كنوز نت -  بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل


إستعرَاضٌ وتحليلٌ لِقصَّةِ اليَعاقِيب - للأطفالِ - للكاتبةِ "زينا الفاهوم" -
 بقلم : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل 
مُقدِّمة : تقعُ قصَّةُ اليعاقيبِ في 23 صفحةٍ من الحجمِ الكبير، تأليف الكاتبة والشاعرة المُبدعةِ "زينا فخري الفاهوم" من مدينةِ الناصرة، إصدار: دار الهدى للطباعةِ والنشر كريم م .ض، رسومات : منار الهرم نعيرات.
 وسأتناولُ هذه القصَّة من خلالِ الإستعراضِ والتحليل.
مدخل: تتحدّثُ القصَّةُ عن مجموعةٍ من طيورِ الحجلِ كانتْ تعيشُ في أمانٍ وسلام، وعندما جاءَ فصلُ الربيع بجمالِهِ وروعتِهِ وتفتَّحَت الورودُ وذهبَ البردُ والدنيا تتدفّأ بأشعَّةِ الشمسِ قرّرَت اليعاقيب ( ذكورالحجل) أن تتناوبَ مع إناثِهَا مهامَ حضانةِ وحمايةِ صغارِهَا الكثيرةِ من عِبْءِ جَمعِِ الطعام. فقالَ كبيرُ اليعاقيبِ ( الذكر) للحَجلات الجميلات: اليوم سنقومُ نحنُ ذكورالحجل بمهامِكم ولكي تستمتعُوا أنتنَّ بالأجواءِ الربيعيَّة الجميلةِ، ففرحت الحَجلاتُ كثيرا وصفَّقَتْ بأجنحتِهَا طربًا .( على حَدِّ تعبير الكاتبةِ) . وخرجتْ إناثُ الحجَل بشكلٍ فرديٍّ أو مجموعاتٍ ( زرافات) إلى الروابي والحقولِ والسهول. وَنقنَقت وترغَّلتْ طيور الحجل (الأناث) فرحةً بالأجواء الجميلة وبمناظرالطبيعةِ الخلّابةِ .
      ولم ترُقْ ولم تُعجِبْ حياةُ طيورِالحَجل الجميلة والهادئة والآمنة أسرابَ الغربانِ التي جاءِتْ من أماكن وبقاعٍ بعيدةٍ طمعًا في أماكن ملائمةٍ لها وبلادٍ جميلةٍ يَتوَفَّرُ فيها الطعامُ والأمانُ والهدوء . فاستوطنتْ أماكنَ جديدة ليست ملكهَا وابتنَتْ أعشاشا جديدةً لها على أشجارِغيرِها حتى خرجت فراخُها للنور وكبرت. وكبرَ وتفاقمَ طمعُ الغربان فيما بعد وامتلأت قبلوبُها بالحقدِ والضغينةِ ضدَّ طيورِ الحَجلِ وغيرها من الطيورالأخرى، فبداتْ تُخَطِّط في تهجيرِ وترحيلِ طيورِ الخجلِ وغيرِها من الطيورِ الأخرى المُسالمةِ التي وُلِدتْ وكبرت على ترابِ تلك الأرضِ الجميلةِ والساحرةِ. فقالُ كبيرُ الغربان لجماعتِهِ: يجبُ أن نُعَكّرَ صفوَ حياةِ طيورِالحجلِ ونعملَ على طردِهَا وترحيلِها بجميع الوسائلِ والطرق. فسألهُ أحدُ الغربانِ باستغرابٍ: كيفَ يكونُ ذلك واليعاقيبُ أكثرُعددًا مِنَّا وأكثرُ خبرةً بشعابِ موطنها وتضاريس وجغرافيَّةِ أرضِها وبلادها ?!!
  فأحابهُ الغرابُ الكبير سوفَ نقومُ بمراقبتِهَا عندما تُغادرُ مساكنَهَا للبحثِ عن الطعام ِ فننقضُّ بشكلٍ مُفاجئ على صغارِهُا ونقتلها ونقضي عليها ونلقي وندخلُ الخوفَ والذعرَ الشديدَ في قلوبها فترحلَ وتتركَ لنا المكان .
  وفي يوم جميلٍ مُشمسٍ خرجتْ طيورُ الحجلِ للتنزُّه ومن أجلِ جمع الطعامِ فاستغلت الغربانُ هذه الفرصة وقامَوا بمهاجمةِ أعشاشِ الحجلاتِ فانقَضًّوا عليها فقتلوا صغارَها وداسُوا بيوضَِها ورحَّلوا وشرَّدُوا بالقُوَّة من كانت تحضنُ هذه الصغار وترقدُ على البيض واستوطنوا مكانهَا . وتكرَّرَ هذا الإعتداءُ الغاشمُ على أعشاشِ طيوِرالحجل فأصابَها واعْتَرَاهَا الحزنُ والهلعُ والخوفُ والقلقُ الشَّديدُ جرَّاءَ ذلك،وعظمَ هذا الأمرُ كثيرا، فكلما رجعتْ إلى أعشاشِهَا وَجدتهَا خربةً وصغارها نافقة وميِّتة وبيوضها تالفة، وأصبحت اليعاقيبُ في العراءِ دون مأوًى . وقد انتشرَ الخوفُ والذعرُ بين جموعِهَا وتفاقمَ الأسى والحُزنُ في أفئِدةِ كباِرهَا المكلومةِ، وقد ضاقتْ بهم الدنيا ( طيورِالحجل) فاضطرَّت مُرغمةً للرحيلِ والهجرةٍ إلى أماكن أخرى آمنةٍ وبعيدة عن عيون الغربان الشرِِّيرةِ. ودعا كبيرُ اليعاقيب أخوتَهُ طيور الحجل للتباحُث والتشاوِر في هذا الأمرِ والخطبِ العظيم، وعرضَ عليهم فكرة اللُّجوء إلى أشقائِهم وأصدقائهم في الحدود المُتاخمةِ لأرضِهم وموطنهمْ ِ. فاستغربَ واستهجنَ بعضُ اليعاقيب هذا الرأي الإنهزامي الذي ينضحُ منهُ الخوفُ والذلُّ والهوانُ، وقالَ: لن نتركَ ديارَنا.. واستشهدَ بمَثَلٍ قديم : ( من خرجَ من دارِهِ قلَّ مِقدارُهُ ولحِقهُ الذلُّ وللهوانُ ). فأجابهُ كبيرُ اليعاقيب: ننتظرُ حتَّى يشتدَّ عودُنا ونقوى على هذه الغربان الشريرةِ والمعاديةِ وسنعودُ بكلِّ ثقةٍ وأملٍ لطردها من موطننا وأرضِنا . فرضيت طيورُ الحجلِ الكبيرة والهرمة بهذا العرض المنطقي والملائم لظرفِها ووضعِها الحالي، بيد انَّ صغارَها قد رفضت الهجرةَ وبقيتْ مُتشبِّثةً بموطنِها ومسقطِ رأسِها وأرض آبائِها وأجدادِها بالرغم ممَّا لاقتهُ وعانتهُ من الغربانِ من اعتداءاتٍ ومضايقات. وعندنا أزِفَ الرحيلُ وحانتْ لحظة الفراقِ ودَّعت طيورُ الحجلِ أبناءَهَا حاملةً معَها الدُّموعَ والآلامَ، ولكنَّ أرواحَهَا بقيتْ هائمةً في سماءِ الوطنِ تأبى الرحيلَ والبعادَ.. لكن لا مفرَّ ولا تراجعَ عن هذا القرار.
      وسافرتْ طيورُ الحجلِ مسافاتٍ شاسعة حتى أن وصلتْ إلى الحدودِ المتاخمة، وعند الوداع ذرفت الدموعَ الغزيرةَ مثل زخات المطر لفراق الوطنِ والاحبابِ على أمل العودة والرجوع قريبا إلى أرضِ الديار. وبعد ذلك إجتمعَ اليعاقيبُ مع من تبقَّى من كبارِها في أرضِ الوطن، وقالت : نحنُ هذا النوع من الطيور نتميَّزُعنِ الكثيرين غيرِنا حيثُ نتمتَّعُ بالذكاءِ الخارق ولدينا كلُّ القدرات والإمكانيَّات والطاقات لمُرَاوَغَة ِ ذلك العدو الشرسِ واللئيمِ والمعتدي، وبإمكاننا بذكائِنا وحنكتِنا حماية أرواحتا وأرضنا ، فنحنُ نعرفُ جميعَ الخططِ وجميعَ طرقِ وسائل التمويه والخداع، ونعرفُ جيدا كيفَ نتَخفَّى ونُموِّهُ العدوَّ عندما نشعرُ بالخطرِ القريب المحدق بنا. فنستطيعُ الاستلقاء على ظهورِنا لِنُصْبِحَ مثلَ الصخرةِ تماما لونا وشكلا. وهكذا كانت تفعلُ تماما صغارُ الحجل حتى كبرت وازدادَت قوَّةً ونشاطا. واجتمعَ فيما بعد النَّشْءُ والجيلُ الجديدُ وتداولوا وتباحثوا فيما بينهم من أجلِ خططِ واستراجيَّةِ الدفاع لِحمايةِ أنفسهم من اعتداءات الغربان التي تكاثرتْ وتفاقمتْ بشكل كبير، ولكي تحافظَ على ما تبقَّى لها من مأوًى ومسكنٍ في تلك الربوع الجميلة. فقرَّرَتْ مقاومةَ العدوِّ الشرير(الغربان) التي سَطتْ على أوطانِهَا بكلِّ الوسائل والطرقِ الممكنةِ . فقال اليعقوبُ الصَّغيرُ( فرخ الحجل): الآن فهمنا وأدركنا جيّدًا أنَّ قوَّتنا كُنهُهَا يكمُنُ في تآلفِنا ووحدَتِنا وتلاحُمِنا، وعلينا الوقوفُ جميعًا صفًّا وجيشا مُوحَّدًا كالبنيانِ المَرصُوصِ وسيُساعدنا أصدقاؤُنا وحُلفاؤُنا في المقاومةِ والتَّصدَّي وشحذِ الهِمم . وقد علمتْ سريعا الغربانُ الشرِّيرةُ والطامعةُ بتلكَ الوحدةِ، وفهمتْ وأدركت أنَّ طيورَ الحَجل هم الأصحاب الشَّرعِيُّون والحقيقيُّون لهذه الأراضي والبلاد، وأنه لا فائدة بعد اليوم في الوقوفِ ضدّها ومحاربتها . فدعا كبيرُ الغربان جماعتَهُ قائلا:علينا التعامل مع اليعاقيب منذ اليوم بالسّياسةِ وبالحنكةِ والخديعةِ، وسنظهرُ لها عكسَ ما نضمرُهُ ونُبطِنهُ، سنتظاهرُ وَنُبدِي لها زيفا أنه لدينا كلّ الرغبةِ والإقتناع أن نعيشَ معها بأمْن وسلامٍ وأن نبقى بجانها..ونحنُ من وراءِ الكواليس نترقَّبُ الوضع والظروفَ وكلما سنحتْ لنا فرصةُ مناسبةٌ سنطعنُهَا في الظهر، وهذا الذي جرى. وجلسَ الفريقان (طيورالحجل الوادعة والمسالمة والغربان الشريرة والحاقدة) مع بعص. وكان حلمُ وَهَدفُ طيورِ الحَجلِ الراحة والأمانَ والإستقرار والعيش بهدوءٍ وسلامٍ بعد أن رأتْ وعانت الكثيرَ من المُضايقاتِ والإعتداءاتِ من أسراب الغربان المعاديةِ والمحتلَّةِ لأرضِهَا ووطنِهَا الجمبل ، وتريدُ أن تُعلِّمَ صغارَها عملَ الخير وحُبَّ الحياةِ وكلَّ شيىءٍ جميلٍ وإيجابيّ في هذا العالم، وأن تنظُرَ إلى الحياةِ وإلى الوجودِ بمنظارٍ متفائلٍ جميلٍ وَمُشرق ( صفحة 19 ) .
 هذا وقد سادَ وَعمََّ البلادَ الهدوءُ والإستقرارُ فترةً من الزَّمن، بيدَ أنَّ حِقدَ الغربان ولُؤمَهم لم ينتَهِ، فكلما رأت الغربانُ شيئا من الغبطةِ والسعادةِ تكتنفُ وتغمرُ طيورَالحجلِ المُسالمةِ تأجَّجت نيرانُ الحقدِ في قلوبِها أكثر وأكثرَ. وأما طيورُالحجلِ الكبيرةِ والمُسِنَّة (الآباء والاجداد) التي هاجرتْ خوفا من بطشِِ الغربان وعلى أملِ العودةِ والرجوع إلى الوطنِ لم تَعُدْ رغمَ مرورِ فترةٍ طويلة ٍمن الزَّمنِ على رحيلها، وبقيت مغتربةً وتحملُ في وجدانِهَا وقلبِها وعقلِهَا عبقَ وأريجَ وطنِهَا . وكانت دائما تناجي الليلَ وتقولُ بنبرةٍ مُتْرَعَةٍ بالحزنِ والأسى:
( " يا ليل يا ليل ُ ما أطولَكْ !
    لكنْ مفاتيح العقل
  وكانت اليعاقيبُ كلما جلسَتْ تحتَ أشجارِالنَّرنجِ تُناجيها وتقول :
( " يا نُرُنْجِي يا نُرُنْجِي الْبرشحِي
    با اللِّي طالِّهْ من الطاقَة بْتِرْشَحِِي" )
  وامَّا اليعاقيبُ التي بقيتْ وتجذّرَتْ في وطنِها ولم تهاجرْ وتترك بلادَها رغم كل الظروفِ العَصِيبةِ والأهوالِ والمخاطر وتحملت ظلمَ وعسفَ الغربان فكانت تجتمعُ عند (بوّاَبة) على حدودِ الوطنِ..من هناك ومن ذلك المكان كانت ترنُو وتلقي النظرَ على آبائِها وأجدادِها الذين بقوا على قيدِ الحياة، فيغمرُها ويملأها الحزنُ والأسى والحسرة وتغرق بدموها الغزيرة وتناجي كلَّ طيرٍعابرٍ في سمائِها ( صفحة 22 ) :
( " يا طِيرِ الطايِرْ قبِّلْ إيدِيهَا
    وخَلَّ أخْتِي تْخَفِّفْ بِكاهَا
    دَمعُكِ يا أخْتيِ يَزِيدُ المَلاما ") .
  وتتنشدُ أيضا :
     لا تحْسَبُوا طالتِ الغُرْبَة يا يَمَّا وانْسِينَاكُوا
    كلّ ما طالتِ الغُرَبَة يا يَمَّا اتْذَكّرْناكُوا " )
تحليلُ القصَّةِِ: هذه القصَّةُ كُتبت للأطفال ولكنّها ملائمةٌ لجميعِِ الأجيالِ ( للكبار وللصغار) لأبعادِهَا الفنيَّةِ والجماليَّةِ والإنسانيّة، وهي جميلة جدا وعلى مستوى عال إذا نظرنا إليها من جميعِ الجوانب والمقاييسِ والمفاهيم النقديّة والذوقيّة - الحديثة والقديمة. ومن ناحيةِ الموضوع والهدفِ والجوهر والفحوى والأسلوب والمستوى الفني، فالقصةُ لها طابعُهَا ولونُها الخاص وأريجُهَا ونكهتها الإبداعية المميزة فتسحرُ وتشدُّ القارئَ بلغتِها الأدبيةِ المُنمَّقة والجزلى وبتعابيرها البلاغيّة المبتكرة والراقية. وفيها الكثيرُ من الصُّورِ واللوحاتِ الشعرية الساحرة وينقصها الوزن فقط . وهذه القصَّةُ تُذكِّرُنا بكتابِ " كليلة ودمنة " الذي أُلّفَ وَوُضِعَ على ألسنةِ الحيواناتِ، وقامَ بترجمَتِهِ من اللغةِ الفارسيةِ إلى العربيةِ الكاتبُ عبد الله بن المُقفّع في العصرِ العبَّاسي ..وكان هدفُ ابنِ المقفع من ترجمةِ هذا الكتاب إنتقادَ نظام الحكم والوضع السياسي والفساد الإداري آنذاك وانتقاد الخليفة العباسي شخصيا ، وكان كلُّ هذا بشكلٍ مُبَطنٍ وَمُمَوَّهٍ على ألسنة الحيوانات .
  وقصَّةُ زينا الفاهوم ( اليعاقيب ) التي نحنُ في صدَدِها هي مزيحُ بين الأسلوبِ السَّرديِّ والأسلوب الحواري ( ديالوج ) . ونجدُ في بعضِ المشاهد حوارًا بين شخصيَّاتِ القصَّةِ ( بين طيورالحجل أو الغربان )..بيد أنَّ الطابع السردي هو الغالب على معظمِ أجواءِ وأجزاءِ القصَّة . وجاءت القصَّة على لسانِ الحيواناتِ أو بالأحرى الطيور( طيورالحجل وطيور الغربان ) . ويوجدُ في طيَّاتِها ومن ورائِهَا أهدافٌ عديدة : سياسيّة واجتماعيّة ووطنيّة وإنسانيَّة وغيرها. والموضوعُ الرئيسي الذي تُركِّزُ عليهِ الكاتبة وبأسلوب رمزيٍّ ومُبطّن في هذه القصَّة هو:الجانب الوطني والإنساني.وتقصدُ الكاتبةُ باليعاقيبِ ذكورالحجل.ومعنى كلمة اليعقوب: ذكرالجَجل، وجمعُهَا اليعاقيب. وترمزُ وتعني القصةُ بطيورِالحَجل كلَّ مجتمع وكلَّ شعبٍ مسالمٍ ووادع محبٍّ للخير، يعيشُ في بلادهِ بهدوءٍ وأمنٍ وسلام وكانت بلادُهُ مُستقرَّةً وهادئةً وفجأة يتعرَّضُ للإعتداء والغزو والإجتياح والإحتلال من قبل جهة أجنبيَّةٍ غريبةٍ حاقدةٍ ومُستعمرة . وأمَّا الغربان فهم المجموعاتُ الشريرةُ .. أو بالأحرى الجهاتُ والدولُ الإستعماريَّة المعاديّة المُعتَديةُ التي تَتعدَّى على الدول الضَّعيفةِ والمسالمةِ وتحتلها وتفتكُ وتقتلُ وَتُنكَِّل بأهلِها المسالمين والعُزَّل، وتفرضُ سيطرَتها وهيمنتهَا عليها بالقوَّةِ، وتُهجِّر وَتتُشرِّدُ الكثيرينَ من سكانِها الأصليِّين المُقيمين والقاطنين منذ آلافِ السنين ومنذ فجرالتاريخ. ..إذا هذه القصَّةُ الرائعةُ والمُمَيَّزةُ تنطبقُ على الكثيرِ من الأمم والشعوب والدولِ المُعتَدِيةِ والظالمةِ والدول والأوطان المٌعتدَى عليها والتي تعرَّضَتْ للغزوِ والإحتلال. وتنطبقُ مثلا على شعوب الهنود الحمر في القارة الذين كانوا يسكنون في الأمريكية وهم سكانها الأصليون، وقد تَعرَّضُوا للتطهير العرقي وللإبادةِ الجماعيّةِ من قبل الأوروبيين الأجانب الذين جاءوا من دول أوروبا (إسبانيا وأنجلترا وغيرها ) واحتلوا وسكنوا القارتين أمريكا الشمالية والجنوبية. ( واليوم عدد جميع الهنود الحمر في العالم لا يتجاوزُ بضعةَ آلاف) . وتنطبقُ هذه القصّةُ وبشكلٍ واضح ومطابق أكثرعلى الشعب الفلسطيني الذي تعرَّضَ للإحتلال عام ، وتَشرَّدَ وهَُجِّرً قسمٌ كبيرٌ منهُ خارج الوطن، وقسم بسيط بقي رغم كلِّ الظروفِ القاهرةِ والصعبةِ داخل الوطن( عرب ال 48 ) . وبعد حوال 19 سنة أحتِلَّ القسمُ والجزءُ المُتَبقِّي من وطنهِ ( الضفة والقطاع )، ويُعرَّفُ الفلسطينيُّون سكان هذه المناطق بعد الاحتلال الثاني بعرب أو فلسطينيِّي ال  .
  وعندما تتحدَّثُ الكاتبةُ زينا الفاهوم في قصَّتِهَا عن طيورِالحَجلِ واليعاقيب ( الذكور منها) وانَّ الكبارَ منها في السن "الآباء والأجداد" هاجَرُوا وتَركُوا الوطنَ على أملِ العودةِ، وبقي قسمٌ من اليعاقيبِ مقيمًا ولم يهاجرْ ويتركْ بلادَه، وذلك للمحافظةِ على الصغارِ منها وعلى بيوضِ طيور الحجلِ وعلى الأعشاش أيضا، وأن الأفراخ قد كبرَتْ بعدَ مدَُّةٍ ليست طويلة وأصبحَ بإمكانِها المقاومة والتصدي للغربانِ بشتَّى الوسائل وطرقِ الخداع والتَّمويهِ فهي تعني في هذا الصَّدَدِ الشعبَ الفلسطينيَّ في جميع المناطقِ والأماكن الموجود فيها:( فلسطينيو الشتات الذين هُجِّروا عام 1948 وفلسطينيو ال48 الذي بقوا في أرضهم وبلادهم بعد عام 1948 ولم يهاجروا ويرحلوا.. وفلسطينيو ال 67 - سكان الضفة وقطاهع غزة الذبن احتلت بلادهم عام 1967 ). . وتذكرُ أن الطيور المهاجرة - التي هاجَرَتْ كانت دائما تحنُّ للرُّجوع إلى الوطن . وكان يتمُّ اللقاءُ بين طيورِ الحَجلِ المُهجَّرةِ والتي بقيتْ في وطنِها على ( البوَّابة) . وهذا كان ما يحدثُ بالصبط قبل علم 1967 مع الشعب الفلسطيني . فكان فلسطينيُّو ال 48 يلتقون على البوابة وتُسمَّى بوابة "دانبلوم" بأهلِهِم وأخوتِهم وأقاربِهِم من فلسطينيِّي ال 67 ( الضفة والقطاع)
وفلسطينيي الشتات الذي هُجِّرُوا إلى خارج البلادِ سنة 1948 .
     إنَّ أيّ شخصٍ وقارئٍ بسيط سيفهمُ ويَعي مباشرةً هدفَ وفحوى هذه القصَّة وما تعنيه وتقصدهُ الكاتبةُ من كلمة (البوابة)، واللقاء الحارالذي يتمُّ بين اليعاقيب على هذه البوابة.. فالبوابةُ إذا هي بوابةُ دانبلوم المشهورة والتي تقعُ على الحدود .
      والجديرُ بالذكر أنَّ معظمَ قصصِ الأطفالِ محليًّا تفتقرُ إلى هذا الجانب والعنصر الهام وهوالجانب الوطني والسياسي، وخاصّة الجانب الذي يتطرَّقُ إلى القضيَّة الفلسطينيَّة وإلى مآساةِ ومعاناةِ الشعبِ الفلسطيني منذ عام النكبة، وإلى معاناةِ كلِّ شعبٍ مُحتلٍّ يُعاني من الظلمِ والعسفِ والبطشِ والإحتلال البغيض في أيةِّ بقعةٍ من بقاع هذا العالم. والسببُ معروف للجميع لماذا معظمُ الكتاب والشعراء المحليين لا يَتَطرَّقُون في كتاباتِهم إلى الجانب الوطني والسياسي وللقضيةِ الفلسطينيّة بشكل مباشرأو حتَّى تمويهي ورمزي، وخاصة الذين يكتبون قصصا محليةً للأطفال . وكما أنَّ هنالك بعضَ النويقدين بتجاهلون الشعراءَ والأدباء الوطنيين المُبدعين ولا يكتبون جملة واحدة جيدة في حقَّهِم وفي صددِ إنجازاتهم وإبداعاتِهم الفكرية والأدبية، وطبعا السبب معروف بديهيًّا للجميع لأنه مطلوبٌ منهم هذا الشيء .
 وبكلماتٍ مقتضبة ومختصرةٍ أريدُ القولَ : إنَّ هذه القصة (اليعاقيب) تحوي في صفحاتِها وفصولِها كلَّ العناصر والأسسِ الإبداعيّةِ، والقصّة جميلة جدًّا وناجحة ومُميَّزٌة بأسلوبها وجماليّتها وبلغتها الأدبيَّةِ السلسةِ وبالتعابير والإستعاراتِ البلاغية المُبتَكر وبأسلوبِها الشاعريِّ الجميلِ والساحر( كما ذُكِرَ سابقا) . وفيها عنصرُ التَّشويق والإثارة، والعنصرُ والجانب الترفيهي الهام حيث تجذبُ وتشُدُّ القارئَ - الطفل- لسماعِهَا أو لقراءتِهَا دونَما توقُّف . وفيها العنصرُالفنيُّ المُمَيّز والجانب الخيالي الفانتازي الهام في صدد قصص الأطفال، وخاصة انها كُتبت على ألسنة الطيور . والطفلُ بطبيعتهِ وفطرتِهِ يُحبُّ الحيوانات ويُحبُّ الحديثَ والقصصَ عن عالم الحيوان . وأهمُّ الأشياءِ في القصَّةِ حتى لو كان من خلال أسلوب التَّمويهِ والرمزيَّةِ هو: الجوانب الوطنية والسياسية والجانب الإنساني. وهذه الجوانبُ والمجالات الأخيرة (الوطنيَّة والسياسيَّة) شبهُ معدومة في قصصِ الأطفالِ المحليّةِ وللأسف الشديد. ولهذا نجدُ أنَّ دورَ النشرالمحليّة التجاريَّة تتهافتُ على طباعةِ كتبٍ وقصص للأطفال مُمحلةٍ ومُقفرةٍ كليًّا من المواضيع والقضايا السياسة والوطنيّة، ولكي تُسَوَّقَ وتُبَاع َبسهولةٍ محليَّا .

    إنَّ هذه القصّة تنتهي نهايةً شبهَ مفتوحةٍ حيث بقى الجانبُ المظلومُ -الشعب الذي تعرَّضَ للغزوِ والاحتلال (اليعاقيب) مُشرَّدًا يعيشُ خارجَ الوطن(جزءٌ وقسمٌ منه)، وقسمٌ وجزءٌ آخر منه بقي داخل الوطن ويدافع عن كيانِهِ ووُجُودهِ وبقائه، ويلتقون (النازحون والذين ظلُّوا وبقيوا في وطنِهم) قربَ البوابة ويذرفون الدموعَ والعبرات. وهذا هو بالضبط حالُ الشعبِ الفلسطيني المنكوب والمسلوبة حقوقه منذ عام النكبةِ في الداخل وفي الضفة والقطاع وفي الشتات.. وهو حالُ بعض الشعوب أيضا على هذه الأرض . ولا تُعطي الكتابةُ نهايةً شاملة وكاملة وسعيدة للقصَّة، بل يبقى القارئُ أو بالأحرى الطفل الصغيرالذي كُتِبتَْ له هذه القصّة محتارا في هذا الوضع والظرف المُعلَّق والمربوط ، ويُفكِّرُ ما الذي سيحدثُ مستقبلا لطيور الحجل (اليعاقيب) وماذا سيكون مصيرُها بالضبط .
        وَتُدخلُ وَتُوظفُ الكاتبةُ في المشاهد الأخيرةِ من القصَّةِ بعضَ الأبياتِ الشعريةِ والأهازيج المؤثَّرة جدا وباللهجِة العاميةَِّ المَحكيّة ِوالمُترَعةِ بالحزن واللوعةِ والأسى وبالشوقِ الشديد العارم والمُؤَجَّج لأرض الوطن، ومِمَّا يضيفُ للقصّةِ بُعدًا جماليًّا وإنسانيًّا مُمَيَّزًا وليس فقط بعدا وطنيا .
      واستعملتْ أيضا، من خلالِ سرِدِها للقصّة، الكثيرَ من الصورالشعريَّة الساحرة والمُتْرَعَة والمشعّة بالتعابير والإستعاراتِ البلاغية الجميلة والمُبتكَرة، وخاصة في وصف الطبيعةِ، وفي أحد المشاهد واللوحاتِ عندما قرَّرَ ذكور الحجل ( اليعاقيب ) التَّناوب مع إناثِها في المَهامِ المُلقاةِ عليها، في حضانةِ وحمايةِ صغارِها الكثيرة من عبءِ جمع الطعام عندما هَلَّ فصلُ الربيع ، فتقول (صفحة 3) :
( قالَ كببيرُ اليعاقيبِ للحَجلاتِ الجميلاتِ:
   اليومَ سنقومُ بمهامِكمْ لِتتمَّتَّعُوا بالاجواءِ الربيعيّةِ الجميلةِ، فرحتْ الحجلاتُ وَصفَّقت باجنحتِهَا طربًا . خرجَتْ الإناثُ على الرَّوابي والسُّهولِ وحدانًا وزرافاتٍ. أطلَّتِ الشمسُ على تلكَ الرَّوابي مُرسلةً أشعَّتَهَا الدَّافئةَ لِتنعمَ بها الطيورُ، ونوابتُ المروج.
   وكانتْ مياهُ السَّواقي تترقرَقُ بجانِبِهَا لِتَنصَبَّ في النَّهرِ فتفيضَ ضفافُهُ لِترويَ المُروجَ .. وأشجارَ الصَّفصَافِ واللُّبلابِ .
    نَقنَقَتْ طيورُ الحَجَلِ وَتَرَعَّلَتْ فرحةً بهذه الأجواءِِ، تكرجُ تارةً بينَ الهضابِ، وأخرى تنحدرُ إلى السُّهولِ لِتُطفِئُ ظمَأَهَا بمياهِ السَّواقي العذبةِ ، تتًنشَّقُ النَّسيمَ وتتعطَّرُ بعَبَقِ الزُّهورِ حتى ينصرمَ النهارُ فتعودَ مُتَرَغِّلةً بأصواتِهَا العذبةِ مُبدِعةً سِيمْفُونيَّةً جميلةً تحفزُ الرَّغيةَ للحياةِ بسلامٍ ) .
 وتقولُ الكاتبةُ أيضا في المشهد والفصلِ الأخير من القصَّةِ ( صفحة 22 ) :
( أمَّا اليَعاقيبُ التي تجَذَّرَتْ في وطنِهَا، وَتحمَّلتْ ظلمَ الغربانِ ، فقد كانت تجتمعُ عندَ بوَّابةٍ على حدودِ الوطنِِ..من هناكَ، تُلقي النظرَعلى آبائِهَا وأجدادِهَا التي بقيَتْ على قيدِ الحياةِ، يكتنفُهَا الحُزنُ، وَتُغرقُهَا الدموعُ ).
 وتستعملُ وَتُدخلُ الكاتبة في قصَّتِها بعضَ الكلماتِ العربية الصعبة، ولكنها تُفهمُ ويستطيعُ حتى الطفل الصغير فهمَها وما هوالمقصود منها من خلالِ موقِعِها وإدراجها في الجملة ، مثل : كلمة ينصرمُ .. أي ينقضي ( صفحة 4) . وكلمة : ( زرافات ( صفحة 3 ) . وكلمة : السواقي - ( صفحة 3 ) . وكلمة : نافقة، ومعناها ميِّتة ( صفحة 8 ) . وكلمة نفقَ وينفقُ تُستعملُ عادةً ومنذ القدم للجمل للجَمل سفينة الصحراءِ وليس للحيوانت الأخرى والظيور ولا للإنسان . ُ نفقَ الجمل..أي أنَّهُ ماتَ .
   وإذا تمَعَّنَّا وَتعمَّقنا جيِّدا في هذه القصَّةِ من ناحبةٍ ذوقيَّة وفكريَّة وعملنا على تحليليِهَا وفكِّ شيفراتها ورموزها وأزحنَا سدولَ وسجافَ الطابعِ التمويهيِّ عنها الذي يُغَطَّيها وَيُعطِيهَا في نفس الوقت مكانةْ وقيمةً أكبرَ فنيةً وأدبية وإبداعية لوجدنا أنَّ هذه القصة ليستْ قصةً وعملا إبداعيًّا ناجحًا فقط ، بل نجدُهَا بالمفهومِ النقدي الحديث قصَّةً وعملا وإنجازا إبداعيًّا مُمَيَّزًا رائِدًا وتاريخيًّا. والمُؤلِّفةُ "زينا الفاهوم": هي كاتبةٌ مُبدِعةٌ وَمُتألّقة وتستَحِقُّ لقبَ الكاتبة والأديبة الكبيرة المُبدعة والتاريخيَّة . والقليلون من النقادِ في العالم العربي اليوم يعرفون ما هو الفرق بين الكاتبِ والشاعر(الكبير) والشاعرِ والكاتبِ (التاريخي). وطبعا النقاد (النويقدون) المحليون جميعهم لا يعرفون إطلاقا ما الفرق بين الفئتين حسب اعتقادي.
  يقول الشاعرُ والكاتبُ والناقدُ العربي الكبير رحمهُ اللهُ الدكتورعبد العزيز المقالح في إحدى مقالاتِهِ النقدية:هنالك فرقٌ بين الشاعر والكاتب التاريخي وبين الشاعر والكاتب الكبير في المفهوم النقدي المُعاصر، وسماتُ الشاعرِ التاريخي هي تلكَ التي تجعلُ اسمَهُ يرتبطُ بتغييرٍ جوهريّ في تاريخِ الشعرِ والأدبِ وإليهِ يُنسبُ ذلكَ التغيير). وهنالك أمثلة كثيرة لشعراءٍ تاريخيِّين عربا وعالميِّين من شتَّى العصور، مثل: وليم شكسبير شاعر بريطاني وجوتيه شاعر الالمان التاريخي ودانتي شاعر إيطاليا التاريخي وصاحب الكتاب المشهور: ( الكوميديا الإلهية )، ويبدُو تأثُّرُهُ الكببرفي هذا المُؤلّف برسالةِ الغفران لأبي العلاء المَعرِّي..وفيكتورهيجو( شاعر وكاتب فرنسي) وبوشكين شاعرالروس التاريخي . وفي تاريخ الأدب العربي يوجدُ شاعران تاريخيَّان، وهما: امرؤُ القيس الكندي في العصرِ الجاهلي الذي كان شعرُهُ مُؤَشِّرًا لبدايةِ الصحوةِ في الجزيرةِ العربيَّة، وأبو الطيِّب المُتنبِّي في العصرِ العبَّاسي الذي كان ظهورُهُ إنذارًا باقترابِ عصرِ الإنحطاطِ والتراجع في الشعر والادب العربي. وأما الشعراءُ العرب التاريخيُّون في العصرالحديث إذا نظرنا إلى كلِّ قطرٍعلى حدةٍ فهم قد لا يا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة، مثل : أحمد شوقي أميرالشعراء في مصر ومعروف الرصافي وبدر شاكر السياب في العراق وأدونيس في الشام . ومحمد محمود الزبيري في اليمن .. إلخ .
   لقد أدخلت الكاتبةُ زينا الفاهوم شيئا جديدًا وَمُمَيَّزًا إلى الأدب المحلي والعربي عامَّةً، فهي اوَّلُ كاتبة وأديبةٍ محليَّة تتطرَّقُ في قصصِ الأطفالِ إلى موضوع الصراع من أجلِ الوجود والبقاءِ والعيشِ الكريم ، ولتحقيق العدالة الإجتماعيَّة والإنسانيَّة. لقد تطرَّقت إلى الكفاح والنضال الشريف والشرعي ضدّ المُعتدين الأشرار والظالمين وضدَّ كلّ فئةٍ أو جهةٍ ظالمةٍ وطاغية ومستبدَّة من أجلِ التحرُّر من الاحتلال والتبعيَّة ولتحقيق الإستقلال الكامل: النفسي والروحي والسياسي والإقتصادي والجغرافي،وللعيشِ الآمنِ والشريفِ والهانئ على أرضِ الوطن. لقد أوصلت الكاتبةُ رسالتهَا المنشودةَ بجدارة -رسالة المحبَّة والسلام والإنسانيَّة أوَّلا، ولا يتحقَّقُ هذا إلا من خلالِ التحدِّي والتَّصدَّي للمُعتَدين والظالمين أعداء السلام وأعداء الإنسانيَّة والضمير والخير والفضيلة والقيم السامية ثمَّ دحرِهم والإنتصارعليهم وإفشال كلّ مخططاتهم ومآربهم اللئيمة والشيطانيَّة والتحرُّر من ظلمهِم وعدوانهِم وبطشِهِم . وقد كان الحديثُ والولوجُ إلى هذا الموضوع الهام والرسالة السامية ( الإنسانية والوطنيَّة والأمميَّة) من خلالِ توظيفِ وإدخال عنصر الطيور( طيورالحجل "اليعاقيب" وطيورالغربان)، وكل فئة ومجموعة منهما تتناقض مع الأخرى في سياستها ونهج تفكيرها وفي الأهداف والنوايا والأعمال. إن طيورَ الحجلِ ترمزُ إلى الخيرِ والمحبة والوداعةِ، وإلى الشعب المُسَالم والوادع الذي تعرَّضتْ بلادهُ إلى العدوان والإحتلال .. وأما طيورُ الغربان فترمزُ إلى كلِّ جهةٍ شريرة مُتغطرسَةٍ يملأ قلوبَها الحقدُ والضغينةُ .. وإلى كلِّ جهةٍ أو دولة مُعتَديةٍ وظالمةٍ ومُستعمِرَةٍ تعتدي وتسطُوعلى الدولِ الضعيفةِ والمُسالمة .
  وقد نجحَتْ الكاتبةُ في توظيفِهَا الفنّيِّ التقنيِّ المهنيِّ الجميلِ والسلسِ وبلغةٍ وبأسلوبٍ أدبيٍّ شعريٍّ ساحرٍ في إيصال رسالتها (الأدبية والفنية والإنسانية والإبداعيّة) إلى أحسن وأكملِ وجه للجميع . ولهذا فهي تستحقُّ لقب : الكاتبة والأدبية الكبيرة والتاريخيَّة .
وأخيرا وليس آخرا : إنَّ هذه القصة تستحقُّ ان تُتَرجَمَ وبجدارةٍ إلى معظمِ لغاتِِ العالم وأن يُكْتَبَ عنها العديدُ من المقالاتِ والدراساتِ المطولةِ والجَادَّة من قبل نُقَّاد وأدباءٍ كبارٍ وعالمين موضوعيين ونزيهين وليس من قبل نويقدين محليين مُغرضين غير متمكنين من أدواتهم النقدية وغير نزيهين وصادقين في كتاباتهم، وذلك نظرا لمستواها وأهميتها وأبعادِهَا الجماليةِ والفنيّةِ الإنسانيةِ. ويجب أن تُصَنَّفَ وَتُوضعَ في مصافِ أدب الأطفال العالمي وليس مع الأدب المحلي والعربي فقط . وهي تتفرَّدُ وتتفوَّقُ من جميع النواحي على العديدِ من قصصِ الأطفالِ العالميّة التي تُرجِمَتْ إلى اللغة العربية قبل عقود من الزمن ( يومها لم يكن عندنا قصصُ أطفالٍ ولا أدبُ أطفالٍ محلي )، مثل قصص : روبنسن كروزو وجلفر في بلاد الأقوام والعمالقة والأميرة سندريلا.. وغيرها .
    وفي النّهايةِ أهنِّئُ الشاعرةَ والكاتبةَ القديرةَ والمبدعة الزَّميلة زينا الفاهوم على هذا المؤلف القيِّم ونأملُ أن تتحفنا دائمًا بالمزيد من الإصدارات القيَّمة والإبداعية في مجال قصص الأطفال وغيرها .
  • بقلم : الدكتور : حاتم جوعيه - المغار - الجليل