كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


الوطن العربي في مرآة اللهيب: بين التفكك الداخلي والمواجهات المصيرية
بقلم: رانية مرجية
في المشهد العربي الراهن، تتشابك خطوط النار والسياسة، وتتداخل خرائط الأزمات من المحيط إلى الخليج، حيث لم يعد من الممكن عزل حدثٍ عن سياقه الإقليمي أو عن الصراع الجذري الممتد منذ عقود بين فلسطين المحتلة والمنظومة الإسرائيلية. فالوطن العربي يمر بمرحلة تحوّل خطير، لا يقتصر فقط على النزاعات المسلحة بل يتعداها إلى انهيارات اقتصادية، وهشاشة سياسية، وتشظٍ مجتمعي لا يُستهان به.
أولًا: فلسطين المحتلة - الضفة والقطاع تحت المقصلة
في الضفة الغربية، تزداد وتيرة الاستيطان، وتتسارع محاولات تهويد الأرض وتفريغها من سكانها الأصليين عبر أدوات القمع اليومي والقتل البطيء، والإعدامات الميدانية، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، ناهيك عن صمت المجتمع الدولي المُريب.
أما في قطاع غزة، فإن الكارثة خرجت عن حدود الوصف. حرب إبادة حقيقية تُشن منذ أكتوبر 2023، دمرت البشر والحجر، حاصرت الأمل، وخنقت كل خيط إنساني في ظل انهيار المنظومة الصحية والبيئية والاجتماعية. ومع هذا، فإن روح المقاومة ما زالت نابضة في قلوب من بقي حياً وسط الركام، وكأن غزة تُعلن – رغم كل شيء – أنها لم تُهزم بعد.
ثانيًا: إسرائيل – التآكل الداخلي وانكشاف الزيف
إسرائيل، رغم قوتها العسكرية وسطوتها المدعومة من الغرب، تعيش أعمق أزماتها البنيوية منذ نشأتها. الأوضاع السياسية متفجرة، والنظام يعاني من انقسامات داخلية حادة بين معسكرات اليمين واليمين المتطرف من جهة، ومعسكرات الاحتجاج الشعبي والمجتمع المدني من جهة أخرى.
حربها الأخيرة على غزة عرّت هشاشتها أمام الرأي العام العالمي، وأظهرت فشلها في تحقيق "ردع شامل"، بل زادت من عزلة صورتها الدولية، وخاصة بعد الموقف المتقدم لمحكمة العدل الدولية، واهتزاز علاقتها مع دول الجنوب العالمي.
ثالثًا: المشهد العربي – من التطبيع إلى الارتباك
في الخليج، تسود حالة من التردد الاستراتيجي، حيث تمضي بعض الدول في مسارات تطبيع باردة مع إسرائيل، رغم مشاهد الدم في غزة. في المقابل، تشهد دول كمصر والأردن نوعاً من التآكل الشعبي والثقة المتآكلة بأنظمتها، وسط تنامٍ ملحوظ لحركات التضامن الشعبي مع فلسطين.
أما سوريا واليمن ولبنان، فلا تزال في قلب أتون الصراع، حيث تتداخل الحروب بالوكالة مع الفقر والتهجير والمآسي الإنسانية. لكن ما يُقلق أكثر هو غياب مشروع عربي موحد، أو حتى خطاب سياسي جامع قادر على توجيه البوصلة نحو رؤية تحريرية حقيقية.
رابعًا: إعادة تعريف النصر والهزيمة
المعادلة القديمة التي كانت تُقاس بها الانتصارات والهزائم قد انهارت. فليس الانتصار فقط في السيطرة على الأرض، بل في صمود الرواية والهوية، واستمرار النبض الشعبي الرافض للذل. وهنا، يظهر دور فلسطين كقضية كاشفة لأخلاق الأنظمة، وميزان لمعنى الكرامة العربية.
خامسًا: ملاحظات استراتيجية
تفكيك الجبهة الداخلية العربية يخدم مصالح الاحتلال، ولذلك لا بد من إعادة بناء أولوياتنا الجمعية من منطلق قومي وإنساني لا طائفي.

الاحتلال يعيش أزمة شرعية عالمية، ويجب استثمار ذلك سياسيًا وقانونيًا وثقافيًا.
الشعوب ما زالت تؤمن بالقضية الفلسطينية، رغم انحراف النخب، وهذا عنصر قوة لا يُستهان به.
الزمن القادم هو زمن التحولات الإعلامية والحقوقية الدولية، ويجب التسلّح بهما بذكاء.
خاتمة:
لا يمكن النظر إلى ما يحدث في الضفة والقطاع وإسرائيل بمعزل عن الخريطة العربية الأوسع. ما نعيشه اليوم هو لحظة اختبار للضمير العربي، ولإرادة الشعوب في رفض الاستعمار الحديث بكل تجلياته.
رغم الدم والخراب، لا تزال فلسطين تحمل مفاتيح الوعي والنهوض، تضع مرآتها أمام كل عاصمة عربية، وتسألها: من أنتم؟ وأين أنتم منّا؟