءات لهذا الفصيل بغض النظر عن إمكانياته ومؤهلاته، فالمهم هو مدى إخلاصه وتملقه للمتنفذين وأصحاب القرار، وهذا ما يحدد أهمية المنصب الذي سيحتله الموظف المتملق، فكلما بالغ في التمجيد والتعظيم لولي نعمته ازدادت أهمية المنصب الذي سيتسلمه تبعاً لذلك، فمصلحته فوق الوطن والمواطن، ورضا وراحة القائد أهم من رضا الله أو رضا الجماهير وخدمتهم وخدمة الوطن.

هذا ما يقدمه هؤلاء من تنازلات ليحتلوا أماكن ليست لهم أساساً، فمعظمهم ليس له خبرة في المجالات ورغم ذلك نجدهم في مواقع متقدمة حساسة ومهمة، والقسم الآخر لا يمتلك المؤهل العلمي الذي يمكنه من إدارة وزارة أو سفارة أو مديرية ورغم ذلك نجده يديرها.
إن الوطن الفلسطيني يرفد بالكثير من الكوادر العلمية والأكاديمية، والأدهى أن العديد ممن تبوء منصباً كان يعمل بائعاً للخضار فيصبح وكيل في وزارة ما، أو بائعاً للمخللات يصبح سفيراً يمثل فلسطين في الخارج، والأدهى من ذلك أن بعضهم مصاباً بأمراض نفسية وعقلية لا يمتلك المؤهل العقلي الذي يمكنه من أن يدير منصباً حساساًّ، أما العقول والكفاءات الحقيقية في فهم يفترشون الأرصفة لتأمين لقمة العيش لعوائلهم، أو أنهم تركوا البلد وهاجروا إلى الخارج ليستفاد من خبرتهم وامكانياتهم من يقدر عقولهم وعطائهم من الدول العربية أو الأوربية، والإمارات العربية خير دليل على ذلك فأغلب الكفاءات الموجودة هناك هم من الفلسطينيين، وكذلك النرويج وبلجيكا وألمانيا والسويد.

كل الدول تقدر العقول بغض النظر عن جنسيتهم، أو إنتمائهم فالمهم في الأمر هو مقدار عطائهم، ومدى ما يقدمون من خدمة وفائدة تعود بالنفع على أهل هذا الوطن، إلا في فلسطين التي لا تقدر العقول والكفاءات، بل يقدر المسؤول، فهو المهم والأهم، فمقولة الرجل المناسب في وطننا لم تعد يكملها النصف الآخر من العبارة في المكان المناسب، بل وجدت لها تكملة أخرى تماماً فأصبحت المقولة الرجل المناسب على الرصيف، فهي تروي واقع الحال في فلسطين بشكل أفضل.

إن عدم الاهتمام لذوي الشهادات والمبدعين في فلسطين أصبح من البديهيات ونرى الكثير من اصحاب الابداع والشهادات لا يجدون من يهتم لهم او يطور قابلياتهم ليكونوا اكثر فائدة وخدمة لبلدهم وعندما تبحث عنهم تجدهم قد ملئوا الأرصفة ينتظرون من يستأجرهم ليقوموا بالاعمال الشاقة أو افترشوا الارض في بسطات يبيعون ما يستطيعون بيعه او منهم من باع اغراض بيته ليشتري بسطه لتكون سبباً لرزقه وعندما تسألهم هل طرقتم ابواب الوزارات لتحصلوا على عمل يحفظ ماء وجوهكم وتمارسوا ماتعلمتموه في جامعاتكم، فتأتي الاجابة ؟ نعم ولكن وما من مجيب، فالتعيينات محجوزة سلفاً للاحبه والاقارب والمتنفذون، أما صاحب الشهادة الفقير فليشكو امره الى خالقه ولينادي يا مغيث اغثنا، ونحن نسأل المختصين في هذا الشأن هل وُضعتم خطة لاستفادة من هذه العقول ؟ هل هناك احصائية دقيقة لاعداد العاطلين واصحاب الكفاءات والشهادات ؟ وهل يمكن القضاء على ظاهرة البطالة في وطن يطفوا على بحر من الهبات والمنح والمساعدات، في نفس الوقت هناك اسراف في توزيع المناصب على اناس لا يستحقونها فمنهم من شغل منصباً مهماً ومفصلياً في الدولة، ولا يفقه من العلم او الثقافة شيئاً كونه ينتمي الى الحزب الفلاني او الكتلة الفلانية أو تربطه بذاك المسؤول او هذا قرابة حزبية.

إن مصيبتنا وأسباب تخلّفنا تكمن في وضع الرّجل الغير مناسب في المكان المناسب.

إن وضع الرّجل الغير مناسب في المكان المناسب يرفع من مقام الوضيع، وينقص من مقام الفاضل، فعندما يدير الشّخص غير المناسب أيّ منظومة فإنّه يحارب الكفاءات حتى لا يظهر أحد بجواره يخطف منه الأضواء، فيحاربه بالتّهميش تارة وبالإقصاء تارة وبالكذب والافتراء والكيد تارة أخرى.
فليس من المنطق أو من المعقول أن يوضع العالِم في وظيفة لا تليق بعلمه وحكمته ورجاحة عقله، وليس من المنطق أو من المعقول أن يوضع الجاهل في وظيفة إدارية أو تنفيذية ليتحكّم بمصائر العباد بلا أدنى خبرة بكيفية تسييـر الأمور.
فماذا نتوقع من شخص يفتقد الى كل مقومات التدبير، شخص محدود الفكر، منعدم التّواصل، مريض النّفس، ضيّق الأفق، متضخّم الأنا، عندما تسند له مسؤوليّة إدارية أو تنفيذية.

آخر الكلام:

لا يستقيم حالنا إلاّ بتجسيد شعار الرجل المناسب في المكان المناسب.
*إعلامي وباحث سياسي