كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


هدنة أم زوبعة قادمة؟

بقلم: سليم السعدي

في لحظة يظنّ فيها العالم أن صوت البنادق سيسكت إلى الأبد، تتسلّل إلى الواجهة مصطلحات براقة كـ "الهدنة" و"السلام" و"وقف إطلاق النار"، لكنها في جوهرها قد لا تعدو كونها غطاءً مؤقتًا لإعادة ترتيب مشهد الصراع من جديد.
فما يجري اليوم ليس سلامًا نابعًا من ضميرٍ عالميٍّ استيقظ، بل استراحة محاربٍ استنزفته الحقائق وانكشفت أقنعته.

لقد سقطت رواية المستعمِر وانكشف زيف خطابه، وبات العالم يرى الصورة الحقيقية للكيان الذي لطالما قدّم نفسه "ضحية"، فإذا به الجلاد الحقيقي الذي يقتل الأطفال ويهدم البيوت ويشوّه الذاكرة.
ومع تصاعد الغضب العالمي، بدأ هذا الكيان يشعر بالعزلة، يُطارد بتقارير الجرائم، ويُحاصر أخلاقيًا وإنسانيًا، بعد أن انكسرت شوكته عسكريًا وسياسيًا ودعائيًا.

غير أن المفارقة الكبرى جاءت من حيث لا يتوقع أحد: إذ تقدّم "المنقذ العربي" ليمنحه قبلة الحياة، بحجة إنقاذ الأسرى وحقن الدماء، بينما الشروط التي تُدار من وراء الكواليس ما هي إلا إعادة إنتاجٍ لـ"صفقة القرن" ولاتفاقياتٍ وُلدت في ظلال الخنوع والتطبيع.
فالمشروع لم يمت، بل أعادوا تغليفه بلغةٍ أكثر نعومة، وتحت يافطة "السلام الاقتصادي" و"الإنسانية".

لكن الشعب الذي ذاق المرّ لا يُخدع، والمقاومة التي واجهت آلة الحرب بعقيدةٍ وإرادةٍ راسخة تعرف أن من يُمسك بزمام الميدان يفرض شروط البقاء.
وهكذا رضخ العدو أخيرًا لهدنةٍ كان يرفضها بالأمس، بعدما أدرك أن الحديد لا يُكسر إلا بالحديد، وأن الروح لا تُقهر بالحصار ولا بالمال.

إلا أن الخطر لا يزال قائمًا؛ فالهدنة ليست نهاية المطاف، بل بداية مرحلة أكثر تعقيدًا.
فكل هدنة غير محصّنة بوعيٍ شعبيٍّ وبوحدة الموقف العربي والإسلامي، ستتحول إلى فخٍّ سياسيٍّ يسبق العاصفة.
ولعلّ في الحديث النبوي "يُهلك العرب" إنذارًا روحيًا قبل أن يكون نبوءة سياسية؛ فالهلاك لا يعني الزوال الجسدي فقط، بل موت الضمير والتنازل عن الحق والسكوت عن الباطل.

إن الزوبعة قادمة، ولن تنفع الهدن المؤقتة ولا التصريحات المنمّقة إن لم تُبنَ على أساس العدل والكرامة.
فالحقّ لا يُصان إلا بالمقاومة، والسلام لا يُولد من رحم الذلّ، بل من رحم الوعي والقوة والإيمان.

 البيان الرسمي


بيان صادر عن الكاتب سليم السعدي
بعنوان: "الهدنة... أم الزوبعة القادمة"

إيمانًا منّا بأن الحقيقة لا تُدفن، وأن صوت الشعب أقوى من أيّ هدنة زائفة، نؤكد ما يلي:

1. إن ما يُطرح اليوم من "هدنة" ليس سوى استراحة مؤقتة تُمهّد لمرحلةٍ جديدة من التلاعب السياسي ومحاولات الالتفاف على صمود الشعب الفلسطيني.


2. لقد فشلت مشاريع الاستسلام منذ "صفقة القرن" حتى اليوم، لأن الشعوب الحرة لا تُباع ولا تُشترى، وكرامتها ليست سلعة تفاوضية.


3. إن أي اتفاق لا يُبنى على أساس العدالة ورفع الحصار ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، لن يكون سوى غطاءٍ لإطالة أمد المعاناة.


4. نحذّر من محاولات تلميع وجه المستعمِر عبر بوابات الوساطات المسمومة، وندعو كل القوى الوطنية والعربية إلى رفض أي تنازل عن الثوابت.


5. نؤكد أن المقاومة – بكل أشكالها – حق مشروع أقرّته المواثيق الدولية، وأن الهدنة لا تعني نسيان الحقوق ولا إسقاط جرائم الاحتلال من الذاكرة.


6. ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى التنبّه: فالعاصفة المقبلة ليست سياسية فحسب، بل وجودية، تستهدف هوية الأمة ودينها ومقدساتها.



إننا على يقين أن الزوبعة قادمة، ولكنها ستكون بإذن الله زوبعة تطهّر الأرض من الخيانة، وتعيد للأمة وعيها وكرامتها.

سليم السعدي
فلسطين – تشرين الأول / أكتوبر 2025