
كنوز نت - بقلم الاعلامي : ناضل حسنين
مسرحية الكنيست: كوميديا سوداء على أنقاض الكرامة
جلست مساء أمس أمام التلفاز. لا كمن يتابع جلسة كنيست، بل كمن جلس في العراء بملابس خفيفة، ينتظر أن ينهمر عليه مطر من القيح.
أيمن عودة خرج من الجلسة منتصرًا؟ لربما.. لكنه خرج كمن نجا من هجوم ذئاب، ممزق الثياب، مغموسًا بالدم. أما أنا، المشاهد البائس، فقد خرجت من الجلسة بإصابات مستدامة في الروح والكرامة والذاكرة… إصابات لا يمحوها الزمان ولا يفيد معها مرهم ولا مقالة.
ما رأيته لم يكن برلمانا، بل كان سيركًا مسموماً. كل مهرج منهم حضر برباط عنق رسمي ليرقص فوق قلوبنا، ويقذفنا بأقذع الشتائم والاوصاف. وكل ذلك تحت يافطة "حرية التعبير"! أقصد "حرية التقيؤ" في وجه العربي؟ حرية التلذذ بالسادية؟ حرية صناعة الكراهية كمنتج قومي؟
كانوا يتحدثون عن "إقصاء نائب"، وكأنهم يناقشون تغيير ديكور في صالة مهجورة. لكن الحقيقة أنهم كانوا يبحثون عن وليمة... عن جثة يعلقونها على جدار القاعة، ينهشونها أمام الكاميرات، ويمضغونها بخطبهم. ولأن الجوع عندهم لا يشبع، فهم بحاجة دائمة إلى نائب عربي يروضون به أنيابهم.
لقد تحققت من أن راتب النائب العربي مهما بلغ فهو لا يكفي لشراء خوذة تقيه الشتائم، ولا درع يذود عنه البصاق السياسي، ولا حتى لجام يكمّ أفواه هؤلاء المتشدقين بالعنصرية.
كل خطاب أُلقي في تلك الجلسة كان خنجرًا، كل نائب صعد المنصة كان يخلع قناعه ويكشف عن وجهه الحقيقي عدا قلة مع بقايا من ضمير… وجه كهانا، حيٌّ يُرزق، يتكاثر كالفطر السام في زوايا القاعة. قبل عقود، كان كهانا يرغم حتى مناحيم بيغن على مغادرة القاعة خجلاً من وقاحة العنصرية. أما اليوم؟ كهانا يطل من كل نافذة، من كل مقعد، عبر كل ميكروفون. بل يدوي التصفيق له، ويبثون خطابه على الهواء مباشرة، مرفق بالترجمة إلى خمس لغات دولية.
ولأجل ماذا؟ لإثبات الصهيونية. معيارها الجديد ليس الإيمان بالفكر، بل بعمق الشتائم الموجهة للعرب. هناك نائب واحد؟ إذًا هناك فرصة ذهبية للصراخ والعواء، وكلما زادت النبرة من حدتها، ازداد الراتب المعنوي في بورصة التطرف القومي.
الكنيست؟ لم تعد برلمانا منذ سنين. إنها حلبة مصارعة، كل متطرف ينتظر جولة ليرمي خصمه العربي على الأرض، وسط تصفيق جمهور مبرمج، يصفق لأي عواء بلا معنى.
ويا للمهزلة… كل دورة كنيست لها "مهرجها الوطني". في السابق كان أورن حازان، واليوم جاءت غوتليف محشوة بأوريت ستروك. نفس الصراخ، نفس الانحطاط الوقح. صراخ بلا مضمون، لكنه يحظى بترحيب، فقط لأنه في الاتجاه الصحيح – ضد النائب العربي.
نواب لا يصلون مجتمعين إلى خاصرة أيمن عودة من حيث القدرات والمعرفة، لكنهم يمتلكون قدرة خارقة على إنتاج الكراهية، وتصديرها للعالم بأسره، صنعوا منه "النائب الضحية" في حلقة أمس من برنامج "اضرب العربي وخذ بوسة". لكنه لم يكن الضحية الوحيدة. نحن كنا الضحية. جمهور المشاهدين الذين جلسوا بسذاجة امام الشاشات، نتابع كيف يتم جلد رجل على مرأى ومسمع العالم، بينما الديمقراطية تصفق، وحقوق الإنسان تتثاءب، والعدالة تحزم حقيبتها وتبحث عن بلد آخر تلجأ إليه.
نعم، عودة لم يكن بحاجة إلى تصويتهم. ب
ل بحاجة إلى من يحمل عنه هذا الحمل الثقيل من المرارة. إلى من يرفع صوته عالياً ويقول: هذا ليس برلمانًا، بل مصنعًا للكراهية، مسلخًا إنسانيًا تُذبح فيه الكرامة وتُباع في أكياس، فوق طاولة النقاش.
لكننا صمتنا. شربنا فنجان القهر، وغسلنا عيوننا بالملح، وقلنا: "عادي". وليس هناك شيء أخطر من هذا "العادي". لأن العادي هو أن يُجلد العربي، ويُهان، ويُسخر منه، ونحن نتابع، ثم ننام.
أيها السادة: المسرحية مستمرة. الأبطال يتغيرون، لكن الكراهية ثابتة. الغوتليف الجديدة تنتظر خلف الستارة. الميكروفون نظيف، والعدسة جاهزة، والعربي التالي… في الطريق.
- ناضل حسنين
15/07/2025 09:08 am 38