.png)
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
أريم والكتاب الأزرق - تأليف د. سيما صيرفي
حين تتعلم الطفولة حقوقها- قراءة نقدية موجزة - بقلم: رانية مرجية:
تمهيد: حين تنطق الطفولة بلغة الحكمة:
في زمنٍ تتزاحم فيه الشاشات على أعين الأطفال، تأتي الدكتورة سيما صيرفي في قصتها "آريم والكتاب الأزرق" لتعيد إلينا جوهر القراءة: القراءة بوصفها عبورًا إلى الذات والوعي بالحقوق. هذه القصة تخاطب الطفل كائنًا مفكّرًا قادراً على صياغة أسئلته والدفاع عن كرامته.
القصة ورمزية الكتاب الأزرق:
تكتشف آريم كتابًا أزرق عن حقوق الطفل في مكتبة بيتها، فيصبح رفيقها المعرفي ومرشدها الواعي. اللون الأزرق يرمز للعمق والصفاء، لون السماء والبحر، لون الحلم واللانهاية. الكتاب الأزرق هو أفق المعرفة اللامحدود، المرآة التي تعكس للطفلة اتساع حقوقها الإنسانية. كل صفحة منه مساحة للعبور من الإدراك الحسي إلى الإدراك الرمزي، من عالم الأشياء إلى عالم المعاني والحقوق.
الموقف الطبي: درس عملي في الكرامة والخصوصية:
من أبرز ما تتناوله القصة حق آريم في الخصوصية الطبية. حين طلب منها طبيب إجراء فحص بول أمام المنتظرين في العيادة ثم أفشى نتيجة فحصها علانية، رفضت آريم هذا الانتهاك الصارخ لكرامتها. لم تصمت الطفلة أمام هذا التجاوز، فذهبت مع أمها وشكت لمدير العيادة بثقة وجرأة. جاء المدير والطبيب إلى بيتها معتذرَين، وهذا الموقف يحمل دلالة تربوية عميقة: الأطفال لهم حقوق محمية، والدفاع عنها واجب إنساني وأخلاقي.
اللغة: بساطة تنطوي على عمق:
لغة الدكتورة سيما صيرفي في هذه القصة تتدفق كالماء الصافي، تحمل في عمقها موسيقى خفية وتوازنًا بين الجملة الشعرية والعبارة التعليمية. في كل جملة، تتجاور الدهشة والمعرفة، والخيال والعقل، في نسيجٍ لغويّ يتيح للطفل أن يرى نفسه في النص. هذه اللغة تخلق تواطؤًا وجدانيًا بين الكاتبة والقارئ الصغير، فلا يشعر الطفل أن النص يُملى عليه، هو يُخاطبه بندّيةٍ ناعمةٍ تُكرّس احترام ذكائه الفطري.
فلسفة النص: المعرفة كرحلة تحريرية:
ما تفعله الدكتورة صيرفي هو تفكيك مفهوم التعليم السائد في أدب الطفل العربي. الكتاب الأزرق يوقظ في آريم رغبة السؤال والاعتراض. هكذا تتحول القراءة إلى تجربة روحية وحقوقية، حيث يتعلم الطفل أن المعرفة حالة من الإنصات والوعي والفعل. في لحظةٍ رمزيةٍ بالغة الدلالة، تدرك آريم أن كل قراءة ولادة جديدة للذات الواعية بحقوقها.
البعد التربوي والإنساني:
من الناحية التربوية، تُعيد القصة تعريف العلاقة بين الطفل والمعرفة. المعرفة هنا دهشة تُعاش وحق يُمارس. الطفل يتعلم أن يسأل، أن يعترض، أن يحمي خصوصيته، وأن القانون والأخلاق يحميان كرامته. هذه الرؤية تُعيدنا إلى جوهر التربية الأصيلة: تربية العقل النقدي والوجدان الحيّ، تربية المواطن الواعي بحقوقه.
وهنا تكمن القيمة العظمى في نصّ صيرفي: إنّه نصّ يربّي ويمنح للطفولة صوتها الكامل بعد أن طمسته ثقافة الصمت والطاعة العمياء.
سيما صيرفي: كاتبة تنصت للدهشة والحقوق، فتكتب من داخل التجربة الإنسانية؛ تكتب بصدق المعلّم الذي يتعلّم من تلاميذه، وبشغف الأم التي ترى في كل طفل عالمًا جديدًا. إنها تعلّم الطفل لماذا يقرأ: ليعرف حقوقه، ليحمي كرامته، ليبني وعيه. بهذا الحسّ الإنساني، تتحول القصة إلى بيان أدبي تربوي حقوقي يعلن أن الكتاب كائن حيّ، صديق، مرافق في رحلة الوعي والدفاع عن الذات.
خاتمة: بين المعرفة والكرامة
"آريم والكتاب الأزرق" قصيدة فكرية تُخاطب الإنسان في أصفى حالاته. إنها مرآة لطفولةٍ قادرة على طرح الأسئلة الكبرى والدفاع عن حقوقها ببساطة وشجاعة، ودرسٌ لنا نحن الكبار في كيفية الإصغاء إلى صوت الطفولة واحترام كرامتها. بهذه الروح، يكتمل عمل الدكتورة سيما صيرفي كجسرٍ بين التعليم والجمال، بين الكلمة والحياة، بين الطفل وحقوقه الإنسانية.
وأخيرًا أقول: إذا كانت الطفولة أول قصيدة يكتبها الإنسان، فإن "آريم والكتاب الأزرق" القصيدة التي تُذكّرنا بأن الأطفال يمتلكون حقوقًا مقدسة، وأن الوعي بها يبدأ من كتاب أزرق في مكتبة البيت، ويستمر في كل موقف نختار فيه الكرامة على الصمت.

06/11/2025 06:05 pm 50
.jpg)
.jpg)