.png)
كنوز نت -فلسطين
الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم
حوار إنساني بين الذاكرة والكلمة
حوار: رانية مرجية
مدخل: الكلمة التي تنقذ الذاكرة
في عالمٍ يعلو فيه صخب العابر على صوت الجوهر، تبقى الكلمة الصافية فعلاً من أفعال المقاومة ضد العدم.
هكذا تتقدّم رولا خالد غانم — ابنة طولكرم، الروائية التي تكتب من قلب الجرح الفلسطيني — لتمنح الأدب روحًا تُشبه نبض الأرض.
ليست مجرّد كاتبة تنسج الحكاية، بل ذاكرة تمشي على قدمين، تصوغ الألم جمالاً، والغياب حضورًا.
حصلت غانم على جائزة كتارا للرواية العربية لعام 2025 عن روايتها «تنهيدة حرية»، وهي من أبرز الجوائز الأدبية في العالم العربي.
وتُعد أعمالها نموذجًا للأدب الفلسطيني المعاصر الذي يمزج الواقعي بالرمزي، والوطني بالإنساني.
- من أبرز مؤلفاتها:
الخط الأخضر (2015) – مشاعر خارجة عن القانون (2016) – لا يهزمني سواي (2018) – نبضات محرّمة (2022) – عناق على حاجز إيريز (2024) – تنهيدة حرية (2024).
- الذاكرة والهوية… حين يصبح الحنين فعلاً للمقاومة
مرجية: في كتاباتك، الذاكرة ليست حنينًا إلى ماضٍ بعيد، بل كائنٌ حيّ يتنفس في السرد. هل هي بالنسبة إليكِ مقاومة ضد النسيان أم مصالحة مع الوجع؟
غانم: هي الاثنان معًا. الكتابة تقاوم النسيان لأنها تحفظ الذاكرة، لكنها أيضًا مصالحة مع الألم، لأنها تمنحنا مساحةً للبوح، لرفع أثقال الصمت عن القلب.
مرجية: وكيف يمكن للكاتب الفلسطيني أن يكتب واقعه دون أن يتحول نصّه إلى خطاب سياسي مباشر؟
غانم: عندما يكتب بروح الإنسان لا بروح الشعار. فلسطين ليست موضوعًا، إنها حالةُ وجودٍ تُسكننا، والكتابة عنها ليست تحريضًا، بل انحيازٌ للحياة في وجه الفقد.
- المرأة… بين الحبر والحرية
مرجية: في أعمالك، لا تظهر المرأة كرمزٍ للهشاشة، بل كقوةٍ ناعمة تواجه العالم بالكلمة. كيف ترين صورتها في الأدب العربي اليوم؟
غانم: تتعدد صورها. أحيانًا هي الملهمة، وأحيانًا هي الوطن، وأحيانًا القصيدة. لقد غادرت الهامش وصارت في قلب النص.
مرجية: هل الحرية التي تبحث عنها الكاتبة هي حريتها الفردية أم حرية مجتمعها؟
غانم: الاثنتان وجهان لعملة واحدة. تحرر المرأة هو تحرر المجتمع بأكمله، فالفكر لا ينهض بنصفه الأسير.
- اللغة… حين تتحوّل إلى كائنٍ ينبض
مرجية: لغتكِ في الرواية مشبعة بالشعر، حتى لتبدو اللغة بطلاً موازياً للشخصيات. هل تتعاملين معها كأداة أم ككائن حيّ؟
غانم: اللغة بطل رئيسي. هي الجسر الذي يربط بين الفكرة والمشاعر. أكتب بها كما أتنفس، وأحيانًا هي من تكتبني.
- مرجية: ومتى تمسكين بالقلم؟
غانم: حين يشتعل الحزن أو يفيض الفرح. الشرارة لا تأتي من قرار، بل من انفعالٍ صادق.
- فلسطين… وطنٌ يسكن اللغة
مرجية: في نصوصك، فلسطين ليست جغرافيا بل روح تسكن اللغة. كيف تحمينها من أن تتحول إلى رمزٍ جامد؟
غانم: أكتبها في تفاصيل الحياة اليومية؛ في لهجة أمٍّ، في فنجان قهوة، في جدارٍ متعبٍ من الانتظار. هكذا تبقى حيّة، لا مجازًا بل حضورًا نابضًا.
مرجية: هل تعتقدين أن وجع فلسطين بات خبرًا عابرًا للعالم؟
غانم: لا. الشعوب ما زالت تنبض بالضمير. الفنّ والأدب هما الشاهدان الأبقى على الوجع، والجسر الأصدق بين الذاكرة والإنسان.
- مسؤولية الكلمة… حين تصبح موقفًا
مرجية: في زمنٍ تراجعت فيه القيم أمام الاستهلاك، هل يكفي أن يكتب الأديب، أم عليه أن يكون فاعلاً في التغيير؟
غانم: الكاتب الحقيقي لا يصف العالم فقط، بل يساهم في تغييره. الكلمة مسؤولية ووعي، لا ترفاً لغويًا.
مرجية: وهل ما زالت الكلمة قادرة على زلزلة الضمير الإنساني؟
غانم: لو لم تكن قادرة، لما اغتيل الأدباء وخاف منها الطغاة. الكلمة الصادقة سلاح، لا يُرى لكنه لا يُهزم.
- الزمن والمستقبل
مرجية: هل تخشين زمنًا تُهجر فيه الكتب لصالح الشاشات؟
غانم: نعم، أخشى ذلك. لكن رائحة الورق لا تُنسى، والكلمة الحقيقية ستجد طريقها، مهما تغيّر الشكل.
مرجية: ما الحلم الذي لم تكتبيه بعد؟
غانم: حلم العودة. كتبته آلاف المرات، وما زلت أكتبه لأنني أؤمن أنه سيتحقق يوماً ما.
- خاتمة | بقلم رانية مرجية
في مثل هذه الحوارات، لا نبحث عن إجاباتٍ نهائية، بل عن صوتٍ يوقظ فينا الإنسان.
رولا خالد غانم ليست مجرد روائية فلسطينية؛ إنها ذاكرة تمشي على الأرض، تكتب لتُرمّم الوعي وتُعيد للغة براءتها الأولى.
هي تؤمن أن المقاومة تبدأ من جملة صادقة، وأن الوطن يُبنى أولاً بالحبر قبل الحجر.
ويبقى سؤالها المفتوح لنا جميعًا:
هل نستحق نحن أنبياء الكلمة الذين يكتبوننا من رمادهم؟
رانية مرجية
كاتب وصحفية فلسطينية – تؤمن أن الجمال شكلٌ من أشكال المقاومة، وأن الكلمة وطنٌ لا يُحتلّ


رولا خالد غانم
05/11/2025 10:27 am 600
.jpg)
.jpg)