كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


الإنسان الحضن… حين يكون التواضع لغة القلوب
بقلم: رانية مرجية
في زمنٍ تُقاس فيه القيمة بعدد المتابعين، ويُوزن الإنسان بماركة حذائه، تظل هناك زوايا مضيئة من العالم لا تُرى بالعين المجردة، بل تُبصر بالقلب. هناك، حيث الطيبة تسكن، والبساطة تُعاش بكرامة، والناس لا تتصنع، بل تُحب وتُعطي بلا مقابل. هؤلاء هم الناس الحقيقيون الذين يحملون سر البركة في تفاصيلهم. لكن كيف نتعامل معهم؟ وكيف نحيا بينهم دون أن نفقد إنسانيتنا؟
لقد علمتني التجربة، قبل الكتب والمقالات، أن من يتواضع أمام البسطاء يرتقي، ومن يسخر منهم يسقط من حيث لا يدري. التكبر على البسطاء ليس فخراً، بل سقوطٌ أخلاقي وإنساني، وأشد الإعاقات وجعاً ليست تلك الجسدية، بل هي إعاقة القلب الذي لا يعرف الرحمة، وإعاقة الضمير الذي لا يرى غير نفسه، وإعاقة الفكر الذي لا يحتمل اختلافاً ولا يرحب بتنوع.
الناس الطيبون لا يحتاجون منا كثيراً. لا يطلبون قصوراً ولا هدايا باهظة. كل ما يريدونه هو حضن، كلمة طيبة، نظرة احترام، لمسة حنان، وشعور بأنهم مهمون. صدقاً، في عالم مادي قاسٍ، أكثر ما يحتاجه الإنسان هو من يشعره أنه غالٍ ومميز، لا لأنه يملك أو يُتقن، بل لأنه إنسان فقط.
نعم، كن الإنسان الحضن. كن ذاك الذي يطبطب لا لضعف، بل لقوة قلبه. كن الذي يرى في الآخر مرآة لروحه، لا مرآةً لنقصه. لا تُعامل الناس بحسب مظهرهم أو لهجتهم أو موقعهم الاجتماعي. تعامل معهم بإنسانيتك. عاملهم كما تُحب أن تُعامل، وصدقني ستُفتح لك أبواب الخير من حيث لا تحتسب.
وما أجمل صباحات الناس التي تعرف أن “الله محبة”. صباحات الناس التي لا تخجل من الطبطبة، ولا تتردد في قول كلمة حلوة، ولا تتوانى في الوقوف مع من لا سند له. الناس الذين يفهمون أن التواضع ليس ضعفاً، بل حكمة. وأن الاحتواء ليس ترفاً، بل جوهر الحياة.
يا ليتنا ندرك أن أساس النجاح ليس شهادة ولا وظيفة ولا شهرة، بل محبة حقيقية، وتواضع أصيل، واحتواء نابع من روحٍ تعلمت أن ترى الله في وجه كل إنسان.

في النهاية، ستبقى الحياة تختبرنا: هل نرتفع فوق الآخرين لنتفاخر، أم نرتفع بمحبتنا لنكون حضناً دافئاً لمن حولنا؟
صباح الفل والبركة… لكل إنسانٍ ما زال إنساناً