معاني كلمات سورة النور

كنوز نت - اعداد: محمد سليم مصاروه

                  

النور

 سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)

وَفَرَضْنَاهَا: وأوجبنا أحكامَها عليكم

 آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ: آيات قُرآنية فيها أَحْكام وأوامر واضحة

 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ: عقوبة كل مِنْ الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج، مائة جلدة بالسوط

 رَأْفَةٌ: شَفَقة، رحمة

 تقَصْد الآية الكريمة بالزاني والزانية؛ الشخص الحُرّ الغير مُحْصَنْ أي من ارتكب الزنا وهو ليس متزوجًا او لم يَسْبِق له وكان متزوجًا، وعقوبة الزاني أو الزانية الغير مُحصَنَيين هي الجَلْدْ مئة جلدة. وعقوبة الزاني العبد او الزانية العَبْدة الغير محصنيين فهي النصف اَي خمسين جلدة

 والمعنى الفقهي للإحْصان ‏هو أن يكون قد سَبَق للشخص وأنْ مارَسَ العلاقة الجنسية مع زوجته أو زوجها، ضمن عقد نكاح صحيح.

أما عقوبة الزاني والزانية المُحصَنَيين الأحرار (ليسا عبيدًا)، فهي الرمي بالحجارة حتى الموت، ولا يلزم في إقامة حد الرجم أن يكون الرجل أو المرأة متزوجاً وقت فِعْل الزنا، فقد يكون مُطَلَّقًا أو أرملًا.

وقد ذُكرَ حُكْمُ رجم الزاني المُحْصَن حتى الموت، في آية قرآنية نَزلَت وكُتِبَتْ وتُلِيَتْ، ثُمَّ نُسِخَتْ أي أُبْطِلَت كتابتها وتلاوتها (بوحيٍ من الله الى الرسول) وبقي حكمها وقد عَمِلَ بها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعده أصحابه.

فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ " رواه البخاري ( 6442 ) ومسلم ( 1691 ).

وجديرٌ بالذكر إنَّ عقوبة العبد الزاني في الإسلام هي الجلد خمسين جلدة، ولا فرق في كون العبد رجلًا أو امرأة أو في كونِه متزوجًا محصنًا أو غير مُحصنٍ

 والحِكمة من إبطال آية الرَجْم بَعد إنزالها؛ هي تأكيد أهمية السنة الشريفة في توضيح تشريعات القران الكريم وتفصيل أحكامه وأنه لا يُمكن الاستغناء عن هَدْي الرسول صلّى الله عليه وسَلَّم. وفِي ذلك امتحان ليقين المسلم، فعلى مرَّ العصور وفِي أيامنا هذه ايضًا، كان هناك من أهل البِدَع والضلالات ممن ينكرون حدَّ الرجم بحجة عدم ذِكْره في القرآن الكريم، وهؤلاء يُنكرون الأحاديث الشريفة وبالتالي فهم ينسفون احكام الاسلام وتشريعاته.

تجدرُ الإشارة الى أنَّ تطبيق حدَّ الرَجْم ليس بالأمر السهل بتاتًا، لأنه يجب ان تتحقق عدة شروط وهي:

1- أن يكون الزاني بالمرأة بالغاً، عاقلًا، حُرًا، مُختارًا ( ليس مُجبَرًا تحت التهديد ) ، عالماً بالتحريم، مع انتفاء الشبهة( يعني مُجرد الظن وافتراض وقوع الزنا).

2- حدوث عملية الاتصال الجنسي تمامًا، أي مشاهدة دخول العضو الذكري في فرج المرأة.

3- انتفاء الشبهة، فلا حَدَّ على من وطئ امرأة ظنها زوجته.

وحتى تثبت عملية الزنا يجب أنْ يشهد على عملية الزنا أربعة رجال مسلمين معروفين بالنزاهة والاستقامة، او ان يأتي الزاني المُحصَن او الزانية الى القاضي ويعترف من تلقاء نفسه.

مما سبق يتضح لك عزيزي القارئ مدى صعوبة التحقق من الزنا في الاسلام ومدى ندرة تطبيقه! ولو قرأنا الحوادث التي رجم فيها الرسول الزاني المُحصَن لوجدنا انها حدثت بمبادرة الزاني او الزانية فكانوا هم من أتوا الى الرسول واعترفوا وطلبوا التكفير عن خطيئتهم.

وقد يتساءل سائل أليس حدَّ رَجْمْ الزاني حتى الموت، حُكْمًا قاسيًا !؟

 والحقيقة أنَّ وجود هذا العقاب الشديد للمتزوج الزاني كفيلٌ بالحفاظ على ترابط المجتمع وتماسكه، وحفظ كرامة الزوجة أو الزوج من أنْ تُجرحَ بسبب الخيانة، فَلَو عَنَّ ببال أحدُ الزوجين ارتكاب الزنا فإنه سيفكر ألف مرة ماذا سيحدث لو أُفْتُضِحَ أمرُه ورآه شهود! ولو حدث وثَبت اقتراف الزنا وطُبِّقَ الحد، فذلك كفيلٌ بردِّ الاعتبار للنفس المجروحة للزوجة المغدورة او للزوج المغدور، وكفيلٌ ايضاً بردع اي متزوجة او متزوج عن خيانة شريك عمره وخيانة العِشرَة!

إضافةً الى ذلك، من شأن وجود العقاب القاسي، أن يدْفَعَ بالأرمل او المُطَلَّق أو المتزوج الذي لا تسمحُ حالة زوجته الصحية او العقلية بممارسة الجنس، بالتفكير بالزواج، وبذلك تجدُ عانسات كُثُرْ فرصتهن للارتباط.

 الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)

لَا يَنْكِحُهَا: لا يَتَزوجها

يَرْمُونَ: يَتَهِّمون (بالزنا)

الْمُحْصَنَاتِ: هناك ثلاثة معاني:

1-العفيفات الشريفات.

2- الحرائر : جمع حُرَّة أي ليست أمَة / عَبْدَة

3- المُتَزوجات

 والمعنى المقصود في الآيات اعلاه هو، الشريفات العفيفات

وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ: ويَمْنَعُ / يَدفَعُ عنها العذاب

*يُحافظ الاسلام على سُمْعَة الانسان ونقاء اسمه، ولذلك وضع شروطًا صارمةً على مَنْ يتهم الآخرين بالزنا او اللواط. فعليه ان يأتي بأربعة شهود معروفين بالعقل الراجح والنزاهة ويشهدوا على رؤيتهم لممارسة الزنا أو اللواط من قِبَل مَنْ أُتهَم بذلك. وعلى الشهود أنَّ يشهدوا برؤيتهم لدخول الاعضاء التناسلية وليس مجرد وجود شُبْهة الزنا -لاحظوا كم يَصْعُبُ في الاسلام اثبات حدوث الزنا ما لم يعترف الشخص بمبادرته!

ومَنْ يتهم الناس بالزنا وبضمنهم الحلقة الأضعف، فتاة أو امرأة شريفة (مُحْصَنَة)، ويفشل في توفير أربعة شهود لا يُشَكُّ في أمانتهم، فسَيتَعرض لعقوبة القَذْف بأعراض الناس، وهي ثمانون جَلدةً وسَيُعتَبَر فاسقًا: عاصيًا لله، ولن تُقبلَ شهادته ثانيةً أمام القضاء، الا اذ اعلنَ توبته وعدَّل سلوكه، وشَهِد له المجتمع بذلك.

وقد يَتَّهِمُ الرجلُ زوجته (أو بالعكس) بارتكاب فاحشة الزنا، ويَتَعذَّرُ عليه جلب أربعة شهود. إذا أنكرت الزوجة، فِعَليه القَسَمُ أربعُ مرات بانه شاهد زوجته تُمارس الزنا، وفي المرة الخامسة يُقسِم أنَّ لعنة الله عليه إنْ كان من الكاذبين. وتدافع الزوجة عن نفسها بأنْ تَحلِفَ أربعُ مرَّاتٍ بأنَّ زوجها كاذب، وفي الخامسة أنَّ غَضَبَ الله عليها إن كان صادقًا. ثُمَّ يُفَرَّقُ بين الزوجين للأبد.

إنَّ حُكْمُ اللَّعانِ بين الزوجين أي: القَسَم أربع مرَّات بكَذِبِ الطَرِفِ المُتَّهِم ومرَّة خامسة بحلول لعنة الله على مَنْ ينفي التُهمَة إنْ كان كاذبًا، فيه رحمةٌ وحكمةٌ كبيرةٌ، فلولاه لكان لزامًا إقامة حدِّ القذف على الزوج بسبب عدم توفيره لأربعة شهود وذلك على الرغم من احتمال وجود قرائن تَدُل على صدق دعواه.

من جهة ثانية، لو أُعتبرَت شهادة الزوج مُوجِبة لإقامة حَدِّ الزنا، لاستغل ذلك الكثيرون وافتروا على زوجاتهم ظُلمًا وبُهتانًا!

إنَّ وجود حَدِّ القَذف، يؤكد حِرْصَ الاسلام الشديد على صيانة أعراض الناس وحماية سمعتهم من الانتهاك والتدنيس.

ومن رحمة الله وفضله، أنه شَرَعَ اللِّعان بين الأزواج حمايةً لهم من حَدِّ الرَجْم في حالة اتهامهم بالزنا من قِبَل شريك حياتهم.

إنَّ أحكام الاسلام العادلة الرحيمة بالبشر، والرادعة الواقية من تفكك المجتمع، لا تدعو الى الاستغراب والدهشة، فخالق البشر هو الخبير العليم بما يَصلُحُ لحياة البشر. لكنها بالتاكيد،تدعو الى تسبيح الله وحَمْدِه !

 إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)

بِالْإِفْكِ: بالكذب الشنيع، بالافتراء، بالبهتان (والقصد ;افتراء المنافقين على عائشة، زوج الرسول صلّى الله عليه وسلم، زاعمين أنَّها زَنَت!)

عُصْبَةٌ مِنْكُمْ: جماعةٌ منكم، من مجتمعكم المسلم (مسلمون ضعفاء النفس اغْتَروا بأكاذيب المنافقين وافتراءاتهم)

وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ: والمسؤول عن مُعظم الافتراء على عائشة رضي الله عنها (رأس المنافقين؛ عبد الله بن أِبَي بن سلول)

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ:

ولولا تَفَضُّلِ الله عليكم -أيها المؤمنون - ورحمته بكم، حيث لم يعاجلكم بالعقوبة، وتاب على من تاب منكم؛ لأصابكم عذاب عظيم بسبب مَا أَفَضْتُمْ :ما خُضتُم فيه ،من الكذب والافتراء على عائشة أم المؤمنين.

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ: إذ يروي بعضكم عن بعض (الكلام المكذوب والإشاعات عن عائشة رضي الله عنها)

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا:

كان من المفروض من (تناقل حديث الإفك من المسلمين) انكم حين سمعتم بالافتراء على عائشة ان تستنكروه وتقولوا لا يجوز لنا الكلام بعِرْض الرسول وشرف ام المؤمنين

بُهْتَانٌ عَظِيمٌ: افتراءٌ فاحشٌ ، كَذِبٌ صادمٌ

تتناول الآيات أعلاه (والآيات حتى الآية العشرين ) حادثة الإفك وهي ابتلاءٌ وقع للنبي صلى الله عليه وسلم، وزوجتهِ أُمُ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأهلهما. وامتحانٌ شديد القساوة للمجتمع المسلم في المدينة.

كشفت حادثة الإفك عن بشاعة نفوس المنافقين وأخلاقهم المنهارة، وهم يتناولون بألسنتهم عِرض الرسول الطاهر الكريم، وقد ماجَت المدينة شهراً من الزمان بين منافقٍ يتلذَّذُ بإيذاء الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالقدح في شرف زوجته ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبين مُسلمٍ راسخ اليقين يكذب الشائعات ويذود عن بيت النبوة، وبين مُسلم ضعيف النفس انساق مع تيار المرجفين فخاض مع الخائضين.

واليكم الخطوط العريضة لحادثة الإفك:

كان من عادات النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تهيأ للخروج الى غزوة أن يُجْرِيَ قرُعةً بين نسائه فيصطحب من تقع عليها القُرعَةُ. وقد وقعت القرعة على عائشة رضي الله عنها كي ترافقه في غزوة "بني المصطلق" (وهي قبيلة كانت مؤيدة لقريش واشتركت معها في معركة أُحُدْ ضد المسلمين، وقد تأكدت الأخبار لدى الرسول، بأنَّ بني المُصطلق كانوا يُحَضِّرون للهجوم على المسلمين).

بعد انتهاء الغزوة تَجَمَّعَ المسلمون في بقعةٍ ما بقصد المبيت ليلًا. خرجت السيدة عائشة لقضاء حاجتها، وبينما هي في الطريق سقطت منها قلادةً، فلم تنتبه لذلك، بعد عودتها الى معسكر المسلمين، انتبهت عائشة لضياع القلادة فخرجت، دون ان ينتبه احدٌ الى خروجها، إلى المكان لتبحثَ عن القلادة، في تلك الأثناء كان رسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته وأرسل بأحدهم ليُخبرَ الناس بانه حان وقت الرحيل.

جاء النفر الذين كانوا يقودون هَوْدَجَ عائشة فظنوها فيه، فحملوه، ولم يستغربوا من خِفَّتِه، لأنَّ عائشة رضي الله عنها، كانت يافعة السِّن، خفيفة الوزن (الهَودَجْ هو مَقعد للنساء يوضَعُ على ظهر الجمل له أربع ستائر غير شفافة وقُبَّة، كانت النِّساء تَركبُ فيه).

وجدت عائشة القلادة وعادت الى المعسكر لكنها لم تجد أحداً، فقعدت تنتظر حتى يفطنُ اليها القوم فيعودون إليها، ثم غلبها النعاس ونامت.

وكان من عادة الجيوش في تلك الازمنة، أن يُكَلِّفوا احدَهم بالتأخر بعدهم بمسافةٍ ما، فيُمَشِّطُ موقع نزولهم للتأكّد من عدم نسيان متاعٍ،

 وقد أُوكِلت له تلك المهمة للصحابي الجليل (صفوان بن المعطّل).

رأى صفوان بن المعطل، خيالَ عائشة فلما اقترب منها عرفها وأيقظها بقوله

" إِنَّا لله وإنا اليه راجعون " ولم فاستيقظت رضي الله عنها، بينما جعل صفوان ناقته تَبرك ارضًا كي تركبها عائشة ثم قاد الناقة سيرًا على قدميه ولم يتبادل الحديث مع عائشة اطلاقًا، ولحق بالجيش في الظهيرة.

رأى بعض المنافقين قدوم عائشة مع صفوان، وانضمامهما للجيش، فبدأوا من فورهم باختلاق القصص والاكاذيب حول ما حدث بينَ عائشة وصفوان في غيابهما، وصاروا ينشرون الإشاعات بين صفوف المسلمين، وكان لزعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، الدور الأكبر في نَسجِ الافتراء وبَثِّه.

وصل الخبر الى الرسول صلى الله عليه وسلم فشَعرَ بالحزن الشديد على ما يقال عن زوجته، ولكنه بقي ساكتاً لم يُفاتِح عائشة بالأمر، ولم تدرِ عائشة بما يُحاك عنها الا بعد ايّام وعن طريق الصدفة من احدى النساء. كان الظرفُ عصيبًا فالوحي قد انقطع، وألسنُ المنافقين وضعافِ النفوس تخوض في سيرة عائشة وتقدحُ فيها. استمرت معاناة الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة واهلها والصحابة المخلصين، لمدة شهر حتى نزل الوحي ببراءة عائشة رضي الله عنها، التي أكرمها الله فمنحها الجائزة والتعويض لصبرها على محنتها، وأنزل في براءتها، آيات من القرآن الكريم، تُتْلى إلى يوم الدين.

 وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)

وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ:

ويوضحُ الله لكم في كتابه، آيات الأحكام، الأمر والنهي، والحلال والحرام.

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا:

إن الذين يحبون انتشار الفاحشة في مجتمع المسلمين من قَذْفٍ بالزنى أو أي قول سيِّئ

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ:

ولولا رحمة الله بكم وتَفَضُّله عليكم لفَضَحَ كل من خاض في حادثة الإفك من المسلمين ولأهلكه (ولكن الحق تبارك وتعالى، أراد من حادثة الإفك تعليم المؤمنين ان يتجاوزوا الحرب النفسية التي يبثها المنافقون واعداء الدين، وان يُحسنوا الظنَّ ببيت الرسول وعموم المسلمين -وهي عظةٌ موجهه لكل مسلم في كل زمن)

زَكَى: تَطَهَّر (من الذنوب)

وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ:

وَلَا يَأْتَلِ: ولا يحلف، الفضلاء منكم وذوي السعة في المال، على الكَفِّ عن إعطاء أقربائهم المحتاجين -من المهاجرين في سبيل الله -بسبب ذنب ارتكبوه، وليعفوا عنهم، وليصفحوا عنهم، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ذنوبكم إذا عفوتم عنهم وصفحتم؟! والله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم، فليتأسّ به عباده.

نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على ابن خالته (مسطح بن أثاثة) ويرعاه لفقره، فلما انجرف (مسطح) مع المُفْتَرين وخاض في سيرة عائشة رضي الله عنها، حَلَف أبو بكر الصديق على ترك الإنفاق على (مِسْطَح) فَلمّا نزلت الآية قال أبو بكر: والله إنِّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجَعَ إلى مسطح فأنفقَ عليه.

 إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ:انَّ الذين يتهمون (بالزنا)

الْمُحْصَنَاتِ: الشريفات

الْغَافِلَاتِ: اللواتي لا تخطر الفاحشة على قلوبهم ولا يُفَكرن بها، فهن ساهيات عن ارتكاب الرذيلة

لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ: مطرودون من رحمة الله في الدنيا والآخرة (الذين يرمون البريئات بالزنا)

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ:

يوم الحساب، سيأخذُ المفترون على الشريفات، دِينَهُمُ: جزاءهم، من الله وافيًا: كاملًا

الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ:

يقوم الزواج على التكافؤ، فالتشابه في الأخلاق والتجانس في الطبائع من مقومات الألفة ودوام العشرة، فخبيث القلب والكلام والافعال، ينسجم مع شخص يشترك معه بنفس الصفات، والطيب يتوافق مع الطيب. ولذلك من الانسب أنْ تتزوج الخبيثات الخبيثين، وشأن الطيبات أن يتزوجن الطيبين، وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة من هذا النمط، فالرسول أطيب الخلق وأحسنهم، وامرأته عائشة طيبه طاهره مشابِهَ لطباعه (فكيف يتجرأ المنافقون ويرمونها بالزنا!)

 *إذا تزوج طيب خبيث وهو امر حدَثَ ويحدث، فلن يكون هناك انسجام ولا توافق، وقد ينفصل الزوجان عن بعضهما البعض

أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:

أولئك: الذين دارتْ عليهم حادثة الإفك، وخاض الناس في حقهم، وهما عائشة رضي الله عنها والصحابي الجليل صفوان بن المعطل.

مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ: بَرأَهُم الله في كتابه، لأنهم شرفاء بريئون مما يقول عنهم المنافقون

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)

حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا: حتى تؤنسوا اهل البيت بكلام مُطَمْئِن فلا يَفزعوا ويأذنوا لكم، مِثْل: القول يا أهل الله، يا ابا فلان أو طَرْق الباب، أو التحدث مع الولد الصغير ليخبر مَنْ بالبيت.

وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا: وتقولوا السلام عليكم

هُوَ أَزْكَى لَكُمْ: هو أطهر لكم عند الله (عدم دخول بيوت الغرباء دون إذنهم)

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ: ليس عليكم اثم او حَرَج (في دخول أماكن عامة دون استئذان مثل؛ الفنادق، المحلات التجارية، المكتبات العمومية وغيرها)

فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ: فيها مَصلحة ومنفعة لكم

يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ: يَكفُّوا نظرهم ويخفضونه فيَمنعوا اعينهم من التمعن والتأمل والاسترسال في النظر الى النساء الغريبات (المُحرمات)

وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ: لا يمارسون الجنس الا مع من يَحِلُّ لهم ; مع الزوجة (للرَجُل) وايضًا مع الأمَة مُلْك اليمين (حين كان هناك عَبيد)، ومع الزوج (للمرأة)

 وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ: يَقْصُرْنَ أنظارهن ويَخْفِضنها

وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ: ولا يرتكبن الزنا

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا:

وَلتجتهد النساء في اخفاء من تتزين به مثل؛ لباس كاشف او شفاف، أو قِرْط بالأُذُن او خِلخال اعلى الكعب، الا ما يحِلْ لهن ان يُظْهِرْنَه مثل: ساعة، خاتم، إسواره، كُحُل العينين وماكياج غير مُبالغ فيه، طلاء الأظافر يد مُحَنّاة

وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ: وليضَعنَ ويربطنَ بإحكامٍ، على الرأس والصَدْر الخِمار: وهو الطَرْحَة أو قطعة اللباس التي تُغَطي الرأس، وتَلُفُّ الوجه وتنزل حتى أسفل الرقبة واعلى الصدر، ويُسَمَّى " الجلباب "

جُيُوبِهِنَّ: أسفل الرقبة وأعلى الصَدْر

لِبُعُولَتِهِنَّ: لأزواجهن

أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ: او الجواري او العبيد الغير بالغين

التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ:

التابعين: الذين يتبعون اهل البيت ويتعلقون بهم حتى يتلقوا بواقي الطعام

غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ:

لا يشمل الرجال الذين لا شهوة فيهم الى النساء، كالمتخلفين عقليًا او الطاعنين في السِّن، بحيث أضعفهم الكبر حتى صار لا هَمَّ لهم في النساء

أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ: او الطفل الذي لم يبلغ درجةً من الإدراك والتمييز، فيعرف عورات النساء ويتأثر بها

وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ:

ولا تضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن، ليُسْمِعْنَ صوت ما خفي من زينتهن كالخَلْخال ونحوه

تدعو الآية الكريمة المسلمات الى غَض البصر والتمسك بطُرق العَفاف، وتوجِبُ الآية الكريمة والسُنَّةُ الشريفة على المرأة المسلمة ليس الجلباب وستر جسدها عدا الوجه والكفين، ويجوز للمرأة أنْ تَتَزَينَ امام الغرباء في المواضع التي يصح لها كشفها وهي الوجه والكَفَّين. كذلك، أباح الله عزَّ وجَل للمرأة أنَّ تكشف عن ساعديها وعنقها وان تُبدي المزيد من الزينة؛ كالقُرط في الأذن، والخلخال في أسفل الساق، والقلادة في العنق، في بيئتها المُصَغَّرة القريبة وهي؛ زوجها، محارمها الأطفال، النساء، الجواري والعبيد (عندما كان هناك رَّق) والذكور البالغين المُترددين على البيت، الفاقدين للشهوة الجنسية بسبب تخلفٍ عقليٍ، أو هَرَمٍ مُتَقَدِّمٍ

 وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّهنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)

وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ: وزَوِّجوا مَنْ فيكم من الْأَيَامَى: العازبين (رجالًا او نساءً)

عِبَادِكُمْ: جمع عَبْد (اضافةً الى صيغة الجمع المعروفة، عبيد)

وَإِمَائِكُمْ: جمع أَمَة وهي العَبْدَةَ

وَلْيَسْتَعْفِفِ: وليجتهد في التمسك بالعِفَة والابتعاد عن طُرق الفواحش والزنا (كل من يعجز عن نفقات الزواج)

وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا: اقبلوا طَلَبَ العبيد الذين يرغبون بتحرير أنفسهم عن طريق المكاتبة: وهو دفع مبلغ من المال على دُفعات باتفاق الطرفين لقاء حرية العَبْد

 وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا: ولا تُجبِروا فتياتكم: جواريكم، إمائكم على ممارسة الزنا من اجل التكسب عليهن، على الرغم من كراهيتهن للفاحشة

* نزلت في زعيم المنافقين عبد الله بن ابي ابن سلول والذي كان مستمرًا على عادة الجاهلية في التكسب من عَرض الجواري الزنا، فكان عبد الله بن ابي يُجبر جواريه على الزنا وقد شَكَونَ ذلك الى الرسول صلى الله عليه وسلم.

لما كانت العنوسة سببًا من أسباب انتشار الزنى، أمر الله بالسعي في تزويج العازبين والعازبات سواءً كانوا ممن لم يسبق لهم الزواج او كانوا ارامل، ويشمل ذلك طبقة الرقيق، فالآيات تحض ايضًا على تزويج العبيد المؤمنين من الإماء المؤمنات. وَمن لم يستطع الزواج بسبب صعوبة الظروف المادية فعليه ان يسعى الى التمسك بالعفاف والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يُقَرِّب من الرذيلة

 من جهة ثانية، تحث الآيات مالكي العبيد والاماء، بان يكونوا إيجابيين اذا ما طلب مملوكهم حريته، لقاء دفع مبلغ مالي، وكان قادرًا على الإيفاء بالتزاماته المادية ومتصفًا بالأخلاق الحميدة والمسؤولية والقدرة على المساهمة للمجتمع. كما ونهت الآيات عن اتباع العادة الجاهلية المذمومة وهي اكراه الاماء على الزنا بهدف التكسب.

 اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

مِشْكَاةٍ: كُوَّة؛ وهي التجويف في الحائط بِنَمط المحراب، ولكن بشكل شُبَّاك لا يخَرق الحائط

المصباح: المعنى القديم لكلمة مصباح هو قنديل الزيت: إناء صغير كان يُوضع فيه زيت أو كاز (في عصور لاحقة)، وفي وسطه فتيل يمتصّ من الزيت فيظل مشتعلاً، فإنْ ظلَّ الفتيل في الهواء تلاعبَ به وبدَّد ضوئه وسبَّب دخاناً؛ لذلك جعلوا على الفتيل حاجزاً من الزجاج ليمنع عنه الهواء، فيأتي الضوء منه صافياً لا دخانَ فيه،

 والمعنى الحديث لكلمة المصباح هو اللمبة: وعاء زجاجيّ مُقفل مُفرَّغ من الهواء أو مملوء بغاز خامل، فيه سلك معدني، يتوهَّج إذا مرَّ فيه التَّيار الكهربائيّ فيضيئ

كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ: كوكب مضيء متلألئ مِثْل الدُر: جَمع دُرَّةُ وهي اللُّؤْلُؤَةُ العظيمةُ

زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ: هناك عدة تأويلات، ويبدو لي أنَّ التفسير الاكثر إقناعًا هو؛ زيتونة مُمَيزة ليست من هذه الدنيا فهي ليست من الشرق ولا من الغرب

النورِ صفةً ذاتيةً لله عز وجل، ومن أسمائه الحسنى، وصفة من صفاته. سيتغير الكون يوم الحساب ويختلف نظامه، ومن جملة ذلك، أنَّ الأرض هي التي ستُشرق على ذاتها وتضيء، ونور الله عزَّ وجل، سيكون مصدر اضاءة الارض يوم الحساب، وذلك وفقًا للآية من سورة الزُمَر "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "(الزُمَر:69). ولكن نور الله هو أمر غيبي ونحن المخلوقات المحدودة بتكويننا الحال نعجز عن رؤية نور الله في الدنيا، وسينفك الاحتجاب بعد البعث يوم الحساب. تشتمل الآية اعلاه من سورة النور على معنيين لكلمة (نور)؛ المعنى الاول: ما ذَكَرتُه أعلاه، وهو نورٌ خاصٌ بالذات الالهية، لا نُدركه ولا نَرْصُده (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ)

والمعنى الثاني: نور بمعنى الهداية، فالله يُنَير حياة المخلوقات ويبين لهم طريق الاطمئنان النفسي والثبات على الحق، والحصول على النور / الهداية مَنوط برغبة المخلوق وطلبه لذلك، وهو ما ورَدَ في آخر الآية الكريمة (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ).

وقد ضَرَب الله مَثَلًا لنا من حياتنا المادية كي يُصَوّرَ شدة جمال نوره وسطوعه، فَشَبَّهَ نوره بالقنديل المُضاء بفتيلٍ مغموس بزيت زيتون سريع الاشتعال والتوهج مصدره زيتونة مميزة لا نعرف لها مثيل لا في شرق الارض ولا في غربها، وفتيل المصباح محفوظ داخل زجاجة فيخرج الضوء صافيًا ساطعًا دون دُخان او سُخام. ليس ذلك فحسب، بل إنَّ زجاجة القنديل مصنوعة من اللؤلؤ المنير بذاته! ولم ننته بَعْد، فقنديل الزيت موضوع داخل تجويف بالحائط ولذلك فنور القنديل وتوهج الزجاجة اللؤلؤية محصورٌ وُمرَكَّز (نُورٌ عَلَى نُورٍ).

تخيلوا جمال النور وفرادته، ومع ذلك فليس هذا نور الله بل هو مثال تقريبي،

 وسبحان الله والحمد له!

 فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

فِي بُيُوتٍ: في المساجد (فيها موجود نور الهداية والذي شبهته الآية السابقة بمصباح له زجاجة من لؤلؤ ويوقَدُ من زيتٍ فريد الجودة)

أَذِنَ اللَّهُ: أمَرَ الله ووصّى

أَنْ تُرْفَعَ: أن تُعَظَّم وتطهّر عن الأنجاس وعن اللغو من الأقوال

وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ: يُذكَرُ في المساجد اسم الله؛ في الآذان والصلاة وتلاوة القرآن والأدعية

بِالْغُدُوِّ: أول النهار

وَالْآَصَالِ: جمع أصيل وهو آخر النهار

 وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)

سَرَابٍ: مَظهر خادع يحدث في الحر الشديد، بحيث تتراءى من بعيد بركة ماء على مسطحات الأسفلت والمناطق المسطحة في الصحراء

 قِيعَةٍ: جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الأشجار (بقع صحراوية مُسطحة)

يَحْسَبُهُ: يظنه

الظَّمْآَنُ: شديد العطش

فَوَفَّاهُ: فجازاه جزاءً كاملًا

لا يظلم عزَّ وَجَلَّ أحداً، كافرًا كان أو مسلمًا، فمن الكفار من هم أصاحب أخلاق راقية وتعامل ممتاز؛ صِدق في المواعيد، وبشاشة، وكلام، وابتسامة، وبر والدَيْن، ومنهم اصحاب مكانة ومناصب ولهم اعمال خيرية ومساهمات اجتماعية.

فأولئك يُهيئ لهم عزَّ وجلَّ في الحياة الدنيا، المزيد من الرزق والشهرة والصيت الحَسَن وربما المُتعة والعمر المديد.

لكن بسبب كفرهم بالله او إنكارهم لوجوده، فلا ثواب لهم في الآخرة على أعمالهم مع احتمال ملاقاتهم عذابًا أقل شدةً من كفار او ملحدين قَتَلة او مُفسِدين.

ويوضح لنا الحديث الشريف من صحيح مسلم هذا الجانب:

 " إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا " [رواه مسلم: 2808].

واذا ما اقْنَعَ الكافر نَفَسَه (من وجهة نظره) أنَّه على فرض ان هناك فعلًا خالق وانه سيكون هناك بعث وحساب،

 فان أعماله الخيرية والإنسانية ستشفع له، فان الآية الكريمة تفيد أنَّ أمَلَه الافتراضي سيخيب، لان أعماله في الآخرة لن تُساويه مع المؤمنين وسيتضح له انه كان واهمًا، مثل العطشان المتلهف للماء الذي يبصره من بعيد وعندما يصله يكتشف انه كان تهيؤًا لا غير.

 أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)

ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ: طبقات مُظْلِمَة الواحدة فوق الاخرى

 بَحْرٍ لُجِّيٍّ: بحرٌ عميقٌ

 يَغْشَاهُ: يُغَطِّيه

 تعطي الآية الكريمة مثالًا إضافيًا على عدم وجود فائدة لأعمال الكفار في الآخرة، فثواب أعمالهم مُنْعَدمٌ، مثلما ينعَدِمُ الضوء تمامًا في بحر عميق (بَحْرٍ لُجِّيٍّ )فهو مُعتِم وتُغَطيه طبقتان من الامواج (يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) والسماء من فوق مليئة بالسُحُب والمشهد كله يحدث في الليل، فالظلام مُرَكَّب يأتي من تحت ومن فوق (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ )ومن جميع الجوانب ، واي شخص يتواجد في قارب في ذلك البحر لن يقترب من التمكن من رؤية حتى يده ( إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ). وكما أنَّ الظلام المتراكم يمنع الرؤية، كذلك يمنع الجحود والإنكار، الكافرين من الحصول على ثواب لقاء اعمال الخير التي قاموا بها في الحياة الدنيا.

في الواقع، كانَ يُفهمُ المَثَلُ المضروب في هذه الآية على أنه تشبيه بلاغي، وبقي هذا الاعتقاد، حتى بدايات العِقْد الثاني من القرن الواحد والعشرين عندئذ تَبَين أنَّ الآية تحتوي على اعجازٍ علمي، وأنَّ القرآن الكريم أخبَرَ عن وجود أمواج ضخمه في قاع المحيطات والبحار.

فقد رُصِدت سلاسل من الأمواج الضخمة في قعر البحار والمحيطات، أُطلق عليها اسم " الامواج الداخلية " internal waves ويصل ارتفاعها إلى 100-300 متراً، وتتواجد بأعماق 3.6-4.5 كيلومترات تحت سطح البحر حيث يسود الظلام الدامس.

تنشأ سلاسل الامواج تلك، نتيجةً للفرق بين سرعة جريان طبقة المياه في القاع وبين طبقة المياه التي تعلوها، فمياه القاع أكثر برودة وملوحة وذات كثافه أعلى ولذلك فهي أقل انسياباً من الطبقة التي تعلوها، وبسبب الفروق في السرعات والكثافات تنكسر طبقتا الماء في منطقة التقائهما فتنتج عن ذلك جبال من الأمواج، تسمى هذه الظاهرة kelvin helmholtz waves .

تتخذ طبقة المياه السفلية مسارها داخل خنادق عريضة ذات أرضيات متباينة النتوءات والارتفاعات، والتي تم رصدها في قاع المحيط الأطلسي بمنطقة جبل طارق.

تعلو الأمواج في قعر المحيطات وتهبط بزخم وتتحرك وتتوالى أفقياً وتمتد الى عشرات ومئات الكيلومترات، دافعةً ما فوقها من المياه.

لثورة الامواج الضخمة في قاع المحيطات والبحار اهميه وضرورة فهي تخلط النباتات البحرية من القاع حتى السطح لتزود الكائنات البحرية بالغذاء وتنقل الكائنات البحرية نحو الشاطئ حتى تتكاثر.

لقد أخبرنا القران الكريم قبل أكثر من 14 عشر قرناً

 عن وجود أمواج في أعماق البحار حيث الظلمات

(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ )

وأن الامواج الضخمة تعلوها الامواج الظاهرة للعين (مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ)

المصادر

‏http://www.dailymail.co.uk/…/Mystery-underwater-waves-tall-…

 ‏https://www.sciencealert.com/scientist-unravel-the-secret-l…

 ‏http://earthsky.org/earth/kelvin-helmholzt-clouds

 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)

وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ: والطير البساطات أجنحتها في السماء (أيضًا تسبح الله )

يُزْجِي سَحَابًا: يَسوق السحاب

 يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ: يَضُم بعضه الى بعض (فتصير القطع الصغيرة قطعةً كبيرة واحدة)

يَجْعَلُهُ رُكَامًا: يجعله مُتَجمعًا بعضه فوق بعض

 الْوَدْقَ: المطر

 سَنَا: ضوء

 بَرْقِهِ: لَمَعان (البَرَد)

نَبَّه تعالى عباده على عظمته، وكمال سلطانه، وافتقار جميع المخلوقات له، وعبادتها اياه من صلاة وتسبيح، كلٌ بلغته وطريقته، ومن جملة ذلكً الطيور اثناء تحليقها في السماء، وتحليق الطيور مسالة ما زالت تُحَيّر العلماء، فقد أمكنَ تَعَقُب طائر القطرس في رحلاته الطويلة وتبين انه يبقى جناحيه مبسوطين لآلاف الكيلومترات، دون ان يخفق بهما وليس عند الباحثين تفسيرٌ قاطعٌ الا بعص الفرضيات ويبقى تحليق الطيور، سِرًا الهيًا

 للمزيد من الشرح، اقرأوا في هذا الرابط https://www.facebook.com/1279838601/posts/10218802563396721/?d=n

كذلك تحتوي الآية على إعجازٍ علميٍ مذهل، فقد وصف القرآن الكريم نوعًا من السُحُب ضخمة تتكون من سحب صغر منها، وتسمى السُحُب الضخمة بالسُحُب التراكمية وهي موجودة بارتفاعات كبيرة من سطح الارض، وقد شَبَّهت الآية الكريمة السُحُب التراكمية بالجبال-وهو فعلًا تبدو كذلك، ويمكن رؤية السُحُب التراكمية عبر شُبَّاك الطائرة في نهار مشمس من فصل الشتاء، كذلك أخبرت الآية أنَّ البَرق يحدث بسبب البَرَد، وكل هذه الحقائق عُرِفَت فقط في القرن العشرين بعد اختراع وسائل الطيران والرصد. واليكم شرح الاعجاز العلمي بالتفصيل

 الاعجاز العلمي للقرآن الكريم في " وَصْف السحب التراكمية وحدوث البَرَد داخلها وتسبب البَرَد بحدوث البَرَق ) 

تسوق الرياح الشديدة الغيوم القطنية cumulus clouds وتجّمعها فتجعلها تتراكم فوق بعضها البعض فتصير كتله ضخمه تسمى ب( المزن التراكمية ) cumulonimbus clouds واذا استمرت عملية التراكم فسيصل ارتفاع الغيمة كارتفاع البرج او الجبل وربما أكثر من ذلك.

يبلغ ارتفاع قاعدة المزن التراكمية 200-4000 متراً فوق سطح الأرض بينما يمكن أن يبلغ ارتفاع الغيمة مِن قاعدتها وحتى قمتها 12000 متراً اي أعلى من قمة إفرست، وإذا كانت المزن التراكمية مكتملة النمو فسيكون شكلها شبيهاً بالسندان ذَا قمه ملساء ممتدة افقياً لمسافه اكبر من عرض القاعدة.

تصعد التيارات الهوائية المحملة بأبخرة الماء الى داخل المزن التراكمية

 حيث تنخفض درجات الحرارة الى 15-25 درجه تحت الصفر . أسفل الغيمة يتكثف البخار الى قطيرات ماء وبلورات من الثلج والتي تنتشر في لُب الغيمه بينما فِي أعلى الغيمة يتجمد بخار الماء لحبيبات من البَرَد hail ثم تهبط حبيبات البرد أسفل الغيمة واذا كانت تيارات الهواء الصاعدة قويه بما فيه الكفاية فإنها تدفع بحبيبات البرد الى اعلى وهناك يزداد حجمها وتعاود الكره هبوطا وصعودا داخل الغيمة ، اثناء ذلك تتصادم حبيبات البرد الهابطة مع حبيبات ثلجيه الصاعدة جراء ذلك تطرد حبيبات البَرَد شحنه سالبه ( إلكترونات ) من حبيبات الثلج فتصير حبيبات البرد سالبة الشحنة وبسبب ثقلها المتزايد تبدأ في التمركز في أسفل الغيمة واما بلورات الثلج الاخف وزناً فتكتسب شحنه موجبه وتتجمع في المنطقة العليا من الغيمة ، مع الوقت ينتج حقل كهربائي موجب في أعلى الغيمة وسالب في أسفلها، يستمر نمو حبيبات البرد اثناء حركتها صعوداً وهبوطاً الى ان لا تقوى تيارات الهواء على دفعها فتسقط زخات من البَرَد مع زخات المطر .

يحدث البرق حين تتصادم الشحنات المتعاكسة داخل الغيمة او حين تتصادم الغيوم المشحونة مع بعضها او البعض او بسبب حدوث تقطب بين أسفل الغيمة المشحون بالسالب وسطح الارض المقابل لها والذي تتجمع فيه شحنات موجبه وحين يبلغ الهواء بين الغيمة وسطح الارض درجه كافيه من التقطب تنطلق عندئذ شرارة برق من سطح الأرض صعوداً حتى أسفل الغيمة. وتتسبب حُزم البرق بتضخم ضغط الهواء في محيطها وارتفاع الحرارة بسرعه عالية مما يؤدي الى حدوث انفجارات صوتيه رعديه، بشكل عام تتواجد المزن التراكمية النامية في المناطق الاستوائية والمحيطات حيث تكون ذات زخم كبير وتتسبب بحدوث العواصف والاعاصير

 وصفت الآيات الكريمة المزن التراكمية

(تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) وذكرت حجمها الضخم وشكلها الذي يبدو كالجبال (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ )

وذكرت الآيات حقيقة تكون البَرَد داخل هذا النوع من الغيوم ( فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ )

بل وذكرت الآيات الكريمة أن البَرق سببه البَرَد ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ )

كل هده الحقائق اكتشفها العلم الحديث بعد طيران الانسان واختراع آلات الرصد والتصوير في القرن العشرين !

المصادر

‏http://ww2010.atmos.uiuc.edu/…/g…/mtr/cld/cldtyp/vrt/cb.rxml

‏https://www.universetoday.com/41646/cumulonimbus-cloud/

‏https://www.skybrary.aero/ind…/Lifecycle_of_the_Thunderstorm

‏https://www.metoffice.gov.uk/learni…/…/thunder-and-lightning

...

 وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)

دَابَّةٍ: كل ما يَدُبُّ على الأرض، وهي كل الكائنات الحية على اختلافها

 تذكر الآية الكريمة أعلاه أنَّ كل المخلوقات يَدخُل الماء ضِمن المواد الخام التي خُلِقَتْ منها، وتُقَدّر نسبة الماء في الكائنات الحية بمعدل 70% من وزنها، وتزيد النسبة او تقل بحسب نوع الكائن. الماء مذيب ضروري لإذابة العناصر والمواد الغذائية، ومهم لامتصاص الحرارة ومن ثم ضبط درجة حرارة اجسام الكائنات. ووجود الماء هو العلامة على وجود حياة، لذلك تبحث وكالة الفضاء الامريكية (ناسا) عن جزيئات الماء لتستدل بذلك على وجود حياة في كواكب غير كوكب الأرض.

 لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)

آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ: آيات القرآن الكريم، وهي علامات واضحة الدلالة على الطريق الذي يجب ان نَسلُكه

ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ: يدّعي المنافقون انهم مؤمنون بالله ورسوله ولكن يَتَوَلَّى: يُعْرِض، المنافقون عندما يأتي لا يوافق أمرُ الله ورسوله هواهم ورغباتهم

مُذْعِنِينَ: طائعين، مُنقادين (حالة المنافقين عندما يتوافق حُكم الله ورسوله مع هواهم)

أَمِ ارْتَابُوا: أَم شَكُّوا (المنافقون في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم)

أَنْ يَحِيفَ: أن يَظلمَ (في الحُكمِ)، أن يجور

وَأَقسَموا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن أَمَرتَهُم لَيَخرُجُنَّ قُل لا تُقسِموا طاعَةٌ مَعروفَةٌ:

وحَلَفَ المنافقون بالله جَهدَ أَيمانِهِم: أقصى أيمانهم المُغَلظة التي يستطيعون الحلف بها، لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد (يا محمد) ليخرجُن، قل لهم -أيها الرسول -: لا تحلفوا، طاعَةٌ مَعروفَةٌ: طاعتكم المزعومة معروفة، فهي مجرد كلام بلا تطبيق

 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)

فَإِنْ تَوَلَّوْا: فإن تُعرِضوا / ترفَضوا (عن طاعة الله ورسوله)

فَإِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ: فإنما على الرسول ما كُلَّف به من التبليغ والدعوة

وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم: وعليكم أنتم ما كُلَّفتم به من الطاعة، والعمل بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ: من سُنَّة الكون ان ينصر الله عباده المؤمنين الصابرين على اعدائهم الكافرين الظالمين، ويَسْتَخلِف: يجعل المؤمنين خُلفاء/ وَرثَةً للأرض يتَصرفون في أمورها

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ:

وَليُثَّبت الله دين الاسلام ويكون هو المسيطر على حركة الحياة

الْفَاسِقُونَ: الخارجون عن طاعة الله، العاصون

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)

لِيَسْتَأْذِنْكُمُ: ليَطلَب منكم الإِذن (قِبَل الدخول عليكم في غرفكم)

الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ: الذين تملكونهم من العبيد والجواري (حين كان نظام الرِّق)

لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ: لم يبلغوا جيل النضوج الجنسي

تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ: تخلعون ثيابكم

ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ: ثلاثة (أوقات) يُحتَمل ان يكون فيها المرؤ بلباسٍ غير محتشمٍ

طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ:

حركة الاطفال والخَدَم في البيت دائمة، دخولاً وخروجاً فهي كالطواف

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ: قواعد جمع قاعد وهي المرأة التي قَعدت: انْقَطَعت عن الوِلادة أو عن الحَيْض أو عن الرغبة الزَّواج بسبب عمرها المُتَقَدّم

لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا: لا يرغَبْن في الزواج

جُنَاحٌ: حَرَج

غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ: غَيْرَ مُظهراتٍ، غَيْرَ كاشفاتٍ

بعد أنَّ عالجت سورة النور موضوع الزنا وعقوبته، عالجت الآيات التي تلتها قَطْع الطريق على كل ما من شأنه ان يوصل الى الفاحشة او إشاعتها، فمنعت الافتراء على الناس بشرفهم دون دليل، ووضع عقاب لمن يرتكب ذلك.

ثُمَّ مَنَعت الآيات الدخول إلى بيوت الآخرين إلا بعد الاستئذان والتسليم على أهلها، وكذلك دعت الى غَضِّ البصر والتعفف، والزواج من تَمَكَّنَ من ذلك. وتتطرق الآيات أعلاه الى حِفْظ خصوصية الفَرْد في بيته ومنع انكشافه بوضعٍ غير ملائم او لباسٍ غير ساتر.

فالآيات تُلزم أهل البيت وسكانه؛ الاطفال والخَدَم ( والعبيد في العصور السابقة ) أنْ يطرقوا الباب على اصحاب البيت( قديمًا لم تكن أبواب داخلية وانما ساتر من قماش)، ويدخلوا الغرف بعد الإذن لهم، وخاصَّةً في أوقات النوم والتي يكون فيها المرؤ بلباسٍ أقل حِشمَة؛ وهي اثناء النوم قبل النهوض لصلاة الفجر، قيلولة الظهيرة وبعد صلاة العشاء عند الذهاب إلى النوم.

وتبيح الآيات للمرأة العجوز التي لا تُشَكَّل فِتْنَة ان تُخَفف من الثياب الزائدة في الحِشمة مثل؛ الطَرْحَة او الروب وهو رداء مع غطاء للرأس، يُلبَسْ فوق الجلباب.

 لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)

حَرَجٌ: إثم، ضيق

مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ: ما كان معكم مفاتيحه، وأُذِنَ لكم ان تستعملوه

أَشْتَاتًا: مُتَفَرِّقين

فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ:

إذا دخلتم أي بيت فألقوا السلام، فحين تُسلِّمون على غيركم كأنكم تُسلِّمون على أنفسكم، لأن الآخرين سيسلموا ايضًا عليكم

تَبُث تعاليم الاسلام الثقة والطمأنينة، في نفوس اصحاب الاحتياجات الخاصة؛ (الأعمى، الأعرج ومن مِثلهم) فتشجعهم على عدم التحرج من مشاركة أفراد المجتمع الطعام، وقد يكون المجتمع هم أفراد البيت نفسه، او بيوت الأقرباء او بيت صديق.

كان الناس في السابق يأكلون من طبق واحد، وكان الأصحاء يتخوفون من ان يظلموا الأعمى او العاجز بسبقهم له في تناول الطعام، كأن يأكلوا أكثر منه او يتناولوا الجزء الذي يشتهيه، فرَفَعت الآية الكريمة عنهم هذا التخوف وحضتهم على المشاركة، ويَحمِل معنى الآية، انتقادًا مُبَطَّنًا لمَنْ يشعر بالتقزز والنفور، من تناول الطعام مع اصحاب الاحتياجات الخاصة او المرضى.

وربما يتساءل سائل لماذا تَرْفع الآيات الحرج عن تناول الطعام في البيت (وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أيّ حرج يمكن ان يكون في أنْ يأكل المرء في بيته!؟

 والجواب أنَّ المقصود ببُيُوتِكُمْ: بيوت الابناء، لأن مُلك الابناء مُتاح للوالدين وحين يأكل الانسان من بيت ولده فكأنه يأكل من بيته.

 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)

أَمْرٍ جَامِعٍ: موضوعٍ مهمٍ، جَمَعَ الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بصدده

لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ: لبعض امورهم

لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا: هناك اكثر من تفسير؛

1-لا تجعلوا دعاء: مناداة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تنادون بعضكم بعضًا، فلا تقولوا له (يا محمد، يا ابا القاسم، يا بن عبد الله) ولكن نادوه ب (يا رسول الله، يا نبي الله)

2-لا تعتبروا دعوة الرسول لكم حين يدعوكم لغرض الاجتماع، أنَّ ذلكً ب هدف مسألة دنيوية، مثلما تدعون بعضكم بعضا فالرسول يدعوكم لمسألة عامة ومصيرية تتعلق بحركة حياة الناس جميعاً إلى أنْ تقوم الساعة.

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ:

الله يعلم من يتسلل: يخرج خفية وتمويهًا، منكم (ايها المنافقون) لواذًا: احتماءً / استتارًا بالآخرين والرسول يخطب فيكم، فليحذر من يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ: اَي يُعرضون عن دعوة الرسول لهم للاجتماع وكلامه اليهم، من عقاب الله بفتنةٍ مثل: كفر أو نفاق أو بدعة تصيبهم أو بعذابٍ ينزل بهم كمرض مؤلم او تعرضهم لعقاب جسدي بسبب اثمٍ اقترفوه وافتضحوا به