كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


لعبة سياسية قذرة: تصريحات غراهام، الضم في الضفة، وخنق القضية الفلسطينية
بقلم: سليم السعدي

من جديد، يطلّ السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام بتصريح مثير للجدل، لا يقلّ خطورة عن مواقفه السابقة التي وصلت حدّ التحريض على قصف غزة بالسلاح النووي. فقد كشف مؤخرًا أن "العرب أبلغوه بأنهم سيعترفون بإسرائيل إذا وافقت السعودية على اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة، وأُقيمت دولة فلسطينية".


القضية أعقد مما يُختصر بعبارة أن "السعودية أعطت فلسطين لليهود".
التاريخ الفعلي يُظهر أن تأسيس الكيان الصهيوني كان نتيجة مشروع استعماري بريطاني – صهيوني بدأ مع وعد بلفور (1917)، وجرى تثبيته عبر الانتداب البريطاني ودعم القوى الغربية للحركة الصهيونية، وليس بقرار سعودي مباشر.

لكن هناك نقاط تاريخية تُستغل في هذا السياق:

1. اتفاقيات مبكرة مع بريطانيا:
في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ركّز عبد العزيز آل سعود (مؤسس المملكة) على تثبيت حكمه في الجزيرة العربية، وفضّل عدم الدخول في صدام مباشر مع بريطانيا أو المشروع الصهيوني، رغم احتجاج بعض الزعماء العرب (خاصة الفلسطينيين).
بعض الوثائق البريطانية تشير إلى مراسلات أبدى فيها آل سعود قبولًا ضمنيًا ببقاء النفوذ البريطاني في فلسطين مقابل دعم سلطته.


2. مؤتمر لندن 1939 ومؤتمر بلتيمور 1942:
السعودية لم تُعارض بشكل فعّال السياسات البريطانية والصهيونية، بل كانت منشغلة بتثبيت سلطتها، بينما دول عربية أخرى (مثل العراق وسوريا) حاولت دعم الثورة الفلسطينية (1936-1939).


3. الدور الأمريكي بعد 1945:
بعد لقاء عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي روزفلت (1945)، بدأت واشنطن تمهّد لدور سعودي أكثر انخراطًا في القضايا الإقليمية، لكن الأولوية السعودية بقيت حماية مصالحها الداخلية، لا مواجهة المشروع الصهيوني.


4. صفقات لاحقة واتفاقيات غير معلنة:
لاحقًا، وخصوصًا بعد حرب 1973، ظهرت اتهامات بأن السعودية وواشنطن نسّقتا بشكل غير مباشر لدعم تسويات تخدم أمن إسرائيل مقابل ضمان بقاء النظام السعودي وحمايته.

إذًا، من الناحية التاريخية:


لم تكن السعودية هي من "منحت" فلسطين مباشرة لليهود،

لكنها لم تواجه المشروع الصهيوني بجدية في مراحله الحاسمة، وفضّلت تأمين حكمها عبر التحالف مع بريطانيا ثم أمريكا، ما ساعد بشكل غير مباشر في تثبيت إسرائيل.

تصريح غراهام، الذي يبدو في ظاهره ناقلًا لموقف عربي، لا يمكن فصله عن التحركات الإسرائيلية المتسارعة في الضفة الغربية، بما فيها التصويتات والخطوات لضم مناطق استراتيجية. هذا المشهد المركّب يعكس لعبة سياسية قذرة بأبعاد متشابكة:

1. التطبيع المشروط: الدولة الفلسطينية كورقة مقايضة

في هذه المعادلة، تتحول "الدولة الفلسطينية" إلى كيان شكلي هشّ، منزوع السيادة والسلاح، يُقدّم كغطاء لتسريع التطبيع العربي-الإسرائيلي. يُراد لحقّ الفلسطينيين التاريخي أن يصبح سلعة تفاوضية بين الرياض وواشنطن وتل أبيب، بعيدًا عن القضايا الجوهرية مثل القدس، وحق العودة، وإنهاء الاحتلال.

2. غراهام… المحرّض الذي يتقمص دور الوسيط

غراهام، الذي طالما برّر الجرائم الإسرائيلية ودعا إلى استخدام أقصى درجات القوة ضد غزة، يظهر اليوم بمظهر "الوسيط" الذي ينقل رسائل العرب، متجاهلًا دوره السابق في التحريض على الإبادة الجماعية، وكأنّ هذا التناقض ليس سوى جزء من المسرحية السياسية.

3. الضم في الضفة: ورقة ضغط أم خطة لتفجير التسوية؟

التصويتات والخطوات العملية لضم مناطق من الضفة، خاصة المستوطنات الكبرى وغور الأردن، تخدم هدفين متوازيين:

ابتزاز سياسي: إسرائيل تستخدم الضم كتهديد للضغط على العرب والغرب، ضمن معادلة "اعترفوا بنا وأبرموا الصفقات وإلا واصلنا الضم".

إفشال أي تسوية حقيقية: عبر فرض وقائع ميدانية تجعل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة أمرًا مستحيلًا، بحيث تتحول أي تسوية لاحقة إلى كيان مقطّع الأوصال بلا مستقبل.

4. التكتيك المزدوج: الربح في كل الأحوال

إسرائيل تجيد الجمع بين الابتزاز والتنفيذ. فإذا نجحت صفقات التطبيع والضمانات الأمنية مع السعودية وأمريكا، فإنها تحافظ على مكاسبها في الضفة. وإذا فشلت، تكون قد رسّخت واقع الضم والاستيطان الذي يجعل أي حلّ سياسي لاحق بلا قيمة. 

5. الخلاصة: القضية الفلسطينية بين المطرقة والسندان

تصريحات غراهام ليست مجرّد "نقل لموقف عربي"، بل جزء من مشروع ضغط واستغلال، حيث يتم استخدام الضم، والتطبيع، ووعود "الدولة"، لإفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها وتحويلها إلى ورقة مساومة في صفقات النفوذ الإقليمي. لكن أي حلّ لا يستند إلى عدالة حقيقية وحقوق غير قابلة للتصرف للشعب الفلسطيني لن يكون سوى وصفة لفشل جديد وانفجار قادم.