.png)
كنوز نت - بقلم الكاتب: سليم السعدي
علاج المتطرفين والحاقدين وزارعي الفتن والإجرام: رؤية إنسانية ومجتمعية شاملة
بقلم الكاتب: سليم السعدي
في عالم يعج بالصراعات والانقسامات، لا يكاد يخلو مجتمع من آفة المتطرفين والحاقدين وزارعي الفتن والإجرام. هؤلاء لا يُولدون متطرفين، بل هم نتاج بيئات ملوثة بالقهر، والظلم، والجهل، وسوء التأويل. وإن كان بعضهم قد تورط في جرائم مادية أو معنوية، فإن التعامل معهم لا يجب أن يكون محصورًا في السجون والمشانق، بل في برامج عميقة تعالج الجذور وتُصلح النفوس.
أولًا: جذور التطرف والحقد
التطرف لا ينشأ من فراغ، بل من عوامل نفسية وفكرية واجتماعية تتداخل:
•نفسية: شعور عميق بالظلم، فقدان الأمان، تجارب قاسية في الطفولة، أو خلل في الشعور بالقيمة الذاتية
•فكرية: تبني تأويلات دينية أو قومية مغلقة تُقصي الآخر وتبرر العنف
•اجتماعية: التهميش، البطالة، الفقر، وبيئات تُربّي على الكراهية والانغلاق
•سياسية: أنظمة قمعية تُشيطن المعارضة، وتحاصر الوعي، وتزرع خطاب التخوين بدل الإصلاح.
ثانيًا: مقاربة العلاج
إن معالجة هذه الظواهر لا تتم من خلال القمع وحده، بل عبر مشروع مجتمعي متكامل:
1. العلاج النفسي
العديد من الحاقدين هم ضحايا صدمات غير معالجة. جلسات الإرشاد النفسي، خصوصًا العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، تساعدهم على تفكيك الأفكار المدمرة التي تبنّوها عن أنفسهم والآخرين.
2. تفكيك الخطاب المتطرف
نحتاج إلى خطاب بديل، يعيد قراءة النصوص الدينية والتاريخية بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الاستغلال السياسي. خطاب عقلاني رحيم، يحاور لا يقصي، يبني لا يهدم.
3. الإدماج الاجتماعي
لا يمكن أن نعالج الكراهية في قلوب من يشعرون بالنبذ. حين يحصل الشاب المتطرف على فرصة عمل، أو يحظى باحترام مجتمعه بعد تغيّر سلوكه، تنطفئ في داخله نار العداء.
4. الردع العادل
لا عدالة دون محاسبة، ولا إصلاح دون حدود واضحة. يجب أن يُحاسب من يبثّ الفتنة أو يرتكب الجرائم، لكن بعيدًا عن الظلم الجماعي أو الانتقام. فالقانون العادل هو أقوى من كل سيف.
ثالثًا: الوقاية المبكرة
العمل التربوي هو خط الدفاع الأول. تنشئة الأطفال على قيم الرحمة، والتفكير النقدي، والتعددية، تحصّنهم من أن يكونوا أدوات في أيدي تجار الدم والكراهية. كما يجب أن يتوقف الإعلام عن ضخ السموم الطائفية والسياسية، وأن يتحول إلى منبر توعية لا منصة تحريض.
رابعًا: البعد الروحي
حين يفقد الإنسان صلته بنور الرحمة، يستبدله بنار الحقد. إن تعزيز القيم الإيمانية الصحيحة – لا الشعارات الدينية الفارغة – يعيد للبشر توازنهم، ويعيد للقلوب ضياءها. الدين الصحيح لا يصنع قاتلًا، بل يصنع مصلحًا.
خاتمة
ليس كل من ضلّ طريقه عدوًا. كثير من المتطرفين والحاقدين هم جرحى في أرواحهم، أو ضحايا في عقولهم، أو فقراء في إنسانيتهم. والعلاج لا يكون بالرصاص وحده، بل بالعلم، والعدل، والحب، وبناء بيئة لا تُنتج حقدًا جديدًا.
إننا بحاجة إلى مشروع إنقاذ لا مشروع انتقام. مشروع يداوي المجتمع كما يردع الجريمة، ويزرع في الإنسان نور العقل بدل نار الكراهية.
17/06/2025 07:16 pm 62