كنوز نت - مصطفى معروفي


الشعر والكلب
مصطفى معروفي
ــــ
الكلب حيوان لطيف أليف، وقد يصير ضاريا، وقد يصيبه داء مخيف اسمه "داء الكلَب"، وقد ذكر الله عز وجل الكلب في الذكر الحكيم، ومن أشهر الكلاب لدى الخاصة وحتى العامة الكلبة "براقش" التي جنت على أهلها حيث دلت المغيرين بنباحها على مخبإ قومها فتسببت في إبادتهم، وكلب أهل الكهف الذي نام في الكهف وهو باسط ذراعيه بالوصيد (الوصيد فِناء الكهف أو عتبة الباب وهو الكلب المسمى "قطمير".
والكلب فيه خصال جميلة وحميدة قد لانجدها متوفرة في بعض البشر ومنها خصلتان هما الوفاء وحماية صاحبه شخصا ومسكنا وماشية وما في قدرته ـ الكلب ـ حمايته،ولذا قال ابن الرومي فيه وهو يقارن أحد مهجويه به موجها كلامه للمهجو:
مقابح الكلب فيك طرّاً
يزولُ عنها ولا تــــزولُ
وفيه أشياءُ صالحاتٌ
حَماكَها الله والرسولُ
وما زلت أذكر أستاذنا في الجغرافيا وهو بالمناسبة أستاذ مثقف ،وعن طريقه عرفت الكاتبين المغربي مصطفى النهيري صاحب كتاب"ازمة الفكر العربي" والمرحوم الكاتب المصري مصطفى محمود صاحب كتاب"رحلتي من الشك إلى اليقين", وهذا الأستاذ كان محبا للقراءة ولا تخلو محفظته من الكتب الجديدة الأنيقة أتذكر منها كتاب صغير الحجم من سلسلة "إقرأ" المصرية عنوانه "العالم بين يديك "وكتاب آخر عنوانه:"الإنسان الأوربي في الجد واللعب"أقول هذا الأستاذ دائما كان يذكرنا ببيتين ويقرؤهما أمامنا نحن الطلاب وهما للشاعر التغلبي الأخطل صاحب القصيدة الشهيرة التي كانت مقررة علينا وعنوانها"خف القطين"والتي تبدأ بالبيتين التاليين:
خَفَّ القَطينُ فَراحوا مِنكَ أَو بَكَروا
وَأَزعَــجَتهُم نَوىً في صَرفِها غِيَرُ
كَــأَنَّني شــارِبٌ يَــومَ اِســتُبِدَّ بِــهِم
مِن قَرقَفٍ ضُمِّنَتها حِمصُ أَو جَدَرُ
والبيتان المعنيان اللذان كان يتحفنا بهما الأستاذ ويرى فيهما طرافة واضحة هما:
قومٌ إذا استنبحَ الأضيافُ كلبهُمُو
قــالوا لأمّهِمِـــو: بُولي على النّارِ
فــتُمْسِكُ البَوْلَ بُخْلاً أنْ تجودَ بهِ
فـــلا تــبــولُ لــهم إلا بــمقدارِ
والبيتان من بحر البسيط.
إلا أن من الشعراء من كتب قصيدة يخص بها الكلب كما فعل الشاعر المصري المعروف محمد غنيم(1901 أو 1902 ـ 1972)،وهي قصيدة كلب اسمه"هول" وعنوانها"الكلب هول"،يقول محمود غنيم :
كــلــبٌ يــنــم عــلى الــجُنْاةُ
تــمشي الــعدالة فــي خُــطاهْ
إن قـــال، أرهــفــت الــنــيا
بــةُ ســمعَها، وصغا القضاة
كـــم أفــلت الــجاني، فــشمَّ
ر ســــاعــديــه، واقــتــفــاه
لــم يُــعْي أهــلَ الــبحث سرُّ
غـــــامـــضٌ إلا جـــــلاه
يــســتخرج الــســرَّ الــدفــي
نَ، كــأنــه بــعــض الــحواة
وكــأنــمــا هــــو إذ تـــرا
ه مــشــعــوذ يــتــلو رُقـــاه
عَــــيُّ الــلــســان وإنــمــا
فـــي أنــفــه جُــمعتْ قــواه
هــو لا يــحيد عــن الــصوا
ب، ولا يــحابي مــن رشــاه
لا يــعْــرف الــقــربى ولــو
كـــان الـــذي يــجني أخــاه
هــيــهات! لا إشــكــالَ فــيما
يــــدَّعــــيــه ولا اشــــتــبــاه
كـــم نــاطــق تــبع الــهوى
فَــلــوى بــغــير الــحق فــاه
ضــــلَّ ابـــنُ آدمَ نــهَــجَهُ
حــــتــى رأى كــلــبًا هـــداه
مــا أضــعف الإنــسان مــق
درةً، وأكــثــرَ مـــا ادعــاه!
قــد بــات يرعى الأمنَ «هو
لُ»، وغــيرُهُ يــرعى الشياه
كــــلــبٌ عــصــاميّ بــنــتْ
أركــــانَ دولــــتــه يــــداه
يــــا رُبَّ مــفــتخر عــلــي
ك يــبــيت مــجــد مــا بــناه
كــلــبٌ وضــيعُ الأصــل لا
لــــيــثٌ، ولا لــيــثٌ نــمــاه
اســتــقــبــلــوه مــصــفــقــي
ن، كــأنــه بــعــضُ الــغزاة
كـــم ودَّ شــبل شــرّى بــجد
ع الأنــف لــو أضــحى أباه
خـــــافـــتـــه دون الله أف
ئــــدةُ الــجــبابرة الــطــغاة
يــخــشاه مـــن لا أُذْنَ تــس
مــــعُــهُ، ولا عــيــنٌ تـــراه
عــجــبًا يــخاف الــكلبَ قــو
مٌ لا يــــخــافــون الإلــــه!

شــيخَ الــكلاب، أخــفت ذئ
بَ الأنــس، لا ذئــب الــفلاة
لــهــجت بــذكــرك ألــسُــنٌ
وروت حــوادثَــكَ الـــرواة
وســلبت كــلبَ الــكهف مــا
بــيــديه مـــن عـــز وجــاه
لــم تــقض فــي الــنوم الحيا
ةَ كــمــا قــضى فــيه الــحياة
لــكن ســهرتَ عــلى الــسَّلا
م، وبــات يــنعم فــي كــراه
صــاد الــكلابُ فــكان صي
دُهـــم الــحــمامة والــقــطاه
وأنــفــت مــن صــيد الــبزا
ة قــصــدت صــيــاد الــبُزاة
إن طـــوقـــوك، فــطــالــما
طــوقــت أعــنــاق الــعــتاة
أو ســلــســلوك، فــطــالــما
ســلــسلت أقـــدام الــعــصاة
يــأيــهــا الــواشــي، رعـــا
ك الله مـــن بــيــن الــوشاة!
يــــا ربَّ مــظــلــومٍ لــــه
كُــتــبت عــلى يــدك الــنجاة
بــــإشــارة مــــنــك الــحــيا
ةُ لــمــن تــشــاء، أو الــوفاء
لــــلأمــن شــرطــيِّ عــلــي
هِ ســاهــر يــحــمي حــمــاه
لا يــــســتــقــلُّ بــمــكــتــب
بــيــن الــبــراعة والـــدواة
قــبــض الــمــرتبَ غــيــرُه
والــخــبْزُ فــي الــدنيا كــفاه
مـــا زان مــعصمَه شــري
ط، أو تـــألـــق مــنــكــبــاه
أدَّى لـــــــوجـــــه الله وا
جَــــبــهُ بــــحــزم وانــتــباه
مــتــواضــع بــيــن الــجــنو
د، يــلــين إذ يــقسو الــقساة
يــــا رُبَّ جــــنــديِّ بــــدا
لك «بيدقًا» في ثوب «شاه»
يــمــشي فــيغضب حــين لا
تــعــنــو لــطــلعته الــجــباه
قــالوا: أتــطرى الــكلب؟ قل
تُ لــهم: ومن أطري سواه؟
يــرعــى الــوداد، ومــا رأي
ت مــن الأنــام فــتىً رعــاه
لا أبــتــغــي صــلــةَ الأنـــا
م؛ فــكــلــهم مــثــلي عــفــاة
كـــم لـــذَّ طــعم وعــودهم
عــند الــمرور مــن الــشفاه
فــتــبخرت تــلــك الــوعــو
دُ؛ كــمــا تــبــخرت الــمــياه
الــصــلب بــيــن الــناس إن
أنـــت اســتــندت إلــيــه واه
والــلــيثُ فــيــهم ســاعة ال
جُــلَّــي يــفــرُّ فـــرار شــاه
لا يــؤمَــنــون عــلــى الأذى
والــــكــلــب مــــأمــونٌ أذاه
ســألــوا الــكــلاب الــحقَّ إذ
وجـــدوه بــين الــناس تــاه
أما الشاعر المصري الآخر وهو الشاعر يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد الجزار المصري الذي توفي (1273م)،وقد لامه بع شاعر من ذوي الحِرف،فقد لامه البعض على ترك الشعر واتخاذ الجزارة حرفة له ،والجزارة هي ذبح الحيوان وبيع لحمه ،فقال شاعرنا الجزار وكان شرف الدين صديقا له:
لا تلمني يا سيدي شرَفَ الدِّي
نِ إذا مـــا رأَيــتَــني قَــصَّــاباً
كيف لا أشكرُ الجزارةَ ما عش
تُ حِــفَــاظاً وأَرفــضُ الآدَابــا
وبِــها أضــحَتِ الكلابُ تُرَجِّي
ني وبالشِّعرِ كنت أرجو الكِلابا
اللهم بلغنا مقاصدنا وسدد إلى الصواب مسعانا.