كنوز نت - وهيب نديم وهبة

"هذه الإبداعية "المجنون والبحر" مترجمة الى لغات عالمية عديدة-ومسجلة ضمن مشروع "الكتاب المسموع" مكتبة- عرب كاست."
  • الْحلقةُ الْأولى:
قدْ يكونُ الْجنونُ...
في هذا الزّمنِ بالذّاتِ، أكثرَ واقعيّةً منَ الْواقعِ الْحياتيِّ الْمعيش... وحقيقةً حتميّةً مفروضةً... وقوانينَ اجتماعيّةً وسياسيّةً تدقُّ بعنفٍ بصلابةٍ على الْعقلِ والأعصابِ...
أصبحْنا بحاجةٍ إلى قضاةٍ ولجانِ تحكيمٍ...
في ما بينَنا من علاقةٍ...
أصبحَ الْإنسانُ الطيّبُ النّزيهُ، منبوذًا ومرفوضًا وكافرًا في استغلالِ الْفرصِ...
كما يُقالُ...
ولا يُقالُ إنّهُ متواضعٌ محبٌّ، يُحبُّ الْخيرَ لكلِّ النّاسِ... طيّبُ الْقلبِ، بسيطُ الْانفعالِ... وصافي الْعقلِ والْوجدانِ.
ليسَ منَ السّهلِ،
أصبحتِ النّزاهةُ عارًا والدّعارةُ علمًا
والْخداعُ تجارةً والْكذبُ مهنةً...
تحرّكَ الْمجنونُ في دَاخلي.
ليكنِ الْجنونُ بدايةَ الْبدايةِ.
بينَ الْحُلمِ، والْوهمِ، والْخيالِ...
بينَ الْعشقِ الْعاديِّ...
والْعشقِ الْممْزوجِ بالدّمِ،
والْخيانةِ والنّفاقِ، هذا الْوهمُ الْقاتلُ...
الّذي يجعلُ للْمادّةِ قدمينِ وكفّينِ ويحملُ الْأرضَ... على كفّ هاويةٍ.
وهذا الْخيالُ الّذي يجمعُ الْبحرَ في زجاجةٍ ويجعلُ الرّملَ وسادةً.
إنّهُ هُنا...
لمْ يقرعْ بابي ولمْ يدخلْ منَ النّافذةِ.
إنّهُ الْعاشقُ الْمجنونُ...
الْخارجُ منْ ذاتي، يفرشُ أوراقي فوقَ طاولتي، وبينَ الْغابةِ الّتي تنبتُ أشجارُها فجأةً وفروعُها فجأةً ويصبحُ لها مخالبُ وأنيابٌ، وبينَ رقّةِ الْحلمِ الّتي تجعلُ جسدَكَ يعودُ منْ مشارفِ الْغابةِ، منْ مغاربِ الْقلبِ والْأحزانِ بالْعطرِ والْياسمينِ... وبينَ الْوهمِ...
هذا الْفرحُ الْهاربِ منَ النّوافذِ الْعاليةِ بالْأشواقِ وأحلامِ النّاسِ...
هذا الْوهمُ الّذي يدخلُ حياةَ الْإنسانِ.
ويكتبُ الْعالمَ بحرًا؛ والْبحرُ أصغرُ منْ دمعةٍ.
الْعالمُ – مهجةٌ تتمزّقُ والْموجُ ثورةٌ.

الْعاشقُ الْمجنونُ يفتحُ للْفرحِ الْآتي
كلَّ زجاجاتِ الْحزنِ، ويسكرُ، ويشهقُ...
ويهتفُ: "عاشَ الْفرحُ."
ينهضُ، يجمعُ كلَّ زجاجاتِ الْحزنِ، ويركضُ،
ويركضُ حتّى الْبحرِ...
يرمي واحدةً، وأخرى، وعشْرا... ويرمي... ويرمي...
يغرقُ الْبحرُ بالْأحزانِ.
ينهضُ، يجمعُ كلَّ مياهِ الْبحرِ...
ويضحكُ... ويضحكُ... الْآنَ الْبحرُ في زجاجةٍ.
وأنتَ خارجَ الزّجاجةِ - منْ أينَ يأتيكَ الْفرحُ؟
الْآنَ، قدْ يكونُ...
وأنتَ داخلَ الزّجاجةِ، أنتَ تستلُّ لقمةَ الْعيشِ الصّعبةِ منْ بينِ أنيابِ أسماكِ الْقرشِ والتّماسيحِ الّتي لا تعرفُ الدّموعَ.
الْآنَ، منْ منّا أكثرُ واقعيّةً – أنتَ،
أمِ الْمجنونُ الْخارجُ منْ ذاتي إلى
الْبحرِ الْكبيرِ