وجد مزارع فلسطيني جِيَف حمْلان في بئر ماء تابعة له


وجد مزارع فلسطيني جِيَف حمْلان في بئر ماء تابعة له



وجد مزارع فلسطيني جِيَف حمْلان في بئر ماء تابعة له، لا يشكّ في مَن هو المسؤول عن ذلك

 كانت حوالي عشرة جِيَف حملان تطفو على وجه الماء في البئر الخاصّة بإبراهيم صالح من قرية فرعتا ولا يزال مرعوبا من ذلك. تسميم مياه البئر جزء مما يفعله سكان مستوطنو مزرعة غلعاد مع سكان هذه القرية الصغيرة يوميّا. الرائحة الكريهة لا تُحْتَمَل

بقلم : جدعون ليفي و أليكس ليبك |هآرتس، 15.3.2019 ترجمة: أمين خيرالدين 


صالح يمسك بالجيفة في قرية فرعتا، هذا الأسبوع، مزرعة جلعاد في مرحلة "التسوية"، لكنه ممنوع من الوصول إلى أرضه متى يشاء تصوير:اليكس ليبك 


كانت الجيفة الكبيرة للغنمة مرميّة في ظلّ شجرة الزيتون، لقد افْترِست الحيوانات البريّة وطيور السماء جزءا منها، طائفة من الذباب الأزرق تحوم حولها، على ما يبدو أن هذه الغنمة كانت حاملا، كانت بطنها منفوخة، ربما نفقت وهي تلد. وفي داخل البئر طفت جِيَف الحملان، حوالي عشر جِيَف كانت تطفو ميّتة، ملفوفة بأكياس للأوساخ ومربوطة بأربطة. وأيضا عدد من القفازات التي تُسْتَعمل لمرة واحدة طفت على سطح مياه البئر" من المؤكّد أنها للسفلة الذين رموا الحملان في الماء.

  
يحاول إبراهيم صالح، صاحب البئر والكَرْم انتشال الجِيَف، بواسطة قضيب حديدي طويل. العملية ليست هيّنة. تطفو الجيَف تحت سقف البئر الإسمنتي، بعيدة عن فَتْحَة البئر. بعد أن نجح في انتشال كيس، وقعت الجيفة منها على مسطبة الباطون بجانب البئر. رأس الحمل النافق أسْوِد، وجسمه أبيض، مُشْبَع بالماء، الرائحة الكريهة لا تُحْتَمَل. لا يمكن البقاء في المكان حتى بعد أن سكب صالح أكثر من غالون من الكلور داخل بئره، وهو يحاول تطهيرها، عليه الآن أن يُحْضِر مولّدا كهربائيّا ومضخة ماء لاستخراج الماء الملوثة مع جِيَف الأغنام والحملان التي لا زالت مختفية من البئر. بعد ذلك عليه أن يُحْضر صهريجا من الماء، لتنظيف البئر مرارا حتى تتطهر، وبعد ذلك يمكنه أن يعود لاستعمال البئر، وإرواء كَرْم الزيتون وليشرب الماء.

    
صالح منفعل، بعد يومين من اكتشافه لما حدث. لا تزال المناظر لا تُحْتَمل. البئر موجودة عند اسفل منحدر الجبل، المغروس بالزيتون، حيث نزلنا هذا اسبوع سيرا على الأقدام في طريق وعِرَة لا يمكن ان تسير عليها سيارة. اعتقد صالح أنه انتشل جميع الجيَف من البئر يوم السبت. لكنه تفاجأ يوم الإثنين كما تفاجأنا نحن معه بوجود حَمْلان تطفو على سطح الماء في البئر التابعة له.

    
لا يتطرق الشك إلى صالح في أن الذي قام بهذا العمل هو المستوطن الذي يقود تراكتورون، لا يعرف اسمه، يخيف المزارعين الفلسطينيين في المنطقة، يقيم في مزرعة غلعاد، البؤرة الاستيطانيّة المعربدة القائمة خلف قمة الجبل الكائن فوق كَرْمِه،على بُعْد مئات الأمتار. وعندما جاء رجال الشرطة هذا الأسبوع لفحص شكواه، جاؤوا مع المستوطن وتراكتورونه، صورته، محاطا بالجنود، محفوظة مع صالح في هاتفه المحمول: قبّعة دينية (كيباه) واسعة، سوالف، لحْيَة كثيفة، نصف ابتسامة. وقد سمعه صالح وهو يقول لرجال الشرطة: "أردت رميَ الأغنام، فلم أجد مكانا. وعندما رأيت البئر فرميت الجيف بها". بهكذا حُسْن نيّة مستوطن من مزرعة غلعاد. "يوجد 4000 دونم حوله، لم يجد مكانا ليريمي بها الأغنام ، وجد فقط داخل بئري؟" يستغرب صالح.

سُرِق المحصول كلّه
      
قرية فرعتا قرية فقيرة في قضاء قلقيلية. طلب صالح أن ننتظره بالقرب من هوائيّة الهواتف المحمولة، القريبة من بيته. لقد تأخر مدّة ساعتَيْن في مديريّة التنسيق والارتباط في قلقيلية، بخصوص الشكوى التي قدّمها. عمره 66 عاما، أب لسبعة أبناء، يتكلم العبريّة بطلاقة، بعد سنوات عديدة من العمل في الترميمات في إسرائيل، ويعمل في نفس العمل اثنان من أبنائه. حتى قبل ثلاثة أشهر كان يعمل في الترميمات في مصانع الورق في الخضيرة، امّا الآن فقد قرر أن يكرّس حياته للعمل في أرضه.
   
 لديه ثلاث قسائم وجميعها مغروسة بأشجار الزيتون: منها قسيمة من 18 دونما محاذية لمزرعة غلعاد، يُسْمح له بالوصول إليها مرتَيْن في السنة، مرة لحرثها ومرة لقطف الزيتون، يومان أو ثلاثة كل مرّة، وذلك بعد التنسيق مع جيش الدفاع الإسرائيلي. هذه السنة، مثلا، أجّلوا له الحراثة ثلاث مرّات، وينوي ذلك في آخر الشهر. مزرعة غلعاد لا زالت في مراحل "التسوية"، ومع ذلك يُمْنَع من الوصول لأرضه، متى يشاء.
     

غرس والده كرْم الزيتون هذا عام 1952، عند ولادة صالح. منذ سنة 2006، تقريبا كلّ عام كان يُسْرق المحصول قبل أن يتمكّن صالح من الوصول إليه ليقطفه، إنه متأكّد ممَنْ كان يسرق ثمر الزيتون. في السنة الماضية دمّروا له 24 شجرة بجرّار.
  
 وقد بنى المقيمون في مزرعة غلعاد مبنَى وخيمة على أرضه. قدّم شكوى ولم يتغيّر شيء. حتى عام 2006 كان يصل إلى كرمه مع متطوِّعين من منظمة "كهنة لحقوق الإنسان"، ولكن منذ 2006 لم يعُدْ أحد يجرؤ على الاقتراب من الأرض. ماذا سيحدث إن ذهبنا الآن إلى هناك. "يقتلونني في الحال"، هذا ما قاله، أو يستدعون الجيش ليأخذني إلى السجن".



صالح بالقرب من البئر في قرية فرعتا. غرس الكرم والده عام 1952، عند ولادة صالح تصوير: أليكس ليبك   

تقع قسيمته الثانية بالقرب من القرية، من 30 دونما من الزيتون له ولأخواته، يمكنه أن يعمل بها بدون "تنسيق". والقسيمة الثالثة، 50 دونما من شجر الزيتون التي زرعها بيديه، تقع على بُعْد كيلومتْرِيْن من بيته. وهناك توجد بئر ماء.

 مستوطن مع تراكتورون
     
وصل يوم الجمعة رُعاة من مزرعة غلعاد مع أغنامهم لمحاذاة القرية. أدخلوا أغنامهم مباشرة إلى الأراضي المزروعة التابعة للقرية: أراضٍ مزروعة بالقمح والشعير النابتة الآن. خرج السكان لطردهم من الحقول المزروعة، صوّر المستوطنون ما حدث، طبعا صور إلقاء الحجارة على الغُزاة، وبعثوا الصور إلى الشرطة. وقامت سلطات القانون بالعمل فورا: اتهموا ابن أخٍ صالح، برعا سلمان، بإلقاء الحجارة. فصودرت سيّارته في نفس اليوم، بيجو 205، واقتحمت قوّة من جيش الدفاع الإسرائيلي بيته ليلا لاعتقاله. ومنذ ذلك التاريخ وهو رهن الاعتقال، ينتظر المحاكمة. هذا ما يصيب مَن يحاول الدفاع عن أرضه.
   
عندما جاؤوا لمصادرة السيّارة خرج صالح لاستقبال رجال الشرطة والجنود بمحاولة ليشرح لهم بأنّ ابن أخيه لم يُلقِ حجارة. يقول إن الجنود أمروه بالوقوف ساعتَيْن بالقرب من الحائط، يداه خلف ظهره، وصامتا. "أنا أكبر عمرا من والدك"، حاول أن يشرح للجنود، "لماذا لا تأخذون المستوطنين؟" أمره الجنود بالصمت. بعد ذلك أخذوا السيّارة وانصرفوا. وفي الليل اعتقلوا ابن أخيه.
     
ذهب صالح يوم الجمعة الماضي إلى قسيمتة القريبة، لرش الأشجار بالأدوية، بعد الظهر، بعد أن انتهى من العمل، خطّط أن يذهب إلى القسيمة الأخرى، حيث يوجد بها البئر. تقدّم نحوه رُعاة أغنام، من سكان قرية مجاورة، وحذّروه بألاّ يقترب من كَرْمِه. "المستوطن مع التراكتورون يقف بجانب بئرك، لم نقترب ولم نعرف بالضبط ماذا يفعل هذا المستوطن هناك. لكن لا تذهب إلى هناك، يقتلك"، حذّره الرعاة. قَبِل صالح نصيحتهم ولم يقترب من البئر. في آخر النهر مرّ بالقرب من البئر واكتشف ان غطاءها غير موجود. عاد إلى بيته وقرر أن يُحْضِر في الغد بابا جديدا.
    
 ذهب يوم السبت مع أبنائه إلى البئر. كانت مياه البئر تفيض منها. وقد تفاجأ برؤية جيفة لغنمة تطفوا على سطح الماء وجانبها جيفة حمَل تطفو أيضا. سارع في الانصراف من المكان، مذعورا. لا يمكن التنفّس في المكان، هذا ما يقوله. عاد بعد الظهر مع اثنَيْن من أبنائه. سكب في البئر مادة الكلور واتّصل بمديرية التنسيق والارتباط (DCO) في نابلس وبرئيس مجلس القرية. كان مضطربا ولم يعرف ماذا عليه أن يعمل. بعد ذلك اتصل ب DCO)) في قلقيلية، حتى مساء يوم السبت لم يتلقّ جوابا. في اليوم التالي اتصل بمنظمة "يش دين" وأولئك ارسلوا إليه فورا محقق ميدانيّ ومركّزة المتطوّعين، يوديت أبيدور. وصلا يوم الأحد، وسافرا إلى البئر، فوجداه ينتشل جِيَف الحملان منها مكثا معه طيلة النهار وساعداه في التوجّه للسلطات.
  
 وصلت الشرطة إلى المكان وينتظر الآن استدعاءه ليقدّم شكوى رسميّة، حسب توجيهات الشرطة. لا زال يعتقد أن ثمّة فائدة من تقديم الشكوى. "لماذا سأقدم الشكوى؟ كي لا يعودوا ثانية. على الأقل أكون قد حاولتُ. ماذا يمكنني أن أعمل غير ذلك؟ أكثر من ذلك لا يمكنني أن أعمل شيئا. إذا قلت مرحبا للمستوطن – سيأخذونني إلى السجن. وإذا ضربني لا يعملون له شيئا". في سنة 2006 اعتدى مستوطنون على ابنه باسل، ضريوه بأنبوب حديدي وكسروا كتفه. ثمّ نُقِل إلى مستتشفى مئير في كفار سابا. واضطرّ صالح إلى ان يدفع 50.000 شيكل بدل مكوث ابنه في المستشفى، ولم يُقدّم أحدٌ للمحاكمة.
     
"هذه هي فقط الأغنام التي لدى المستوطنينن، تلك المُعدّة للحْمِ وليست للحليب". هذا ما يشرحه. بعض الحملان كانت موسومة بعلامة حمراء على ظهرها، هذا الوسم لا يستعمله الفلسطينيون. "لا أعرف لماذا فعل ذلك" هذا ما يقوله. " كأنّه لا يريد أن يبقى الفلسطينيون في أراضيهم" المنظر من شرفة بيته خلاّب، ومزرعة غلعاد وراء الجبل. نزلنا إلى البئر وانصرفنا عنها بسرعة، طالما تمكنّا من التنفس. الرائحة الكريهة لا تُحْتَمَل.