كنوز نت - بقلم المؤرخ : د.محمد عقل
الكرنتينا - الحجر الصحي عند العرب

د.محمد عقل
الكرنتينا - الحجر الصحي عند العرب
الطاعون هو وباء كان يصيب أهل القرى والمدن في الشرق الأوسط وهو من الأمراض السارية التي تنتقل بالعدوى فتفتك بالسكان فتكًا ذريعًا. وكان أول طاعون عرفه العرب هو طاعون عمواس الذي أصاب الجيش الاسلامي الفاتح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد توفي في هذا الطاعون أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وغيرهم من كبار القادة.
خلال العصر الأموي كان نحو 20 طاعونًا بمعدل طاعون كل أربع سنوات ونصف. كان معدل الوفيات عاليًا ما أدى إلى تغييرات ديمغرافية في بلاد الشام. وقد اتخذت السلطات الإسلامية إجراءات صارمة للحد من تفشي هذا المرض المعدي، بحيث منعت الناس من الخروج من المنطقة الموبوءة، وحظرت الدخول إليها وقد تجلى ذلك في الحديث الذي أورده البخاري "إذا سمعتم به(بالطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه"(حديث رقم 5730، 5735).
كانت مدن الشام مركزًا لانتشار الطاعون بسبب الكثافة السكانية والرطوبة العالية، لذا اعتاد خلفاء بني أمية مغادرة دمشق في فصل الشتاء إلى قصور بنوها على طرف الصحراء حيث الهواء الصحي النقي والجاف وهربًا من الطواعين. من هذه القصور اثنين في رصافة هشام بن عبد الملك في البادية السورية(أبو الفداء، المختصرفي تاريخ البشر ج1، ص ) وقصر هشام بن عبد الملك في أريحا، قصر المشتى بالقرب من عمان في شرق الأردن الذي بناه الوليد بن يزيد.

وكان إذا ما أراد الخليفة الأموي القضاء على خصم سياسي، أو ثائر أرسله إلى قرى الشام فتفتك به طواعينها، فمثلا بعد القضاء على حركة حجر بن عدي الكندي في الكوفة سنة 51 هجرية/ نصح لفيف من قادة أهل الشام معاوية بن أبي سفيان بأن يفرق الثوار في قرى الشام فيكفيكم طواعينها.(البلاذري، أنساب الأشراف، ج5، ص 265)
في العهد العثماني أطلق علىى مكان الحجر الصحي اسم تحفظخانه. أي المكان الذي يجري فيه احتجاز الوافدين إلى البلد والتحفظ عليهم حتى يتم التأكد من شفائهم من الوباء. في عهد ابراهيم باشا أنشئت الكرنتينا في بيروت، والكلمة إنكليزية وتعني الحجر الصحي. وكان قناصل الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا يشرفون بأنفسهم على رعايا بلادهم في الكرنتينا ببيروت. منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت في يافا كرنتينا للحجر الصحي. في سنة 1912 كانت في حيفا كرنتينا.
في سنة 1265 هجرية/1848 ميلادية قام السلطان العثماني عبد المجيد خان الأول بن محمود بإنشاء تحفظخانه في مدينة الخليل. وهي من مآثره العظيمة. وهي حجر صحي محاط بسور عال وله باب واحد وبداخله مبان ومرافق صحية لمعالجة المرضى. فوق الباب في السور كتابة باللغة العثمانية تشير إلى ما أنشأه السلطان العثماني المذكور أعلاه.كان الحجر الصحي وسيلة ناجعة في الحد من انتشار الأمراض السارية(المعدية) بجميع أنواعها. قالوا في المثل درهم وقاية خير من قنطار علاج.

07/03/2020 12:19 pm 18,073