كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي


ضربة محسوبة أم مسرحية كبرى؟ التنسيق الخفي بين واشنطن وطهران بعد مغامرة نتنياهو النووية
بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
بينما تصدرت عناوين الأخبار خبر الضربة الأميركية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، بدت تفاصيل الحدث أكثر التباسًا مما يظهر على السطح. فبدل أن تتصاعد الأحداث نحو مواجهة شاملة، كما توقع كثيرون، خرجت طهران لتؤكد أن "المواد الخطرة قد أُزيلت مسبقًا"، وأنه "لا خطر على الشعب الإيراني". في المقابل، اكتفت واشنطن بتوجيه ضربة محدودة دون أي تحرك بري أو تصعيد بحري كبير. فهل نحن أمام ضربة محسوبة تم تنسيقها مسبقًا؟ وهل هناك اتفاق ضمني لتغطية إخفاقات الطرفين الداخلية؟ هذا ما سنحاول تفكيكه في هذا المقال .
أولاً: مغامرة نتنياهو... والانسحاب الأميركي من "الفخ"
بدأت الأزمة عندما شنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلسلة ضربات استفزازية على منشآت إيرانية في عمق الأراضي، في خطوة وُصفت بأنها غير مدروسة وذات أهداف سياسية داخلية، تهدف إلى إنقاذ موقعه السياسي من الانهيار تحت وطأة الاحتجاجات وفقدان السيطرة على الجبهة الداخلية. لكن المفاجأة أن الولايات المتحدة لم تتدخل مباشرة لوقف هذه الضربات، بل بدا أن واشنطن فوجئت بتداعياتها، ووجدت نفسها في زاوية استراتيجية حرجة .
ثانياً: هل نُسّقت الضربة الأمريكية مع إيران؟
المؤشرات كثيرة على أن واشنطن اختارت خيار "الضربة المنضبطة" وليس التصعيد الكامل. هذا الخيار – الذي شوهد سابقًا بعد اغتيال قاسم سليماني – يعتمد على معادلة بسيطة: ضربة مدروسة تحفظ ماء وجه واشنطن دون استفزاز إيران للرد الشامل.
بل وتذهب مصادر مقربة من الدوائر التحليلية إلى أن قنوات اتصال غير مباشرة (عبر وسطاء كقطر أو سلطنة عمان) تم تفعيلها لتنسيق الخطوط الحمراء. أي أن إيران عرفت مسبقًا عن نية الضربة، فقامت بسحب المواد النووية الخطرة من المفاعلات، ما أدى إلى غياب أي تسرب إشعاعي أو كارثة بيئية .

ثالثاً: لماذا سُحبت المواد الخطرة؟ مسرحية بامتياز أم وقاية محسوبة؟
تصريحات خبراء إيرانيين أن "جميع المواد الخطرة قد أُزيلت من المواقع قبل الضربة" تؤكد أن شيئًا ما قد حدث خلف الكواليس. فلا يُعقل أن تُقصف ثلاثة مواقع نووية دون حدوث تسرب، إلا في حالين:
1.تم تحييد هذه المنشآت مسبقًا

2.كان هناك إشعار أو توقيت معروف مسبقًا للضربة
وهنا يصبح احتمال "التنسيق المسرحي" أقرب إلى الواقع، حيث كل طرف يُظهر لجمهوره الداخلي القوة والعقلانية، بينما في الواقع يجري تفادي التصعيد المتبادل باتفاق غير معلن.
رابعاً: أهداف كل طرف من الضربة "المُتحكم بها"
•الولايات المتحدة: 
oإعادة فرض "هيبة الردع" بعد تجاوز نتنياهو للخطوط.
oمنع الحرب الشاملة التي تضر بمصالحها في الخليج.
oتغطية العجز السياسي الداخلي والملف الانتخابي.
•إيران: 
oالظهور بمظهر القوة والضحية معًا.
oتفادي الدخول في حرب شاملة قد تُضعف النظام داخليًا.
oالاستفادة من المشهد لصالح "وحدة الجبهة الداخلية" دون تقديم خسائر فعلية.
خامساً: هل غُطيت إخفاقات نتنياهو بهذه الضربة؟
في الظاهر، قدمت الضربة الأمريكية لنتنياهو تغطية دعائية مفيدة، تُوهم جمهوره أن إسرائيل ليست وحدها، وأن واشنطن "في ظهرها". لكن في الجوهر، فإن الضربة حدّت من اندفاع نتنياهو وفرضت عليه قيودًا أمريكية جديدة، وقد تكون جزءًا من عملية لجم جماح التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب كبرى لا تريدها واشنطن الآن.
الخلاصة: لعبة توازن على حافة الهاوية
في عالم السياسات الكبرى، لا يحدث شيء مصادفة. الضربة الأمريكية الأخيرة، رغم ضجيجها، أقرب إلى رسالة تحذيرية مزدوجة: لإيران "نحن نراقب"، ولنتنياهو "لا تلعب بالنار أكثر". وبين الإثنين، يبقى المواطن العربي في المنطقة رهينة هذه التوازنات المؤلمة.