.jpeg)
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
الفراشة كرمز للوعي والعبور
قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت لي الفراشات”
بقلم: رانية مرجية
⸻
1. مدخل: حين تصير الحكمة بوابة نحو الوجود
حين نقرأ «قالت لي الفراشات» للكاتبة ميادة مهنا سليمان،
لا ندخل عالم اللغة فحسب، بل فضاء الوعي ذاته،
حيث تتحول العبارة إلى طاقة روحية، والكلمة إلى بصيرة.
هذا الكتاب ليس مجرد مجموعة تأملات،
بل بيانٌ روحيّ جماليّ عن ماهية الإنسان، وتحولاته، وألمه، وولادته الثانية.
ميادة لا تكتب لتصف، بل لتُوقظ،
ولا تفسّر لتقنع، بل لتفتح نوافذ الوعي.
إنها تمارس الكتابة كطقس تطهيري،
تغسل اللغة من شوائبها، وتعيد للإنسان قدرته على الرؤية القلبية.
⸻
2. الفراشة: من الكائن إلى الكينونة
في الوعي الرمزي الإنساني، الفراشة صورة للجمال والهشاشة.
لكن في فكر ميادة، الفراشة ليست كائنًا ماديًا بل جوهر الوعي نفسه —
كائن يولد من العتمة، يحترق بالنور، ثم يتحول إلى معرفة.
“قالت لي الفراشات: لا أحد يرى الضوء دون أن يذوق الظلمة.”
هنا تصبح الفراشة معلمًا روحيًا،
رمزًا للعبور من الجهل إلى النور، من الذات المحدودة إلى الوعي المتجاوز.
⸻
3. الحكمة بوصفها عبورًا روحيًا
تتعامل الكاتبة مع القول الحكيم كطريقٍ للتنوير، لا كصياغة أدبية.
عباراتها تمارس “الزهد اللغوي”؛
كل جملة تفتح معنى، وكل صمتٍ بين الكلمات حضور.
“حين صمتُّ، سمعتُ أجنحتي.”
هذا الصمت ليس غيابًا، بل وعيًا متساميًا.
من خلاله يتحقق ما يشبه تأملًا بوذيًا أو صلاةً صوفية
تذوب فيها “الأنا” في التجربة الكونية.
⸻
4. فلسفة التحول: من الشرنقة إلى النور
يبني الكتاب فكرته المركزية على حركة التحول:
سقوط → احتراق → وعي → طيران.
إنها رحلة الإنسان في البحث عن ذاته،
حيث الألم يصبح طريق النور، والانكسار بوابة الخلق.
“كلما انكسر جناحي، تعلّمتُ الطيران من جديد.”
هذا الفهم يعيدنا إلى مقولة إيكهارت: “التحول هو الطريق إلى الله”،
ويجد صداه في التصوف والبوذية معًا.
⸻
5. اللغة: صمت يضيء
لغة ميادة مهنا سليمان تقوم على “اقتصاد المعنى”.
كل عبارة تشبه شظية ضوء،
تجعل من الكلمة كائنًا حيًا يتنفس الحكمة.
“الحبّ لا يطلب، إنه يتجلّى.”
“من أحبّ، غفر.”
“من غفر، طار.”
بهذه الشذرات، تؤسس الكاتبة فلسفة كاملة
تتجاوز البلاغة إلى الكشف،
حيث تتحول اللغة إلى وسيلة معرفة داخلية.
⸻
6. الأنوثة كطاقة كونية
ميادة لا تتحدث عن الأنوثة كهوية اجتماعية،
بل كطاقة كونية تولّد التوازن والرحمة والخلق.
“أنا لستُ ظلًّا لأحد… أنا ضوءٌ يكتفي بذاته.”
بهذا الوعي، تتحرر من ثنائية الذكر والأنثى
لتصل إلى الأنوثة الكونية المتصلة بمبدأ “اليِن” في الفلسفة الشرقية،
حيث تحتضن الطاقة الأنثوية العالم بدل أن تنافسه.
⸻
7. الجمال كأخلاق روحية
في فكر ميادة، الجمال ليس زينة بل طريق إلى النقاء.
“ليس الجمال ما تضعه على وجهك…
بل ما تُخفيه روحك من نور.”
هنا يتخذ الجمال بعدًا أخلاقيًا وروحيًا،
يُطهّر الوجود من قسوته ويعيد الإنسان إلى صفائه الأول.
⸻
8. خاتمة: نحو الذات الكونية
«قالت لي الفراشات» ليست كتابًا يُقرأ، بل يُعاش.
إنه رحلة وعي تعيد الإنسان إلى أصله النوري.
في هذا العمل، يتحول القول إلى صلاة،
والفكر إلى عبور نحو الذات الكونية.
“من لا يسمع همس الفراشات، لن يسمع صوته أبدًا.”
بهذا الهمس، تختم ميادة كتابها كما يختم المتصوف وعيه:
بصمتٍ مضيء يشبه الأبد.

06/11/2025 07:41 am 43
.jpg)
.jpg)