
كنوز نت - بقلم الباحث والكاتب : سليم السعدي
بين سفر زكريا وهلاك العرب: حين يُحرّف الدين لخدمة الإبادة
بقلم الباحث والكاتب : سليم السعدي
في أعماق النصوص القديمة، هناك من يحاول أن يستخرج مبررات للقتل والإبادة، ويتخذ من الكتب المقدسة درعًا لتغطية عُري مشروع استعماري قائم على النفي والإلغاء. من بين هذه النصوص، يبرز ما جاء في سفر زكريا، الإصحاح الرابع عشر، حيث يُرسم مشهد مرعب عن شعوب تُذاب أجسادهم وهم واقفون على أقدامهم، وعيونهم تذوب في محاجرها، وألسنتهم تتحلل في أفواههم:
> "وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب جميع الشعوب الذين تجندوا على أورشليم: يذوب لحمهم وهم واقفون على أقدامهم، وتذوب عيونهم في أوقابها، ولسانهم يذوب في أفواههم" (زكريا 14:12).
هذا النص، في سياقه التاريخي، يُعد جزءًا من أدب الرؤى اليهودية، ويتناول أحداثًا تصوّر نهاية الزمن بطريقة رمزية. لكنه اليوم، في ظل الاحتلال الإسرائيلي، يُستعمل من قبل البعض كسيف موجه نحو العرب، ويُوظّف في خطابات سياسية تنضح بالعنصرية، وتُحرّض على الإبادة والتفوق العرقي.
لقد سمعنا، وقرأنا، وشاهدنا من يقول:
> "إسرائيل لن تزول حتى تهلك العرب وتثنيهم، ولن يتبقى منهم إلا القليل."
هذه العبارة، وإن لم تكن مذكورة حرفيًا في سفر زكريا، إلا أنها تُستوحى من روحه المشوّهة حين تُقرأ بعين سياسية متطرفة. وهي لا تختلف في جوهرها عن منطق النازية الذي استند إلى "تفوق العرق الآري"، ولا عن كل نظام دموي جعل من ذاته محورًا للكون، ومن الآخرين نفايات يجب التخلص منها.
وماذا عن قول النبي ﷺ: "هلك العرب"؟
قد يُقال: أليس في أحاديث النبي محمد ﷺ ما يشير إلى هلاك العرب؟ والجواب: نعم، وردت أحاديث صحيحة عن ذلك، لكنها تختلف جذريًا عن الخطاب الصهيوني العنصري.
قال النبي ﷺ كما في الصحيحين:
> "ويل للعرب من شر قد اقترب! قد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه..."
وفي رواية أخرى:
> "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث."
فالهلاك في كلام النبي ﷺ تحذير لا وعيد، وبكاء لا شماتة. هو خوف على العرب، لأنهم حملة الرسالة، وأمة الدعوة، فإذا ضلوا، ضلّ العالم معهم.
أما الهلاك في الفكر التوراتي المحرّف أو الخطاب السياسي الصهيوني، فهو دعوة للإبادة، وتبرير للقتل الجماعي، وتطهير عرقي مقنن بالنصوص.
الدين في خدمة الاستعمار
ما تقوم به الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، هو تسييس الدين وتديين السياسة. تجعل من النصوص المقدسة أداة لشرعنة الاحتلال، وتُحوّل الوعد الإلهي إلى "صك امتلاك" للأرض والإنسان. لكنها في حقيقة الأمر، تخون حتى الدين نفسه، لأن الله لا يكون أبدًا في صف الظالم والمغتصب، بل في صف المظلوم، أيا كان دينه أو لونه أو لسانه.
بين البقاء والعدالة
نحن لسنا ضد النصوص الدينية، ولا ضد معتقدات أحد، ولكننا ضد تحريف المعنى وتجيير الإيمان لخدمة مشروع استيطاني استعلائي. فإذا كانت إسرائيل تزعم أنها باقية حتى تهلك العرب، فنقول لها: الحق لا يزول، والشعوب لا تُفنى، ومهما طغى الطغاة، فالشمس لا تُحجب بغربال من نار.
الكلمة الأخيرة
لسنا أقلية ستُستأصل، ولسنا حثالة يُذيبها الغضب الإلهي كما يزعمون. نحن أمة الجذور العميقة، أصحاب الأرض، وأبناء الأنبياء. من القدس إلى غزة، من النقب إلى الجليل، من بيروت إلى دمشق إلى صنعاء وبغداد والرباط، صوتنا لن يُذاب، وعيوننا لن تُفرغ من محاجرها، لأننا نرى الحقيقة، ونعرف كيف نكتبها ونموت من اجلها
05/07/2025 08:46 pm 67